الصعوبات البنيوية أمام الدولة اللبنانية
لطالما شكّل ملف السلاح الفلسطيني في لبنان قضية معقدة استعصت على الدولة اللبنانية، التي لم تتمكن حتى اليوم من فكّ رموزه. وبحسب مصادر سياسية معنية بالملف الفلسطيني، فإن أبرز التحديات التي تواجه الدولة تبدأ من الغياب التاريخي لها عن المخيمات. فمنذ "اتفاق القاهرة" عام 1969، بقيت المخيمات الفلسطينية مناطق مستقلة أمنيًا تُدار من قبل الفصائل، وتخضع لمنطق التوازنات الداخلية، ما عمّق حالة "الخصوصية" التي يصعب اختراقها.
وتُضاف إلى ذلك حالة التشظّي الفصائلي داخل المخيمات، حيث لا تملك فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية"، وعلى رأسها حركة "فتح"، السيطرة الكاملة عليها. فقد ظهرت خلال العقود الماضية جماعات متشددة وتنظيمات غير منضوية رسميًا، بعضها له صلات بتنظيمات جهادية، مما يعقّد فرض أي قرار موحّد.
كما تبرز معضلة الغطاء السياسي المتداخل، إذ إن السلاح الفلسطيني لا يُعدّ مجرد مسألة أمنية، بل يرتبط بتوازنات إقليمية وبعلاقات مع قوى محلية، أبرزها "حزب الله"، الذي غالبًا ما تعامل مع هذا الملف بحذر، نظرًا لتشعّب علاقاته الإقليمية ولخصوصية المخيمات.
ويضاف إلى ذلك الخوف من الفراغ الأمني في حال جرى نزع السلاح من دون توفير بديل أمني موثوق داخل المخيمات، ما قد يفتح الباب أمام تحوّلها إلى بؤر فوضى، أو ساحات لتصفية الحسابات بين الفصائل المتنافسة.
الأسئلة الوجودية المعلّقة
تُشير المصادر عبر "المدن" إلى أن هذا الملف يطرح إشكاليات تتجاوز البعد الأمني في المخيمات، كاشفة أن هذه الأسئلة تطرحها حركات ومنظمات فلسطينية متواجدة داخل المخيمات في لبنان، ومن هذه الأسئلة، هل يعني تسليم السلاح بداية نهاية "الخصوصية الفلسطينية" داخل لبنان، وما مستقبل المخيمات إذا تحوّلت إلى أحياء مدنية خاضعة كليًا للدولة؟ وهل ستُمنح الحقوق المدنية في المقابل، وهل تمتلك الدولة القدرة على ذلك، ناهيك عن الرغبة، ومن سيضمن أمن المخيمات بعد نزع السلاح، ومن يمنع تسلل الجماعات المتشددة، وهل هذه الخطوة معزولة أم مرتبطة بتفاهم إقليمي شامل حول الوجود الفلسطيني في لبنان؟
ترى المصادر أن هذه الأسئلة لا تملك الدولة اللبنانية إجابات وافية عنها، بل تُطرح اليوم كألغام سياسية وأمنية محتملة. وفي المقابل، لا تمتلك الفصائل الفلسطينية رؤية موحّدة لمقاربة هذا الملف، ما يزيد من التعقيدات المحيطة به.
بحسب المصادر فإن القوى الفلسطينية الأساسية تعتبر أن أي خطوة لنزع السلاح أو ضبطه ستكون بلا جدوى إذا لم تُقابل بتحسين فعلي في ظروف عيش اللاجئين الفلسطينيين، الذين لا يزالون محرومين من معظم الحقوق المدنية والاجتماعية، كحق التملّك، العمل في المهن الحرة، وغيرها، ولم يسمعوا من "الدولة اللبنانية" أي كلام عن مبادرة شاملة لربط الإجراءات الأمنية بإصلاحات قانونية واجتماعية.
زيارة عزام الأحمد
في ظل كل هذه التعقيدات يمكن قراءة زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، إلى بيروت، والتي جاءت في توقيت حساس، فالحركة، التي تعاني من تراجع نفوذها داخل بعض المخيمات، تسعى إلى الحفاظ على موقعها كـ"المرجعية الشرعية"، وتقديم نفسها كطرف مسؤول قادر على إدارة انتقال آمن من "السلاح إلى الدولة". لكن وبحسب المصادر فإن الأحمد يدرك أن تنفيذ أي اتفاق يحتاج إلى تفاهم كامل داخل حركة فتح أولاً بعد بعض التباينات داخلها، والتفاهم مع باقي الفصائل، خصوصًا الإسلامية منها ثانياً، وهذا ما لا يتحقق ما لم تتوافر ضمانة أمنية بعدم استغلال الفراغ من قبل جهات خارجية.
تعتبر المصادر أن هذا الملف، لكي يصل إلى نتائج إيجابية بحاجة إلى دعم إقليمي وازن، وتحديدًا من الجهات المانحة أو الفاعلة في الملف الفلسطيني، مشيرة إلى أن لبنان يحاول تأمين هذا الدعم من خلال الاتصالات التي يقوم بها رئيس الجمهورية وزياراته الخارجية، ولكن يمكن القول إن لبنان الرسمي قد تسرع في تحديد منتصف حزيران موعدًا لبدء تنفيذ خطة تسليم السلاح في مخيمات بيروت، من دون أن تتوافر بعد الشروط السياسية والأمنية الكاملة لإنجاح الخطوة، رغم أن المصادر ترى أن تحديد 16 حزيران كبداية لتنفيذ خطة تسليم السلاح في مخيمات بيروت، قد يكون أقرب إلى اختبار للنوايا منه إلى موعد زمنيّ محدّد لتحقيق المشروع.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها