أعلن أهالي السّجناء والموقوفين والمطلوبين في مختلف المناطق اللبنانيّة عن دعوةٍ إلى تحرُّكٍ شعبيٍّ ووطنيٍّ موحَّد عند الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم الأحد المقبل، في ساحات المناطق كافة، تحت شعار: "العفو العام حق... وليس مَنّة". وجاءت الدعوة في بيانٍ شدّد على أنّ صبر الأهالي "نفد" وأنّ ملفّ العفو العام لا يزال عالقًا وسط التجاذبات السياسيّة، ما يترك آلاف العائلات رهينةً للحرمان والانفصال القسري عن أبنائها.
وأكّد الأهالي أنّ مطلبهم الأساس هو إقرار قانونِ عفوٍ عامٍّ شاملٍ وعادل يُنهي معاناة عشرات آلاف اللبنانيّين ويُعيد لمّ شمل العائلات، مع استثناء الجرائم الخطيرة من نطاق العفو، وشمول الجرائم الصغرى والمخالفات المرتبطة بالفقر والحرمان. كما طالبوا بـالإفراج عن الموقوفين من دون محاكمة منذ سنوات في ظلّ انهيار أوضاع القضاء والسجون، وبـدعم مشروع قانونٍ متوازن كالذي طرحه قضاةٌ ونوّابٌ وحقوقيّون، وأشادوا بمواقف القاضي حمزة شرف الدين والنائب اللواء أشرف ريفي التي وصفوها بـ"الشجاعة والواضحة" دفاعًا عن هذا الحقّ.
طبيعة التحرُّك ورسائله
وأوضح البيان أنّ التحرُّك سلميٌّ بالكامل، "لا يقطع طريقًا ولا يُعطِّل حياة أحد"، ومنسَّقٌ بين المناطق لإبراز أنّ العفو "مطلبٌ وطنيٌّ جامع". وستُوجَّه الرسالة مباشرةً إلى السلطة التشريعيّة لتحمُّل مسؤوليّاتها، على أن يحظى التحرّك بدعم حقوقيّين وإعلاميّين وشخصيّاتٍ وطنيّةٍ "نزيهة". وجاء في الرسالة إلى المسؤولين: "نحن لا نطلب معروفًا، بل نطالب بحقّنا. نطلب العدالة لا العنف، الرحمة لا الإهمال، ونقول: لا دولة من دون مصالحة، ولا مصالحة من دون عفوٍ شامل".
ملفٌّ قديم يتجدّد
ويتجدّد الضغط الشعبي حول العفو العام على وقع مساعٍ سياسيّة ومشاريع قوانين طُرحت خلال العامين الأخيرين لمعالجة الاكتظاظ المزمن في السجون وتعثُّر المحاكمات. فقد أشارت تقارير إلى وصول بحث العفو إلى مراحل متقدّمة أواخر 2024 مع اختلاف المواقف بين الكتل حول من تشملهم أحكامه، فيما برزت مواقف متشدّدة داخل الحكومة آنذاك حيال أيّ عفوٍ واسع النطاق. كما شهد عام 2025 تحرّكاتٍ واعتصاماتٍ لأهالي السجناء أمام سجن رومية للمطالبة بـ"عفوٍ عامٍّ شامل" و"تبييض السجون" و"طيّ صفحة الماضي"، في ظلّ استمرار الجدل السياسي والقانوني حول معايير الاستثناء وشمول فئاتٍ بعينها. تاريخيًّا، يُذكِّر مختصّون بأنّ لبنان عرف العفو العام رقم 84/1991 في أعقاب الحرب الأهليّة، وهو قانونٌ طُبعت نقاشاته دائمًا بحساسيّاتٍ سياسيّة وطائفيّة. هذه الخلفيّة تُظهر أنّ مسار العفو ظلّ رهينة التوازنات لا المعايير القضائيّة فقط.
وخاطب البيان الأهالي في عكّار وطرابلس وبعلبك والهرمل وصيدا وبيروت والجنوب والجبل وسائر المناطق، داعيًا إلى المشاركة عند الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم الأحد تحت رايةٍ واحدة: "العفو العام الشامل والعادل... من أجل العدالة والسلام الاجتماعي".
من جهتها، أشارت رائدة الصلح، عضو لجنة أهالي السجناء وناشطة حقوقيّة في حديثها إلى "المدن"، أنّه "برأيي، مجيء الوفد السوري، وعلى رأسهم وزير الخارجيّة أسعد الشيباني، والجدّية التي تظهر في الذهاب إلى حلول للملفّ السوري، وتكرار أكثر من تصريح لنائب رئيس الحكومة الدكتور طارق متري عن أنّ سوريا تريد حلًّا لهذا الملفّ وأنّ "عندنا الإرادة السياسيّة لإنهاء هذا الملفّ"، وتلا ذلك مجيء الوفد القضائيّ الأمنيّ السوريّ، على رأسه وزير العدل السوريّ الدكتور مظهر الويس، والزيارة التاريخيّة لسجن روميّة، والإيجابيّة الكبيرة التي رافقت هذه التحرّكات والزيارة بوضع ملفّ السجناء السوريّين على سكّة الحلّ؛ وبما أنّ أهالي السجناء في لبنان لهم أكثر من عشر سنوات ينزلون إلى الطرقات للمطالبة بالعفو العام وإنهاء معاناة أبنائهم، فقد توصّلنا في لجنة العفو العام — والتي من أهمّ أعمدتها وصوتها المسموع عشائر بعلبك الهرمل — إلى بدء سلسلة تحرّكات ليست للتعطيل على أحد، إنّما لنقول للدولة اللبنانيّة إنّ العدالة الانتقائيّة ظلم، وما نطالب به هو حلّ شامل يستفيد منه كلّ سجناء لبنان".
وأضافت: "ولهذا، فنحن ندعو كلّ المناطق، وليس فقط في بعلبك الهرمل، إلى التحرّك يوم الأحد والاعتصام في مناطقهم بتوقيتٍ موحَّد عند الساعة الرابعة عصرًا، وبشعارٍ موحَّد: "مطلبنا العفو العام الشامل". وهذا ما دعت إليه عشائر بعلبك الهرمل في بيانها الأخير، وتأكيد الدعوة للأهالي جاء على لسان الحاج دمر المقداد، الذي شدّد على أنّ التحرّكات ستستمرّ حتّى تحقيق مطلبنا وخروج أبنائنا إلى الحرّيّة. ونؤكّد أنّ ما نتبنّاه هو موقف رئيس الحكومة الذي نُقل عنه أنّ الحلّ سيكون للبناني قبل السوري. وتحركاتنا هي للدعم ولتهيئة الظروف السياسيّة والاجتماعيّة، وتهيئة الرأي العام وتعريفه من جديد بمعاناة أبنائنا؛ فأكثر من 80% منهم من دون محاكمات، والعدالة مريضة، ونسبة الاكتظاظ تصل إلى 300%، والموت يخطف أولادنا واحدًا تلو الآخر، والإهمال الطبّي والعجز وعدم القدرة لدى الدولة على تأمين حاجات السجناء بسبب الأزمة الاقتصاديّة والنقص في الميزانيّة، يستدعيان البحث عن حلول ضمن مبدأ العدالة الانتقاليّة التي لا يُظلم فيها أحد، ولا تكون انتقائيّة ومجحفة، فلا تُصيب جرحًا في السجون وتعالجه وتترك الجراح الأخرى تنزف حتّى الموت".
