الإصغاءُ إلى سرديَّات الماضي القديم مُزعج. يبدو أنَّ عَوْدَةً ما تأخُذُنا إلى ما كان يؤرِقُنا من انتِظارٍ أو تمييعٍ في مسارِ تشييد عمارة الدَّولة. الإنتِظارُ بمعايير الحِكمَة واجب. الإنتِظارُ بهدفِ شِراءِ الوَقت قاتِل. التَّمييعُ، بسببٍ من ضبابيَّةٍ هُنا وثمَّة، ديماغوجيا. التَّمييع يحكي تسوياتٍ هجينة. ليس ما سَبَق من قبيل التَّنظيرِ العامّ. ما حفِلَت بِه بعضُ التَّسريبات المَقْصُودَة مؤخَّرًا يُعبِّرُ عن ارتِباكٍ مؤذٍ للَّحظة الوطنيَّة التَّاريخيَّة.
الشرعيَّة الدُّستوريَّة الدَّولتيَّة تكتسي قُدسِيَّة غير قابِلَة للمُفاوضَة. الحِوارُ الذي قد تفرِضُه، أو قد يُفرَض عليها، لا يقُوم في قضايا مبدئيَّة. في الأساس لا المفاوضة، ولا الحِوار، ولا التَّحكيم، يستقيم في الدُّستور والقانون. كم بالأَحْرَى في السِّيادة.
الإصغاءُ إلى سرديَّاتِ الماضي القريب مُزعج. لم نتوقَّع العَوْدَة إليها. الإجتهاد مسموح للتَّطوير. العَرقَلة هُنا خُبْث، إذ لامَسْنَا سردِيَّةً متماسِكَة في ما يجِبُ أن تكون عليهِ دولةُ المواطنة السيّدة الحُرَّة العادلة المستقِلَّة. لامسناها بِفَرَحٍ وحَذَر. الفَرَحُ مشروع بعد تدميرٍ ممنهج تعرَّضت له المؤسَّسات الدُّستوريَّة. كانت استِعادتُها أُعجوبة. الحَذَرُ مشروع بعد خبُراتٍ خائِبَة في هشاشة تبنّي الدَيموقراطيَّة التَّوافُقِيَّة قاعِدَةً تسوويَّة لا تُقيمُ للوَقْتِ الثَّمين وزنًا. بين الفَرَحِ والحَذَر لا بُدَّ من خطواتٍ هادِئة وثابِتَة. الهُدوء لا يحتمِل القبُول بابتِزاز مُعَادَلَة "ما نُريد" أو "تعكير السِّلم الأَهليّ". تعبيرُ السِّلم الأهليّ في أيّ حال مُلتَبِس. ليس من أيّ صمود لهذا الأخير من دون تطبيق مندرجات اتفاق الطَّائف، والقرارات الصَّادرة عن مجلس الأمن الدَّولي. لبنَنةُ هذا المفْهُوم تسطيحيًّا أطاحَت بما يختزنُه من نبالَةٍ سياسيَّة. أَحرَجَت فيه مُعطَى الالتِفاف حول المصلحة الوطنيَّة العُلْيا. حول الأمن القومي-الوطنيّ. يبدو أنَّنا أمام حِقْبَةٍ متجدِّدَة من احتِمال النَّكْثِ بالتعهُّدات. النَّكْثُ بالتعهُّدات يُلقِي بِنا في بعضِ يأسٍ. التَّضحياتُ التي بُذِلَت لبُلُوغِ هُنيَهَةِ استِفاقَة للشرعيَّة هائِلَة.
ما نحنُ بِصددِه، في ما أسلفنا تحديدَهُ، يَستجلِبُ مومنتوم استِدامَة الضَّغط الإيجابيّ على من أؤتمنوا على تحريرِ الجمهوريَّة من موبِقَات التسيُّبات السِّياديَّة والحوكميَّة. الضَّغط الإيجابيّ يستقي مكانَتَهُ من القُدرة على التنزُّه عن توسُّل مكاسِب سُلطويَّة، خصوصًا مع نَهَمٍ شرِه في منصَّات التَّعيينات. كُلُّ التَّعيينات. من غيرِ الواضِح إنَّنا سَنَشْهَدُ إعادَة هيكلةٍ متكامِلَة للدَّولة. إعادة هيكَلَة مع مخطَّط توجيهيّ ينفُضُ الرُّكود عن مستنقَع الفَسَاد المتداخِل مع قُوَّةٍ غيرِ شرعيَّة. القُوَّة غيرُ الشَّرعيَّةِ قِوى ممتدَّة إلى حدِّ اختِراقِ المطارِح المفترضِ أنَّها تتولَّى النَّفْض. التَّحجُّج بموجب عدم الاستِعجال مؤرِق. عايشناهُ وأكَلَ من لَحمِنا الحيّ باسم تفادي الاصطدامات. الخَشْيَةُ كُلُّهَا في أن ندخُلَ مجدَّدًا دوَّامَة المُقَايضات، والتَّرقيعات، والتأقلُمات، وتشكيل اللِّجان. هُناك البُكَاءُ وصريف الأسنان. الفُرصَة ما زالت متوفِّرة ومؤاتِيَة. فُرصَة راديكاليَّة نحو السِّيادة والإصلاح. هل تصمُد الفُرصة؟ حمى الله لبنان.
فِعلُ الشرعيَّة ومحاذيرُ التأقلُم!
زياد الصائغالاثنين 2025/05/26

الخَشيَةُ كُلُهَا في أن ندخُلَ مجدَدًا دوَامَة المُقَايضات (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها