المجلس الأعلى اللبناني السوري "عُلِّق" بقرار سياسي لا تشريعي

زينب زعيترالجمعة 2025/10/10
سوريا (Getty)
المجلس الأعلى اللبناني السوري تحول عملياً منذ العام 2005 إلى هيكل شبه مجمد (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

اختارت وزارة الخارجية اللبنانية توقيت الإعلان عن القرار الذي تبلغته عبر السفارة السورية، بتعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري، وحصر المراسلات بين البلدين بالقنوات الدبلوماسية الرسمية فقط، تزامناً مع زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان، على الرغم من تبلغها القرار منذ الثلاثاء الفائت. 

وقبيل ساعات من وصول الشيباني إلى لبنان، في زيارة هي الأولى من نوعها بعد سقوط نظام بشار الأسد، نشرت الخارجية اللبنانية القرار، الذي يُنظر إليه بوصفه إجراءً ذا بعد سياسي بالدرجة الأولى، نظراً إلى طبيعة هذه المؤسسة التي نشأت في زمن وصاية سوريا على لبنان، وبقيت موضع نقاش واعتراض داخل الساحة اللبنانية لفترة طويلة، وسط مطالبات عدة بإلغاء المجلس.

 

وعلى الرغم من أنّ المجلس تحوّل عملياً منذ العام 2005 إلى هيكل شبه مجمّد. لا اجتماعات، لا قرارات، ولا متابعة تنفيذية، ومع ذلك، لم يُلغَ رسمياً، وبقي قائماً بحكم الاتفاقية لا بحكم الفعل. واليوم صدر قرار أحادي، من الجانب السوري بتعليق عمله. لبنان فعلياً تبلغ فقط بالقرار، على الرغم من أن المجلس ينبثق من  معاهدة الأخوة والتعاون، الموقعة من البلدين بقرار مشترك. بينما جاء الرد اللبناني على القرار السوري بتعليق العمل فيه، ضمن موقف لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي التقاه في قصر بعبدا، حيث اعتبر عون أن "ذلك يستوجب تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين بيروت ودمشق"، قائلاً: "ننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة مختلف القضايا من خلال التنسيق المباشر بين السفارتين في بيروت ودمشق".

 

مجلس معلّق.. ولكن غير ملغى

 يعود تأسيس المجلس إلى العام 1991، ضمن اتفاقيّة معاهدة الأخوة والتعاون بين لبنان سوريا، التي وقّع عليها الرئيسان اللبناني إلياس الهراوي والسوري حافظ الأسد آنذاك. ويتألف المجلس من رئيسي الجمهورية في البلدين، رئيسي الحكومة في البلدين ونائبيهما، إضافة إلى رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس مجلس الشعب السوري.  

وتنص الفقرة "د" من المادة السادسة ضمن الاتفاقية على أن "قرارات المجلس الأعلى إلزامية ونافذة ضمن النظم الدستورية للبلدين"، ومن صلاحيات المجلس وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في المجالات كافة، كما يشرف على تنفيذها. 

تعليق عمل المجلس لا يعني الغاءه. وإذا كان الهدف من الغائه سياسي بامتياز لشطب كل ما يتعلق بالنظام السوري القديم وهو ما يتلاءم أيضاً مع حاجة لبنان إلى علاقات مستجدة مع سوريا تقوم على احترام كل منهما سيادة الآخر، فإن معضلة تُطرح ما لم يُصَر إلى إيجاد مخارج سياسية لها. والمعضلة هنا، انه لنقض أي اتفاقية أو إلغائها، هناك إجراءات يجب إتباعها، فالاتفاقية لا تلغى إلا بقانون، كما تؤكد مصادر متابعة لـ"المدن"، والمعاهدة التي أبرمتها السلطتان التشريعيتان في البلدين، تحتاج إلى قرار تشريعي لنقضها.

وتؤكد المصادر أن "ما حصل ليس إلغاءً، لأن الإلغاء غير ممكن بقرار إداري بسيط"، فالمجلس أُنشئ بموجب المعاهدة التي صادق عليها مجلس النواب اللبناني، و"بالتالي، لا شيء في القانون اسمه "قرار يلغي". هناك معاهدة لا تسقط إلا بقانون يصدر عن المجلس النيابي. أي أن ما جرى هو تعليق سياسي، وليس إلغاء قانونياً".

وهنا يُفتح نقاش آخر. فالمجلس ليس مجرد إطار رمزي، بل خلفه عشرات الاتفاقيات الثنائية الموقعة و"النافذة حكماً" بموجب المادة السادسة من المعاهدة، التي تنص على أن قرارات المجلس "إلزامية ونافذة" ضمن الأطر الدستورية للبلدين، مثل اتفاقية النقل والترانزيت واتفاقيات تبادل المنتجات. 

وعليه، إذا عُلّق المجلس، فماذا عن كل ما انبثق عنه من اتفاقيات نافذة؟ من يلغيها؟ وكيف؟ وهل يصح تعليق المجلس والإبقاء على الاتفاقيات؟ أم أن الإلغاء السياسي يعيد فتح باب التشكيك بكل الإطار القانوني للمرحلة السابقة؟

 

إتلاف أوراق المجلس 

هذه الأسئلة تُطرح حكماً أمام العنوان الأبرز "ماذا يعني إلغاء معاهدة وكيف؟". وبالعودة إلى المجلس نفسه، تفيد المصادر أن أعمال الأمانة العامة للمجلس التي يترأسها نصري خوري، معطلة منذ العام 2020، والموظفون لا يتقاضون رواتبهم لا في سوريا ولا لبنان. ويقارب عددهم العشرين.

وبحسب المصادر فإنه مع سقوط النظام السابق، دخل مسلحون إلى مكتب المجلس في سوريا، وأتلفوا كل المعاملات، و"بعد ذلك بمدة، طلب الجانب السوري من لبنان الحصول على المراسلات كافة بما فيها الأوراق والمستندات، على الرغم من انقطاع الرسائل بين الجانبين لفترة طويلة".

من هنا، فالمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري معطل منذ سنوات، وأعمال الأمانة العامة معلقة منذ العام 2020، ولا تُصرَف الموازنات المقررة لها من الدولتين. وبحسب المعلومات، لبنان لم يسدد أصلاً ما يترتب عليه من مبلغ يساوي 8 آلاف دولار على سعر الصرف 1500 ليرة للدولار الواحد.

والجدير ذكره أن موازنة المجلس الأعلى السوري اللبناني تُموَّل مناصفةً من الدولتين، وتبلغ حصة لبنان منها 425 ألف دولار، تُرصد على أساس 1500 ليرة لبنانية للدولار. وبحسب المعلومات، إنّ الحوالات لغاية العام 2022 أصبحت غير صالحة للتحصيل مع مرور الزمن، فيما الموازنات اللاحقة رصدت بالعملة اللبنانية على أساس 1500 ليرة للدولار، ولا تدفع أصلاً للمجلس منذ سنوات.

وتنقل المصادر أن المجلس الأعلى من الجانب اللبناني، تبلغ شفهياً القرار بالتعليق، "لا في شكل رسمي"، وبالتالي فإن "الإلغاء يحتاج إلى تعديل المعاهدة، وهذا يتطلب إصدار قانون من مجلس النواب". 

 

تصفية لمرحلة سابقة 

واليوم، ومع صدور القرار، يشكل هذا الإجراء تحولاً جذرياً في نمط العلاقة بين بيروت ودمشق. وهذا السياق لا يرتبط فقط بخطوة حل المجلس في ذاتها، بل يتجاوزها إلى قراءة ما بعدها، وكيف يشكل مثل هذه القرارات بداية لمرحلة تصفية رمزية لواحد من أبرز عناوين المرحلة السابقة من العلاقة بين لبنان وسوريا، حتى وإن كان التعليق بلا قانون وبلا إلغاء غير ممكن من دون مجلس النواب.

 

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث