من مهزلة باراك إلى مأساة عراقجي

عارف العبدالجمعة 2025/08/08
الموفد الأميركي توم باراك (Getty)
هل يستطيع لبنان مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

أكثر ما يثير ويستدعي الضحك والسخرية، على وزن زياد الرحباني، هو الكلام الذي صدر عن الموفد الرئاسي الأميركي توم باراك، الذي قال فيه بسذاجة مطلقة من دون أية حواشي ومقدمات: "إن أميركا مستعدة للقيام بدور الوسيط مع إسرائيل بشرط أن تلتزم الحكومة بخطة لنزع سلاح حزب الله قبل نهاية العام".

وأكثر ما يثير الانزعاج والتعجب وربما الغضب على لبنان وحاله ومصيره، ما صدر في المقابل عن حزب الله في اليوم الثاني لاجتماع الحكومة المثير والمهم، وقرارها المفصلي بتطبيق حصر السلاح بيد الدولة، حيث أعلن الحزب: "إن قرار الحكومة يُسقط سيادة لبنان ويُطلق يد إسرائيل، وسنتعامل ‏معه كأنَّه غير موجود وبالوقت نفسه منفتحون على الحوار".

وقد اعتبر الحزب، أن حكومة رئيس الوزراء نواف سلام ارتكبت خطيئة كبرى في اتخاذ قرار يُجرِّد لبنان من سلاح مقاومة ‏العدو الإسرائيلي، ما ‏يُؤدي إلى إضعاف قدرة لبنان وموقفه أمام استمرار العدوان الإسرائيلي- ‏الأميركي عليه، ويُحقِّق لإسرائيل ما لم تُحقِّقه ‏في عدوانها على لبنان".

 

الأمر لم يقتصر على موقف الحزب الرافض والسلبي، بل انسحب إلى الموقع والمقرر الأساسي عبر ما صدر عن وزير خارجية إيران عباس عراقجي، والذي كشف بشكل واضح رفض إيران لتوجه وخطة الدولة اللبنانية. وجاء كلامه تحريضاً لحزب الله على الرفض والمراوغة والتصعيد والاتجاه إلى السلبية.

إذ قال عراقجي: "أظهر الموقف الحازم لأمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم وإصداره بيانًا قويًا أن هذه الحركة (أي حزب الله) ستصمد أمام الضغوط".

وفي موقف يحرض حزب الله علناً على الرفض قال: "تم إصلاح أضرار الحرب الأخيرة، وأُعيد تنظيم حزب الله، ونُشرت قواته، وعُيّن قادته. يمتلك هذا التيار القدرة اللازمة للدفاع عن نفسه".

 

الذي يستدعي الضحك في كلام باراك، أنه يتحدث عن وساطة أميركا وكأنها حمل محايد غاطس بالبراءة والموضوعية والتوازن، ويحاول أن يظهر أن الأمور تعالج بتجرد وليس بانحياز مطلق لجانب إسرائيل من دون لبس وتردد، خصوصاً أن باراك نفسه، كان أوضح انه يعتبر حزب الله منظمة إرهابية. 

فباراك الموفد الأميركي "المكحكح"، كان قد قال في بداية مهمته إننا لا يمكننا الضغط على إسرائيل لوقف ما تقرره وتقوم به عسكرياً تجاه لبنان، وفي الوقت عينه يقول الآن إننا على استعداد للعب دور الوسيط، إذا ما نفذتم شروطاً معينة، التي هي في المحصلة شروط إسرائيل! فأين الوساطة هنا وما نفعها ودورها؟ وبماذا يخدم لبنان في هذه الحال؟

 

في المقابل، فان ما يدعو إلى الشفقة على لبنان وشعبه، والحزن والقنوط على  مواطنيه المغلوبين المحاصرين، أن الطرف المقابل المتمثل بحزب الله الممسك بقرار الطائفة الشيعية في لبنان، قرر الاستمرار باختطاف لبنان ووضعه في جيبه،  والحزب الذي كان يتهم فؤاد السنيورة بالأمس، بالخضوع  وبالخيانة والتراجع أمام مطالب العدو، يكرر اليوم الدور والموقف نفسه تجاه الرئيس نواف سلام، فيما الحقيقة الواقعية واحدة لا لبس فيها، وهي أن لبنان مدمر واقتصاده محطم وآماله معلقة ومؤجلة، ومستقبله مرهون بقرار الحزب المصنوع والموجه من إيران. 

الكلام الذي قاله حزب الله في مواقفه وبياناته وممارسة الوزراء المحسوبين عليه عبر الانسحاب من الجلسة الأخيرة، يؤكد أن ما يجري هو تماه مع المطالب الإسرائيلية والأميركية وتجاوب مع رغباتهم، فيه الكثير من الدقة والصحة والواقعية والحقيقة.

لكن ما فات حزب الله أن هذه النتيجة التي وصل إليها لبنان كانت بسببه وبسبب سياسته المتهورة وغير الواقعية، في مواجهة إسرائيل على أرض لبنان نيابة عن إيران والأطراف التي كانت تلف لفها.

 

بعد طردها من سوريا، عادت إيران بالأمس إلى لبنان عبر انسحاب وزراء الثنائي من جلسة مجلس الوزراء، وعاد مجلس الوزراء إلى سيرة التعطيل والتجميد وعادت أجواء لبنان إلى الاحتقان والارتباك. 

السؤال الذي يتهرب منه كثر الآن، هو السؤال الجوهري، الذي طرح على لبنان منذ اندلاع القضية الفلسطينية وصعود تيارات القومية العربية والوطنية الفلسطينية، وهو: هل أن لبنان دولة مواجهة أم دولة مساندة؟

في المواجهة، ما هو دوره؟ وفي المساندة كم هو قادر على العطاء وخدمة فلسطين؟

 

السؤال الذي يجب أن يطرح الآن على بساط البحث الوطني لدى كل الأطراف، للوصول إلى المعادلة التي تبحث عن جواب ومعادلة مستقرة وواضحة: هل أن لبنان يستطيع مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما انخرطت معظم الدول العربية في الانضواء تحت جناحهما؟ وهل أن المطلوب من لبنان كسر هاتين الدولتين أم لعب دور المساندة للقضية الفلسطينية، ضمن إمكانياته وقدراته الإعلامية والثقافية، وما هو قادر على احتماله؟

الكثير مما يقوله حزب الله في بعض المواقف صحيح، لجهة الغطرسة الأميركية الإسرائيلية والشروط الصعبة التي وصل إليها لبنان، بفعل السياسة المتبعة من الحزب، التي دفعت لبنان بين أرجل الفيلة الهائجة، وفتحت المجال أمام جموح نتنياهو لضرب وتحطيم البلاد وتدمير الجنوب، على أهله وقراه، والتحكم بمفاصل القرار اللبناني عبر أورتاغوس تارة، وباراك وقبله عاموس هوكشتاين!

وإذا كان لبنان دولة مواجهة، هل أنه الوحيد الذي يجب أن يواجه؟ وهل له قدرة على الاستمرار في هذه الوضعية، وهذه السياسة الانتحارية العبثية، والتي لا طائل أو فائدة منها، إلا استمرار التدمير وتراكم الدمار والفشل والموت المتكرر والتعطيل والتراجع الاقتصادي والعلمي والتقني واتساع المحنة؟

 

الواقعية المجردة تفضي إلى نتيجة واحدة، وهي حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية الضعيفة، لكن القادرة على حماية لبنان ألف مرة أكثر من انكشافه على المخاطر المحدقة الآن، والتي تهدد بعودة آلة الحرب الفتاكة.

فبعد تعطيل مجلس الوزراء أمس عاد لبنان إلى ساحة التجاذب و"التناتش" والمواجهة الداخلية، وسط ترحيب أميركي بقرارات الحكومة وتشجيعها على المضي قدماً بالحزم والحسم، وتنديد إيراني وتشجيع لحزب الله على الصمود والثبات، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً بالشعب اللبناني البائس، والواقع بين أيدي لاعبين لا قلب ولا ضمير لهما.   

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث