يضجّ لبنان بتسريباتٍ وأجواءٍ متناقضة، تتّصل بالردّ على ورقة الموفد الأميركي، توم باراك. لم يعد يُنظر إلى أيّ ملفّ في لبنان إلّا من بوّابة هذا الردّ، وكيف سيتلقّاه الأميركيون والإسرائيليون، وما ستكون تداعياته. يومان يفصلان عن موعد وصول الموفد الأميركي إلى بيروت؛ إذ تتواصل اللقاءات والاجتماعات لوضع الصيغة النهائية للردّ، حيث يُعقَد اليوم السبت اجتماع في قصر بعبدا للجنة الرئاسية، لوضع اللمسات الأخيرة على الورقة التي ستُسلَّم.
يبدو رئيس مجلس النواب نبيه برّي متفائلاً بإمكان التوصّل إلى جوابٍ موحَّد بين الرؤساء؛ جوابٍ ينصّ بوضوح على التعهّد بحصر السلاح بيد الدولة، ويطالب في المقابل بالانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاعتداءات، وإطلاق مسار إعادة الإعمار.
حزب الله ما زال مُتمسّكاً بموقفه، بحسب المعلومات، وينفي المعنيّون فيه ما يُتداوَل حول استعداده لتسليم أسلحته الثقيلة، ولا سيّما الصواريخ الدقيقة أو الباليستية والطائرات المُسيَّرة، في مقابل الاحتفاظ بالسلاح الخفيف. وعلى حدّ تعبير أحد المعنيّين في الحزب: "لو وافقنا على ذلك لانتهت المشكلة، فهل الإسرائيليون يريدون أسلحة خفيفة من نوع كلاشنيكوف؟".
يدرك حزب الله أنّ الضغط كبير وجدّي، إلا أنّه يعتبر أنّ ما يُعرَض عليه هو ورقة استسلام يستحيل عليه قبولها. ويؤكّد الحزب مجدّداً أنّه جاهز للنقاش في كلّ المسائل، بما فيها حصر السلاح بيد الدولة، لكن بعد الانسحاب الإسرائيلي والحصول على الضمانات اللازمة لوقف الاعتداءات.
في هذا الوقت، واصل الموفد السعودي إلى لبنان، يزيد بن فرحان، لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين؛ فالتقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبحسب المعلومات، فإنّ الموقف السعودي كان في غاية الوضوح، وليس بعيداً عن الموقف الأميركي، لجهة أهميّة تنفيذ ما هو مطلوب من لبنان والوارد في الورقة الأميركية، خصوصاً لناحية سحب السلاح، وحصر قرارَي الحرب والسلم بيد الدولة، وإنجاز الإصلاحات، وتطوير العلاقات مع سوريا. وإذا سلك لبنان هذا الطريق، ستُفتح أمامه فرصٌ واسعة على مستوى المساعدات والاستثمارات وإعادة الإعمار، وهي كلّها لن تتحقّق من دون تنفيذ ما ورد في الورقة الأميركية، ووضع جدولٍ زمنيّ واضح لإنهاء مسألة سحب السلاح.
وتضيف المصادر، أنّ برّي كان واضحاً في موقفه: فلبنان التزم اتّفاق وقف إطلاق النار، وكذلك حزب الله، ولم يُقدِم على تنفيذ أيّ عمليّة ضدّ إسرائيل، كما سلّم مواقعه جنوب نهر الليطاني. غير أنّه ينبغي الضغط على إسرائيل للانسحاب، ووقف خروقاتها واعتداءاتها، وتعزيز قدرات الدولة اللبنانية والجيش، وإطلاق مسار إعادة الإعمار كي تتسهّل عملية سحب السلاح.
وبحسب ما تكشفه مصادر متابعة، عرض رئيس مجلس النواب على الموفد السعودي أن تكون الرياض إحدى الدول الضامنة للاتفاق، ووقف النار، والانسحاب الإسرائيلي، كما طرح عليه فكرة انضمام المملكة إلى لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار.
كان يفترض، بعد اتفاق الرؤساء على جواب باراك، أن يتّخذ مجلس الوزراء قراراً واضحاً بحصر السلاح بيد الدولة ضمن مهلة زمنية محددة. وبحسب المعلومات، كان متوقَّعاً وضع خطة واضحة لسحب السلاح في غضون ستة أشهر، على أن تُنفَّذ خلال سنة، فيُسحب السلاح كاملاً من جميع الأراضي اللبنانية. طُرحت في المقابل أفكار أخرى تقضي بوضع إطارٍ مرحلي لسحب السلاح؛ أي البدء بالمنطقة الواقعة بين شمال نهر الليطاني ونهر الأولي، فضلاً عن البدء بسحب السلاح من البقاع، على أن تشمل المرحلة الثانية بيروت وضواحيها.
عمليّاً، يبقى كلّ ذلك مؤجَّلاً في انتظار زيارة باراك وردّ الفعل الأميركي على موقف حزب الله الرافض، على الرغم من استمرار المحاولات لتلافي التصعيد وترك الباب مفتوحاً أمام مزيدٍ من المفاوضات، وتوفير مزيدٍ من الضمانات. بيد أنّ هناك أيضاً من لا يستبعد أن يكون التفاوض على وقع التصعيد العسكري؛ أي "تفاوض بالنار".