حال من التململ تسيطر على جزء كبير من أبناء السويداء نتيجة عدم صوابية القرارات والخطوات السياسية التي اتخذها أحد مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، وفق ما يقول مصدر محلي لـ"المدن". وبحسب المعطيات المتوافرة من السويداء، فإن نوعًا جديدًا من القمع يمارس على كل من يسير في اتجاه مغاير أو يتخذ موقفًا آخرَ مخالفًا لقرار الشيخ حكمت الهجري، وبالتالي: هل بات يهيمن على السويداء نظام مشابه لنظام الأسد في الهيكلية والأداء وثقافة الإدارة للشؤون العامة، لاسيما أن من هم في موقع القرار الأساسيين حاليًا كانوا فاعلين في مرحلة ما قبل سقوط النظام السابق؟
الامتعاض من الشيخ الهجري لم يقتصر على المجتمع المحلي في السويداء، بل وصل كذلك الى المرجعيات الدرزية في إسرائيل، بحسب مصدر في السويداء، إذ أن تغيرًا بدأ يُلمس في موقف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة الشيخ موّفق طريف، ولا بد من التوقف عنده بإمعان، لما حمله من انعكاسات على أبناء السويداء.
وعود لم تتحقق
"الوعود التي قُطعت لم يتحقق منها شيء"، يفيد مصدر محلي في السويداء. ويرى أنها كانت مجرد وعود كلامية، أو عبارة عن خطوات لم تكن صائبة أو غير قابلة للتطبيق، ومنها على سبيل المثال الممر الإنساني وإعلان الدولة الدرزية والكيان المستقل، وتبيّن بعد الربط بين الخطوات والبيانات أن الاعتماد كان على إسرائيل، فرُفع العلم الإسرائيلي في الساحات، وكما شهدنا أن لا ممر إنسانيًا فتح من حضر أو غيرها، ولم يقدم أي دعم مما سميّ بالدول الضامنة أو من الشيخ طريف بما يتعلق بالكيان المستقل
وفي هذا الصدد، ما بدا لافتًا في البيان الأخير للشيخ الهجري أنه لم يشكر إسرائيل، إنما أطلق اسم جبل الباشان على جبل العرب، وهو اسم عبري. ويسأل المصدر هل يريد تهويد السويداء؟
ويستغرب المصدر اعتماد الشيخ الهجري هذا المسمى لجبل العرب في هذا التوقيت بالذات وفي ظل هذه الظروف، سيما أنه أطلق على الجبل تسميات أخرى عبر التاريخ، علمًا أن كلمة "الباشان" سبق وأطلقت منذ 40 عامًا تقريبًا على إحدى شركات نقل الباصات وسيارات الأجرة.
وتجدر الإشارة الى الشيخ الهجري أطلق اسم الباشان على جبل العرب في البيان الأخير الذي وجّه فيه نداءً إنسانياً عاجلاً إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، وجامعة الدول العربية، ومنظمات العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وجميع الجهات الدولية المعنية، حول الوضع الإنساني الصعب في "جبل الباشان بالسويداء"، كما ورد في البيان.
تصريح أمني وسيطرة
ومع تشكيل الحرس الوطني في السويداء، وتسلمه زمام حفظ الأمن، تبين أنه مكوّن من موزاييك من رجال الدين وفصائل غير متجانسة وضباط سابقين في الجيش السوري أمثال أحد ضباط الفرقة الرابعة والمكروه من أبناء السويداء جهاد نجم الدين الغوطاني، بسبب تنكيله بالمدنيين، بحسب ما يشير مصدر محلي لـ "المدن".
وبين الفينة والأخرى يطفو الحديث عن صراعات داخلية بين كل هذه المكونات، وانعكس ذلك على الواقع العام، إذ بدت بعيدة عن ضبط الأمن بشكل فاعل، وبعضها مرتبط بشبكات للتجارة والتهريب. وصدر أخيرًا بيان عزل لقيادات وعناصر من صفوف الحرس الوطني التابع للهجري على إثر الخلاف الذي حصل بين الفصائل المحلية.
كما تحدثت المصادر عن قيادة ضباط علويين للحركة الأمنية والعسكرية في السويداء، ويحاول الشيخ الهجري إبقاءهم خارج الصورة.
وهذه القبضة الأمنية فرضت الحصول على تصريح أمني من جهات تابعة للهجري، إذا ما أراد أحد الخروج من السويداء. وينقل المصدر ما قاله أحد المتابعين: "ما عملنا كل هل الشي لتروحوا على دمشق".
الى ذلك، هذه القبضة الأمنية تضع مختلف الفئات، لاسيما المثقفة منها وصاحبة الفكر أمام الحذر من التعبير عمّا تطمح إليه أو لا توافق عليه من خطوات الهجري، وفق المصدر.
ويقول المصدر: إنهم يعيشون حالاً من الضياع وعدم القدرة على تحديد معالم المستقبل أو الاختيار، ويحاولون تغيير المشهد إنما بحذر شديد.
اهتزاز الثقة
"صدقية الشيخ الهجري بدأت تهتز" يقول المصدر لـ "المدن"، لافتًا في هذا السياق الى تفاقم الأزمات الاجتماعية والصحية والتربوية، ورفض الشيخ الهجري أي مبادرات حتى من أبناء السويداء المغتربين في الخارج عبر التعاون مع الإدارة السورية للتوصل الى حل يمّكن الطلاب من متابعة سنواتهم الدراسية.
وفي سياق آخر، ثمة تذمر لدى جزء من أبناء السويداء يتمثل في أن ما يطالب به الشيخ الهجري من الإدارة السورية في دمشق لا يطبّقه حاليًا في السويداء.
مظلة الهجري؟!
ما صرّحه مقربون من الشيخ موفق طريف من انتقادات لاذعة للشيخ الهجري، صراحةً وتلميحًا، كفيل بإظهار التململ من مواقفه والاستمرار في إدارة الشؤون السياسية للسويداء بعيدًا عن أي قراءة شاملة للمشهد الدولي والإقليمي، ويؤشر كذلك الى تراجع واضح وعودة الى منطق الأمور والواقعية السياسية في مقاربة حاضر ومستقبل السويداء.
"نضع النقاط على الحروف ونلمح كي يفهم اهلنا الى اين نحن سائرون"، قالها صراحة الوزير الدرزي الإسرائيلي السابق صالح طريف في تصريح مؤخرًا، داعيًا الى "النظر إلى الأمور بحكمة وعقل".
واستخدم طريف عبارة أن هناك أشخاصًا يضللون الناس، ولا يرغب في ذكر الأسماء، لأن "معظمها معروف وبعضها غير مهم"، مشددًا على أن "من وعد الدروز أو أهل السويداء بأن إسرائيل ستحتل السويداء، هو مخطئ تمامًا وذلك لن يحدث أبدًا".
ورأى أن "رفع السقف في تصريحاتنا قد يسيء إلينا كما حدث سابقًا حين أدى ذلك إلى تحريض ضدنا في العالم الإسلامي الذي نحن جزء منه"، مؤكدًا ضرورة العودة الى الواقع، و"أن ندرس الممكن وما يمكن تحقيقه"، على حد تعبيره. وتساءل: "ما الذي يمكن أن نحصل عليه اليوم؟ إلى أي مدى يمكن أن نصل بالضغط الإسرائيلي والأميركي في ما يتعلق بالسويداء بعد كل ما حدث؟ هذا هو السؤال الأهم".
واعتبر طريف أن الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب ومعها العالم العربي والمجتمع الدولي بايعوا الرئيس السوري أحمد الشرع الذي تحدث في الأمم المتحدة ما يعكس الاعتراف الدولي بالقيادة السورية الجديدة، على حد تعبيره.
كما أشار في حديثه الى أن "قبل السويداء هناك الولايات المتحدة وهناك ترامب، وأن حتى إسرائيل تتأثر بالسياسات الأميركية، وخاصة في القضايا الحساسة كقضية غزة"، متمنيًا أن يكون "جبل الدروز مرتبطًا بنا بأي شكل من الاشكال، ويتمتع بمنتهى الحرية والاستقلال ولكن الواقع الديمغرافي والسياسي والاقليمي والعالمي يملي شروطه على هذا الوضع".
وسبق أن دعا الشيخ موفق طريف الشيخ الهجري الى التوصل لحل مع دمشق، لاسيما أن الوزير صالح طريف أعرب منذ ما يقارب الشهرين عن تفاؤله بشأن موقف الشيخ الهجري تجاه مقترحات موفق طريف.
كذلك أتى التسجيل الصوتي لأمير طريف، أحد المقربين من الشيخ موّفق طريف، في السياق عينه، إذ انتقد فيه أداء الشيخ الهجري وغياب الثقافة الدبلوماسية في التعاطي الإدارة السورية الجديدة، وعدم إرساله أي وفد من قبله الى دمشق على الرغم من إرسال الرئيس السوري 19 وفدًا اليه، إضافة الى الاستفراد في القرار، وتوريط السويداء
حراك سياسي
وفي ظل هذا الوقع من عدم الاستقرار والبحث عن حلول لهذه الأزمات، بدأت السويداء تشهد انطلاقة حراك سياسي، لا يرقى الى مرحلة "الحراك الموازي". وأُعلن مؤخرًا عن نشأة مكوّن من الكتل السياسية والنقابات والمنظمات والمجتمع الأهلي والناشطين السياسيين.
وفي المقابل، يكمن التحدي في قدرة هكذا حراك أو تشّكل نواة لمواجهة محتملة من إحداث خرق في المشاركة في القرارات، خصوصًا أن حضور الشيخ الهجري لايزال الأقوى عسكريًا.
ويشير مصدر محلي مطلع لـ "المدن" الى محاولة تشكيل مكوّن سياسي في السويداء من المثقفين والنقابات، بما يعرف بمؤتمر السويداء للسلام، يمنح قرارًا موّحدًا ومستقلًا في السويداء. ويسأل المصدر: "هل يمكن أن يستمر ويتمتع بفاعلية والقدرة على القيام بخطوات تنفيذية، لا أحد يعلم ذلك".
ويتابع: "الى أي مدى سيسمح الشيخ الهجري بالاستمرار به، لاسيما أن التجارب السابقة باءت بالفشل ومنها المؤتمر الذي عُقد برعاية الدكتور رياض العيسوي، وجمع مختلف القوى السياسية والمحلية، وانبثق عنه لجان سياسية وصحية وتربوية واجتماعية وعسكرية الخ، وعندما يصل الى مرحلة العمل الجديّ ولا يقبل به يُفشّل".
وفي السياق، ومن بين الاقتراحات التي يُطالب بها في السويداء على سبيل المثال انتخاب مجالس محلية، وتشكيل مجلس موّحد منتخب يتكلم باسم السويداء، ولا يكون تعينًا، وفق ما يذكر أحد المصادر المحلية في السويداء لـ "المدن".
تحريف لهوية الدروز
هذه التحولات في السويداء لها قراءتها لدى الدروز في لبنان، خصوصاً مع إطلاق اسم جبل الباشان على جبل العرب. فغالبية البيئة الدرزية في لبنان تعتبر أنه تحريف إضافي قام به الشيخ الهجري لهوية الدروز الدينية والعربية، بعد شكر إسرائيل ورفع العلم الإسرائيلي، بحسب مصدر مراقب. ويرى المصدر أن هذا تحول في فهم ما يخطط للسويداء، واستيقاظ من زيف الوعود.
