تكاد المواجهات السياسية بين رئيس الحكومة نواف سلام وحزب الله لا تهدأ، وبعضها يتخذ طابعاً شديد الخطورة، لأنه يؤثر مباشرة على اتجاه الأوضاع في البلد. ويبرز في هذا السياق قرار الحكومة المتعلق بحصر السلاح، الذي أثار جدلاً واسعاً وصل إلى جولات احتجاجية قام بها مناصرو الحزب، وسط توتر واضح ومباشر بين الحزب والرئيس سلام.
حادثة إضاءة صخرة الروشة أججت الصراع. ورغم أن بعض مؤيدي الحزب يرون أنها لا تستحق الحجم المعطى لها، يبدو أن الرئيس سلام يتعامل معها باعتبارها معركة قانونية وقراراً يخص هيبة الدولة. ولذلك، سيكون البندان الأول والثاني في الجلسة المرتقبة مخصصين لمناقشة هذه الحادثة، وتحديداً طلب سحب الترخيص من الجمعية اللبنانية للفنون "رسالات"، المحسوبة على الحزب، لمشاركتها في الفعالية ومخالفتها، كما قيل، مضمون قرار محافظ بيروت مروان عبود.
واللافت أن مسألة "رسالات" حلّت في جدول مجلس الوزراء متقدمةً على تقرير الجيش المتعلق بحصر السلاح، ما يثير التساؤل: هل أصبحت حادثة الروشة تفوق في أهميتها موضوع حصر السلاح، الذي تشدد عليه المطالب الدولية ويشكل التحدي الأكبر للبلاد؟ وهل يعتبر حزب الله ما يقوم به رئيس الحكومة انتقاماً منه أو استفزازاً لقاعدته؟ وكيف ستتعامل "رسالات" مع هذا الموقف، وهل تحولت الجمعية الفنية إلى كبش محرقة في النزاع السياسي؟
موقف سلام: القانون قبل كل شيء
"نحن لا نسعى للانتقام ولا نستهدف طرفاً بعينه، وأعمالنا لا علاقة لها بالكيدية، بل تأتي وفق الإطار القانوني وحرصاً على المحافظة على هيبة الدولة"، هذا ما تقوله مصادر الرئيس سلام لموقع "المدن". وتضيف أن الجهة الداعية إلى فعالية الروشة انقلبت على تعهداتها، ولم تلتزم بما تم الاتفاق عليه، وخرقت القانون متحدية قرار الدولة. لذا، إن المواجهة هي مع القانون وليست مع رئاسة الحكومة تحديداً. لقد تعهدنا بالحفاظ على هيبة الدولة واحترام القوانين، ونمضي في المسار القانوني المحدد، ولا نستهدف أحداً. أما المكان المناسب للنقاش في أي مشكلة فهو طاولة مجلس الوزراء، لذا فإن البندين المتعلقين بحادثة الروشة سيتم نقاشهما في الجلسة المقبلة، حيث سنستمع إلى آراء الوزراء.
وحول إصرار الرئيس سلام على الأمر بغض النظر عن خطورة القرار وما يمكن أن تخلقه من ردات فعل، تجيب المصادر: إدراج البندين على جدول الأعمال دلالة واضحة على نية الرئيس سلام السير في الأمر حتى النهاية، احتراماً للقانون ولموقع رئاسة الحكومة، دون أن يكون لهذا الأمر بُعد شخصي.
الروشة أهمّ من حصر السلاح؟
وفي ردها على استفسار "المدن" حول تقديم بنود الروشة على بند تقرير الجيش حول حصرية السلاح، تقول المصادر: "لا يقل احترام القانون أهمية عن مبدأ حصر السلاح، فكلاهما يؤسسان لدولة قوية، يخضع فيها الجميع للقانون، ولا أحد يعلو عليه". وفي هذا الإطار، علمت "المدن" أن تواصلاً يجري من جانب وزيري العمل والصحة، محمد حيدر وراكان ناصر الدين، مع رئيس الحكومة للعدول عن قرار سحب الترخيص، وهما يعتبران أن لا داعي لكل هذه البلبلة في ما يخص أحداث إضاءة صخرة الروشة، ويسعى الوزيران إلى تنفيس الاحتقان على طاولة الحكومة، إذ في حال طرح الموضوع، فإن وزيري حزب الله سيقدمان اعتراضهما على مضمون القرار باعتباره قراراً اعتباطياً.
وعلمت "المدن" أن أولى مواجهات حزب الله للقرار ستكون على طاولة الحكومة عبر الوزيرين، وإن لم تنجح المحاولة، فإن قرار الحزب واضح، وعبّر عنه النائب حسن فضل الله بقوله: "بِلّو لقرارك وإشرب ميته، وكل احتفالاتنا رح نعملها برسالات". وهذا الكلام اعتُبر تصعيداً واضحاً بوجه الرئيس سلام، ووافقه فيه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد، بلهجة أقل حدّة، وهو أشار في حديث إلى "المدن" إلى أن الاستعجال في طرح هذا الموضوع المريب على جدول الأعمال يثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصاً أن بند “رسالات وصخرة الروشة” وضع كبند أول وثانٍ، وهو أمر مستغرب فعلاً.
الأولويات المفقودة: السيادة أم الروشة؟
يقول المقداد لـ"المدن" إن هذا الموضوع أصبح محور الاهتمام الأوحد، متجاوزاً أهمية القضايا الأساسية المتعلقة بكيفية الدفاع عن لبنان كدولة وحماية سيادته، في حين يُلاحظ نوع من الاستخفاف بما يجري على الحدود من خروقات إسرائيلية. ويطرح المقداد سؤالاً على الحكومة: هل يستحق هذا الموضوع كل هذا الاهتمام والتوتر، بينما هناك قضايا أمنية وعسكرية وموضوعات حياتية وصحية واجتماعية تستحق التركيز أكثر؟ لقد صار الشغل الشاغل للبعض هو الجمعية الفنية وصخرة الروشة، فيما تتراجع الأولويات الحقيقية المتعلقة بالدفاع عن السيادة وحماية الوطن.
ويضيف: اللافت أن القرار المرتقب بحق الجمعية اللبنانية للفنون “رسالات” قد يثير اعتراض بعض الوزراء الذين قد يكون لهم رأي مخالف لهذا التوجه، فهناك تجارب سابقة كثيرة مع جمعيات ونقابات، ولم يُثر مثل هذه الضجة. ويبدو أن التعاطي مع الأمر يحمل في طياته استخفافاً وكيدية، ويصف المقداد هذه الحالة بكلمة "هزلت".
ويستشهد المقداد بكلام وزير الثقافة غسان سلامة، الذي قال في إحدى مقابلاته: إن الحكومة لم تبذل جهداً بالشكل الكافي دبلوماسياً للدفاع عن لبنان في مسائل السيادة والاعتداءات، ليؤكد المقداد ضرورة توجيه التركيز نحو هذه القضايا الجوهرية، بدل الانشغال بما هو ثانوي أو عرضي. وبناءً عليه، يظل السؤال قائماً: هل يعقل أن يكون الهم الأساسي الآن هو “رسالات” وصخرة الروشة، بينما المسائل الأكثر أهمية والتهديدات الحقيقية للوطن تُترك جانباً؟
موقف رسالات: الاستمرار رغم التحديات
الطرف الأكثر تضرراً قد يكون جمعية "رسالات"، التي تتحضر لمواجهة القرار في حال صدوره. وفي هذا الإطار، يقول المدير العام للجمعية محمد خفاجة لـ"المدن": "نحن في انتظار ما ستسفر عنه جلسة الغد، إلا أنه في حال صدور أي قرار يقضي بسحب العلم والخبر أو بحل الجمعية، فإننا سنمضي في المسار القانوني حتى النهاية، مقدمين الطعن اللازم. ومن وجهة نظرنا، التصرف معنا منذ البداية كان مخالفاً للقانون، سواء أثناء النشاط، أو لاحقاً، أو حتى في الوقت الراهن، فيما يتعلق بمحاولة سحب العلم والخبر".
ويضيف خفاجة: "في جميع الحالات، لا شيء يمكن أن يؤثر على عملنا، فنحن مستمرون في نشاطنا الثقافي والفني، وهذه التصرفات تزيدنا إصراراً وعزيمة، لأننا أصحاب رسالة واضحة ومسؤولية ثقافية وفنية. أما الأمور السياسية، فهي متروكة للجهات السياسية ولأهل السياسة، بينما نحن كجمعية معنيون فقط بالجانب المرتبط بقدسية حرية التعبير وبالجوانب الفنية والثقافية".
ويتوجه خفاجة إلى الرئيس سلام بالقول: "نود التذكير بأن جمعية “رسالات” لها تاريخها وبصمتها الثقافية والفنية في لبنان وخارجه منذ حوالي عشرين عاماً، وشارك في أنشطتها على مدى السنين عشرات الآلاف من الأشخاص. ومن الجيد أن يرى الرئيس سلام حجم أنشطتنا وإسهاماتنا في الحركة الثقافية الوطنية على مدى هذه السنوات. فجمعية “رسالات” جمعية معروفة بنهجها وعملها، ولم يسبق لها أن ارتكبت أي مخالفة للقانون".
ويضيف: "ودائماً ما نؤكد على ضرورة أن يكون الجميع تحت سقف القانون، ولا يتم التعاطي بمكيالين كما يحدث حالياً في هذه المسألة وغيرها، مع الإشارة إلى أن هناك جمعيات عدة كانت تستحق المتابعة أو الملاحقة لمخالفات أكبر بكثير. نحن مكتفون بنشاطنا، لأننا أصحاب هدف ونهج ورسالة، ونأمل أن تتخذ جلسة الغد منحى إيجابياً، وأن تُغلق هذه الصفحة، مع وضع مصلحة الناس في المقام الأول، ولا سيما في ظل الظروف الراهنة".
المواجهة قانونية والواجهة فنية
إذاً، جولة جديدة بين الرئاسة الثالثة وحزب الله، مسرحها "جمعية رسالات"، وخلفيتها سياسية بحتة، ومواجهتها ستكون في إطار القانون. وقبل حوالي ثمانية أشهر من النزال الانتخابي الذي يتحضر له الجميع، يبدو أن المواجهات ستتصاعد وتبلغ ذروتها، فمن حصرية السلاح إلى إضاءة الروشة، ولا أحد يعلم نوع الجدل المقبل، في موازاة أزمات أخرى يتم تأجيل بروزها كفتيل متفجر.
والمشكلة في لبنان ليست داخلية فقط، بل تكمن في أن هناك عيوناً خارجية تترقب طريقة معالجة الحكومة للمواضيع التي يعني بها حزب الله. وإذا كانت الواجهة هذه المرة فنية ومتمثلة بـ"رسالات"، فالواضح أننا أمام مواجهات حامية، يجب أن تبقى ساحتها طاولة الحكومة فقط، وأن تتخذ دوماً الطابع القانوني، من دون كيدية سياسية.
