هل الأمن السيبراني في لبنان مخترق؟

شفيق طاهرالثلاثاء 2025/10/07
shutterstock_434409007.jpg
الأمن السيبراني اللبناني هش أكثر مما يعتقد (الإنترنيت)
حجم الخط
مشاركة عبر

في بلد تتنازع فيه السياسة والاقتصاد، يبقى الفضاء الرقمي ساحة صامتة تخضع بدورها لاختراقات متعددة الطبقات. ومع تفاقم ضعف البنية التحتية للإنترنت وتجنبا لحالات الحجب والرقابة، لجأ اللبنانيون على نطاق واسع إلى أدوات "الخصوصية" مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN). غير أن المفارقة الصادمة تكمن في أن بعض هذه الأدوات التي يفترض أن تحمي الخصوصية، تخضع لملكية إسرائيلية أو ذات ارتباط بشركات إسرائيلية، وعلى رأسها شركة Kape Technologies.

 

من"Crossrider"  إلى "Kape" الوجه الخفي لصناعة الخصوصية

بدأت قصة Kape في تل أبيب سنة 2011، عندما تأسست شركة صغيرة تدعى Crossrider  متخصصة في الإعلانات المدمجة (ad injection). خلال سنوات قليلة، ارتبط اسمها ببرمجيات تصنف ضمن "الإعلانات المريبة" التي تتسلل إلى المتصفحات دون إذن المستخدم لتسحب معلومات عنه. وبعدما تضررت سمعتها، أعادت الشركة هيكلتها بالكامل وغيرت اسمها إلى Kape Technologies، واتجهت نحو الاستثمار في سوق حماية الخصوصية وأمن الشبكات.

اليوم، تمتلك Kape أربعاً من أبرز العلامات التجارية في العالم في مجال الشبكات الافتراضية الخاصة(VPN) وهي: . ExpressVPN، CyberGhost، Private Internet Access (PIA) وZenMate، إضافة إلى مواقع مراجعة وتقيم خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة VPN مؤثرة مثل VPNMentor  التي ترشح هذه المنتجات لملايين المستخدمين حول العالم.

وفي عام 2023، استحوذت شركة  Unikmind المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي تيدي ساغي على كامل أسهم Kape وسحبتها من البورصة البريطانية، لتصبح شركة خاصة يصعب تتبع تقاريرها المالية والأمنية.

تقول تقارير موقع Privacy Journal  إن هذا التحول "أغلق نافذة الشفافية التي كانت تتيح للمستثمرين والجمهور متابعة أداء الشركة"، فيما يشير Windscribe Blog  إلى أن تاريخ Crossrider القديم في حقن الإعلانات يجعل من الصعب الثقة المطلقة في تحولها إلى حامية للخصوصية.

 

تسلل ناعم إلى السوق اللبناني

في لبنان، لم تعلن Kape أبداً عن وجود رسمي لها. لكن حضورها قائم وظيفياً من خلال انتشار تطبيقاتها على الهواتف والأجهزة المحمولة.

فمع ضعف خدمة الإنترنت المحلي وتكرار انقطاع الشبكات أو حجب بعض المنصات، أصبحت أدوات VPN  وسيلة ضرورية لتجاوز الحواجز. ومن خلال متاجر Google Play و App Store، يمكن لأي مستخدم لبناني تحميل ExpressVPN أو CyberGhost بسهولة، واستخدام خوادم عالمية لإخفاء هويته الرقمية.

وحيث انه لا توجد لدينا جهة رقابية أو هيئة وطنية تتابع هوية الشركات المشغلة لخدمات VPN معظم المستخدمين لا يدركون أن بعض هذه الخدمات مملوكة لشركات إسرائيلية، أو أن بياناتهم قد تمر عبر خوادم خاضعة لقوانين أجنبية.

ورغم غياب أرقام رسمية لحصة Kape في لبنان، إلا أن المؤشرات التقنية تظهر أنها من بين أكثر الشركات حضوراً في السوق المحلية.

بعض المنظمات الحقوقية والصحفيين، والنشطاء السياسيين يستخدمون ExpressVPN بكثافة لحماية اتصالاتهم، فيما يعتمد مستخدمون آخرون على PIA و CyberGhost لتجاوز القيود على بعض المواقع. غير أن مسألة الملكية تبقى مصدر قلق حقيقي، إذ يصعب على المستخدم العادي التحقق من خلفية كل شركة أو مصدر تمويلها.

 

هل الأمن السيبراني في لبنان مخترق؟

يجمع خبراء التقنية على أن الأمن السيبراني اللبناني هش أكثر مما يُعتقد. فالدولة لم تنشئ بعد هيئة مركزية مستقلة تعنى بحماية الفضاء الرقمي، بينما تبقى الدوائر الحكومية منشغلة بتأمين شبكاتها الداخلية دون تنسيق شامل مع القطاع المدني.

المفارقة أن كثيراً من مستخدمي VPN في لبنان يظنون أنهم يحمون أنفسهم من الرقابة المحلية، لكنهم عملياً يمررون بياناتهم إلى خوادم خارج البلاد لا يعرفون عنها شيئاً.

ويحذر تقرير صادر عن Cybernews Lab  من أن تركز ملكية أربع خدمات VPN كبرى في يد شركة واحدة (Kape) "يشكل خطورة هيكلية على الأمن السيبراني العالمي"، لأن أي ثغرة في هذا الكيان قد تعني تعريض بيانات ملايين المستخدمين للخطر.

أما في لبنان، حيث الوعي الرقمي محدود، يصبح هذا الخطر مضاعفاً. فعدم وجود رقابة محلية أو اتفاقيات حماية بيانات يجعل المستخدمين اللبنانيين خارج أي مظلة قانونية تحميهم إذا ما وقع تسريب أو اختراق.

 

نص بلا تنفيذ

صدر في لبنان قانون المعاملات الإلكترونية وحماية البيانات رقم 81/2018، الذي ينص على حماية البيانات الشخصية وحق الأفراد في الخصوصية.  لكن الخبراء يؤكدون أن هذا القانون ما زال شبه مجمد من حيث التطبيق. إذ لا توجد هيئة فعالة لمراقبة مزودي الخدمات الرقمية، ولا محاكم مختصة بقضايا الجرائم السيبرانية المعقدة.

القانون وضع بطريقة متقدمة نسبياً، لكنه يفتقر إلى المؤسسات التنفيذية. إذ لا توجد في لبنان بنية تحتية قانونية أو تقنية قادرة على محاسبة شركة أجنبية مثل Kape إذا انتهكت بيانات المواطنين.

هذا الفراغ القانوني يسمح بمرور بيانات اللبنانيين عبر خوادم تقع خارج النطاق القضائي اللبناني، بما فيها خوادم مملوكة لشركات إسرائيلية أو خاضعة لقوانين دول تربطها بإسرائيل اتفاقات أمنية أو تكنولوجية.

 

VPN درع أم بوابة خلفية لإسرائيل؟

من الناحية التقنية، لا توجد مؤشرات مؤكدة على أن Kape تتجسس على المستخدمين أو تخرق بياناتهم عمدا. بل على العكس، خضعت بعض خدماتها مثل ExpressVPN لتدقيق من شركات عالمية مثل KPMG و PwC، وأثبتت التزامها بسياسة عدم الاحتفاظ بالسجلات (No Logs). لكن الثقة التقنية لا تعني بالضرورة الثقة السياسية.

في لبنان، تعد إسرائيل خصماً سياسياً وعدواً، فإن امتلاك شركة إسرائيلية للبنية التحتية التي تمر عبرها بيانات المواطنين يشكل خطراً استراتيجياً لا يمكن تجاهله، مما يفتح ثغرة أمنية واسعة في جدار الخصوصية اللبنانية.

 

الصحفيون والنشطاء في مرمى الخطر

الصحافة اللبنانية والمجتمع المدني من أكثر الفئات اعتماداً على أدوات VPN لحماية التواصل مع المصادر. لكن استخدام خدمات مملوكة لشركات إسرائيلية يجعلهم في موقع هش للغاية، حتى من دون قصد.

كثيرون لا يعلمون أصل هوية مالك هذه الشركات. فهي تستخدم لأنها سهلة ومشهورة عالمياً، لكن لا أحد يسأل من يملكها فعلاً.

وقد أثبتت تجارب عالمية أن ملكية الشركات لبيانات المستخدمين تمكنها حتى إن لم تسرب من تحليل السلوك وأنماط الاتصال لأهداف تسويقية أو سياسية، وفي الحالة الإسرائيلية قد تكون أمنية أيضاً. ومع ازدياد الاعتماد على الشبكات الافتراضية الخاصة في لبنان، قد يتحول هذا السلوك إلى ثغرة وطنية في الأمن السيبراني.

 

نحو سيادة رقمية لبنانية

في بلد يتكل أكثر فأكثر على أدوات رقمية أجنبية، يصبح السؤال عن السيادة الرقمية مسألة وجودية. قد تكون Kape تخترق خصوصية اللبنانيين بشكل مباشر، كما إنها تمسك بخيوط حيوية من اتصالاتهم اليومية، وتفتح الباب أمام تساؤلات عن مدى اختراق الأمن السيبراني في لبنان، ليس فقط عبر القرصنة، بل عبر الاعتماد الطوعي على تقنيات الخصم.

الدرع الرقمي الذي يحتمي به اللبنانيون من الرقابة، قد يتحول ببطء وصمت إلى بوابة خلفية تنفذ منها الشركات الإسرائيلية إلى عمق الخصوصية الوطنية.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث