لا يمكن فصل ردّ حماس على مبادرة ترامب عن الحراك الفصائلي والوجود الفلسطيني في لبنان، فما جرى منذ السابع من أكتوبر في غزة دفع فصائل فلسطينية في لبنان إلى الانخراط في المعركة مباشرة، خصوصاً حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. فقامت حركة الجهاد الإسلامي بأولى عملياتها عبر الحدود اللبنانية خلال معركة "طوفان الأقصى" في التاسع من شهر أكتوبر، ولحقتها حماس في اليوم التالي. أي إن ما يجري في غزة والمسار السياسي والتفاوضي المرتبط بها ينعكس على فلسطينيي لبنان.
ولا ينفي مصدر مسؤول في حركة حماس في لبنان خلال حديث لـ"المدن" التأثيرات المتبادلة لجغرافية انتشار الفلسطينيين: "وردّ حركة حماس يمكن وضعه في سياق المحطات السياسية الكبرى التي شهدتها مسيرة الحركة مثل دخولها الانتخابات التشريعية (2006)، وإصدار وثيقتها السياسية (2017)، وإن كان ما يجري الآن أكثر خطورة، والخيارات تبدو أقل بكثير".
ويلفت إلى أن النقاش المكثّف حول الردّ بين حماس وعدد من العواصم في المنطقة "أعطى مساحة سياسية من الحركة لحماس في لبنان والمنطقة، وأزال الشكوك المفترضة حول علاقة حماس مع بعض الدول. بل إن الساعات الطويلة التي أمضاها قادة الحركة مع الوفود التركية والمصرية والقطرية معاً أبطلت الإشاعات حول عزلة حماس في المنطقة".
ويكشف أن هذه الدول الثلاث "قدّمت مقترحات مهمة في سياق الردّ، وكانت صادقة في مسعاها لانتشال غزة من واقع الإبادة. وهو ما رسّخ العلاقة مع تركيا وقطر، وفتح مسارات في العلاقة بين حماس ومصر لم تبلغها منذ عام 2013. وحماس وِحدة واحدة، وستستفيد حتماً من هذه العلاقات في كل مناطق تواجدها، ومن بينها لبنان، الذي يمثّل ثقلاً فلسطينياً". وفي هذا السياق ينفي نفياً قاطعاً أن تكون قطر قد أبلغت قيادة حماس بعد قصف الدوحة (9 أيلول)، بضرورة مغادرة العاصمة القطرية "بل إن الاجتماعات لم تنقطع منذ هذا التاريخ".
لبنان ساحة بديلة
يميل عدد من الفصائل الفلسطينية في نظرته الجديدة إلى أن الساحة الفلسطينية في لبنان قد تشكّل في وقت ما بديلاً إعلامياً وسياسياً -على الأقل- لعمل الفصائل بعد الذي جرى ويجري في غزة، والتهديدات الجدية بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. ووفق هذا الاعتقاد من المحتمل أن يبقى لبنان الدولة الوحيدة بين كل مناطق التواجد الفلسطيني التي تسمح بالعمل الفصائلي المباشر، خصوصاً أن الحكم الجديد في سوريا قد حدّ كثيراً من مساحة حركة الفصائل الفلسطينية، ولم يعد يسمح سوى بنشاط اجتماعي غالباً، ووجود إعلامي مستتر لا يسبب له أي حرج في علاقاته الدولية والإقليمية المستجدة. وربما انطلاقاً من هذه الفرضية جاءت التغييرات في حركة فتح بلبنان مؤخراً، تحسّباً لما يقع في الضفة وغزة.
لذا فإن مسار الأحداث في غزة، وإذا تبع الردّ، كما هو مرجّح، مجموعة من الخطوات تؤدي إلى نشوء سلطة جديدة في غزة بديلاً من حركة حماس، فإن ذلك يفتح الباب على احتمالين متناقضين في لبنان: أولها أن تتمسك الحركة أكثر بحضورها وتواجدها في لبنان بعد أن ضاقت بها الجغرافية الفلسطينية، والاحتمال الثاني أن تزيد تبعات الردّ من الضغوط على الحركة لتسليم سلاحها بعد أن ضعف وزنها داخل فلسطين. وكل احتمال مرتبط بسياقات التوازنات اللبنانية الداخلية وثقل وأحجام الدول الإقليمية والفاعلة.
وما يُسجّل أنه، حتى كتابة هذا التقرير، لم تقم أيّة حملة إعلامية منظمة من الناشطين المحسوبين على حركة فتح في لبنان تنتقد رد حماس، كما هو معتاد في مواقف كهذه، بالرغم من أنه بعيد ساعات على إطلاق ترامب مبادرته، قامت حملة فتحاوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد حماس، لكنها لم تستمر. وقد يكون ذلك انسجاماً مع أجواء التهدئة الإعلامية بين الفصائل الفلسطينية في لبنان، وهو ما حدث أيضاً بعد تسليم حركة فتح بعض أسلحتها في عدد من المخيمات الفلسطينية.
هناك أسئلة كثيرة مرتبطة بردّ حركة حماس، منها متصل بمصير علاقة الحركة بالمحور وحلفائه في لبنان، إذا ذهبت إلى خطوات عملية أبعد من الردّ لا تنسجم مع سياسة المحور، خصوصاً أن إيران لم تكن في صلب الحوار الذي دار حول الردّ؟ أيضاً، المخاوف واقعية من أن يحاول نتنياهو حرف الأنظار عن ردّ حماس، ولدفع الضغوط الدولية بعيداً، فيلجأ إلى شن عدوان على لبنان.
