الطبخة المعجوقة وحاملة الطائرات المخروقة

عارف العبدالجمعة 2025/10/10
ميشال عيسى (الإنترنت)
اكتسب ميشال عيسى مكانة بارزة في عالم المصارف (الإنترنت)
حجم الخط
مشاركة عبر

صادق مجلس الشيوخ الأميركي، خلال الساعات الماضية، على تعيين ميشال عيسى سفيراً للولايات المتحدة في لبنان خلفاً للسفيرة ليزا جونسون، على أن يصل إلى بيروت نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ليباشر مهامه في هذا البلد المنكوب.

 

كما ذُكر، فإن عيسى المعروف باسم مايكل، هو من مواليد بلدة بسوس في قضاء عاليه في جبل لبنان. وقد أمضى طفولته في بيروت، قبل أن ينتقل إلى فرنسا، حيث درس الاقتصاد، ثم إلى نيويورك، حيث أكمل دراساته العليا في إدارة المصارف.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان قد نشر على موقع تروث سوشيال في الثامن من آذار الماضي، أنه اختار ميشال عيسى ليكون سفيراً للولايات المتحدة لدى لبنان.

وقال ترامب عنه أنه "رجل أعمال بارز وخبير مالي وزعيم يتمتع بمسيرة مهنية رائعة في مجال الخدمات المصرفية وريادة الأعمال والتجارة الدولية".

 

ميشال عيسى سفير العم ترامب في بيروت، هو رئيس تنفيذي متعدد المهام، ورجل أعمال ومستثمر يتمتع بخبرة واسعة في مجال المصارف والسيارات.

بدأ ميشال حياته المهنية في القطاع المالي، واكتسب خبرة واسعة بوصفه متداولَ عملة ومتداولَ صرف أجنبي كبير في مؤسسات شهيرة مثل UBAF وChase Manhattan Bank وBanque Indosuez وCredit Agricole.

اكتسب أيضاً مكانة بارزة في عالم المصارف، حيث أدار قاعات التداول في باريس ونيويورك، ونفذ أدوات ووسائل مالية مبتكرة، وقاد لجاناً رئيسة تركز على الائتمان والامتثال.

قيل عنه في معلومات معممة: تميزت تجربته في مجال الخدمات المصرفية، بتصميمه الناجح وإشرافه على قاعة تداول متطورة، مما أكسبه تقديرًا في المنشورات المالية الرائدة.

في العام 1999، بدل ميشال مساره المهني لمتابعة شغفه بالسيارات. واستحوذ على وكالات بورش وأودي وفولكس فاغن. 

 

السفير الأميركي الجديد، الذي يبدو من مهامه التي قام بها، أنه محترف في "لعبة تبديل الكشاتبين والطرابيش"، كما يقال في العامية، يكمل بعد تعيينه حلقة الموفدين الأميركيين الكبيرة والمتسعة والمتعددة، التي تعاطت وستتعاطى مع لبنان وأزمته الحالية. 

ميشال عيسى هو الشخصية الأميركية السادسة، التي تتصل بلبنان في غضون الأشهر أو السنوات القليلة الماضية. فبعد مستشار الطاقة الناجح وسائق الدبابة في الجيش الإسرائيلي، صاحب التسريحة المميزة واللامعة آموس هوكشتاين، تعاطت مع لبنان ولا تزال الموفدة الصهيونية الهوى الحادة الطباع، مورغان أورتاغوس، ثم تبعها المؤرخ والمحلل العشوائي رجل الأعمال طوم باراك، سفير أميركا في تركيا ومندوبها إلى سوريا. والسفير الجديد صديق الرئيس الأميركي، هو الآخر سينضم إلى حلقة الخبراء والموفدين وتجار الشنطة وأصحاب الرأي الأميركي تجاه لبنان، وأزمته المستفحلة المعقدة والمتداخلة.  

اللبنانيون يشعرون في العمق، أن قسماً كبيراً من دور بلدهم الاقتصادي والمالي في المنطقة قد أطيح به وتراجع كثيراً، ففي حين كان في نهاية الخمسينيات ومنتصف السبعينيات نقطة جذب وتطلع ومنافسة في المنطقة، تحول بفعل موقعه الجيوسياسي المهم والحساس، إلى ساحة صراع عنيف بين القوى الدولية والإقليمية وعلى أرضه.

 

ليس من باب المصادفة أن إيران، التي طمحت وما زالت إلى نفوذ وسيطرة في المنطقة، وجهت جماعتها، أي حزب الله، إلى نسف مقر المارينز في بيروت 23 أكتوبر 1983، والقوة متعددة الجنسيات في لبنان. وفي السياق نفسه كان نسف مقر السفارة الأميركية في بيروت في 18 نيسان/ إبريل من العام نفسه.

العمليتان كانتا بمنزلة إعلان صريح من قبل إيران للقوى الإقليمية والدولية، أننا أصبحنا هنا، ويدنا تطال وموجودة على شاطىء المتوسط.

وليس من باب المصادفة أن الولايات المتحدة الأميركية تقوم الآن، ببناء أكبر سفارة أميركية في المنطقة، في لبنان. 

قد يكون السيد حسن نصرالله قد ارتكب أكبر الأخطاء التكتيكية حين توجه بالتهديد العلني إلى دولة قبرص، محذراً إياها من تقديم التسهيلات العسكرية لإسرائيل، وهي دولة في الاتحاد الأوروبي، وقبلها تهديد إسرائيل بضرب منصة بئر كاريش لاستخراج النفط. 

المسألة في العمق وفي الجوهر، تكمن في الجواب عن سؤال، من هي القوة المسيطرة في المنطقة وعليها: الولايات المتحدة وإسرائيل، أم إيران والمحور الذي أسسته وتقوده؟

هل ستسمح أميركا لإيران، بأن تصبح القوة المقررة في المنطقة؟ 

بعد سقوط الناصرية وجمال عبد الناصر والقومية العربية وفشلهم، في مصر، وهزيمة العرب المدوية في 1967، ثم البعث العراقي وصدام حسين في العراق ونظام البعث السوري وآل الأسد في سوريا... من هي القوة المسيطرة على خطوط التجارة الدولية؟ وخطوط توريد النفط والطاقة والغاز عبر المتوسط؟

لقد أشكل والتبس، الأمر على إيران وحزب الله، في تكبير وتعظيم، وفي المبالغة في التحدي.

 

يقول الدبلوماسي الأميركي دايفيد هيل في كتابه "الدبلوماسية الأميركية تجاه لبنان": "بالنسبة إلى الأميركيين؛ كثيراً ما ينظر إلى لبنان على أنه سلسلة من المشاكل المحيرة التي تثير قلقنا، لكنها لا تشكل شاغلاً حيوياً لنا". يضيف: "لقد انجذبت أميركا إلى لبنان على نحوٍ عرضي فقط لأسباب أكبر من ذلك البلد. بحكم مكانته الجغرافية وتركيبته الطائفية. قدره أن يكون مسرحاً للصراعات الأوسع نطاقاً، التي يمكن أن تعصف في الشرق الأوسط في أيّ وقت".

لكنه يقول في مكان آخر، في شبه تقييم للأوضاع التي طرأت في العقود الثلاثة الأخيرة: "صار لبنان اليوم في الغالب، مشكلة، بعد أن بات جزء من البلد رمزياً عبارة عن حاملة طائرات إيرانية في البحر المتوسط"!

هذا ما لم يدركه حزب الله، ولم يعرف أين الحدود التي يجب أن يقف عندها.

هنا مثلاً، نفهم لماذا زودت أميركا إسرائيل بالأسلحة والقنابل الخارقة للدروع والتحصينات، لكي تدمر وتسقط وتغرق حاملة الطائرات الإيرانية في لبنان.   

في كل الأحوال، السفير الجديد قادم إلينا خلال الأيام المقبلة، وقد أقرت وساندت إدارته مؤخراً -لمن يريد الاطلاع والفهم- الجيش اللبناني بحزمة مساعدات هي الأكبر منذ الثمانينات.

فهل تحترق طبخة أميركا في لبنان لكثرة الطباخين، أم تصل الأطباق الشهية إلى أصحابها؟ 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث