newsأسرار المدن

المناصفة محفوظة... وبيروت تُركت لخيباتها

إبراهيم الرزالجمعة 2025/05/23
20.jpg
غياب كثر من المرشحين عن هموم الشارع البيروتي اضعف حظوظهم وصورتهم عند الناخبين (علي علوش)
حجم الخط
مشاركة عبر




منذ ليل إعلان نتائج الانتخابات البلدية في بيروت، تتغنى الأحزاب التقليدية بالمنجز التاريخي: "بيروت أنقذت المناصفة"!. "التقاطع الانتخابي حافظ على التوازن"!"منقذو المناصفة في بيروت"… وكأننا أمام إنجاز ديمقراطي من العيار الثقيل، لا مجرد لائحة تحالفاتها هجينة تمّت صياغتها بين احزاب تخون بعضها بعضا، بلا رؤية، و برنامج موضوع لم نسمع عنه، فقط لتجنّب صدمة طائفية محتملة. لقد أصبح الحفاظ على المناصفة إنجازًا بحد ذاته، بينما البلدية نفسها تُركت كأنها تفصيل غير ذي أهمية.

ماذا عن البلدية؟
اللافت ان الأحزاب التي شكلت اللائحة لم تتوانَ عند كل ظهور إعلامي للمتحدثين باسمهم ان تسمي هذا التحالف "تقاطع انتخابي" لم تسمه "ائتلافًا بلديًا" حتى، مع العلم أن المعركة الانتخابية في الأساس هي معركة بلدية. لكن المحاصصة المتلطية خلف المناصفة كانت اهم من البلدية. لم نسمع في هذه الاطلالات اي رؤية لإدارة المدينة، ولا حتى مشروع بسيط لإصلاح الأرصفة أو معالجة الجسور، أو تفعيل الشرطة البلدية، أو تأمين تمويل واضح وشفّاف لخطة نقل. لم يسأل أحد عن السنوات الست المقبلة: ماذا سنفعل بها؟ هل من خطة؟ هل من أهداف؟ وهل نعرف من سيدير ماذا؟
كل هذا تم تجاهله. فالمناصفة أولاً، ثم نناقش... إن تبقّى وقت أو حيز.

تراجع "بيروت مدينتي"
في المقلب الآخر، كشفت النتائج تراجعًا واضحًا لحملة "بيروت مدينتي"، التي كانت قد حققت عام 2016 مفاجأة مدوية بـ31 ألف صوت، على الرغم أن تلك الانتخابات حصلت في وقت كان فيه تيار المستقبل حاضرًا بكل ثقله السياسي والشعبي. واليوم، بعد أن غاب المستقبل عن المشهد، وبعد أن أصبح التغيير شعارًا عريضًا تبنّاه كثيرون، جاءت النتيجة أقل بكثير من التوقعات.
إذا وضعنا جانبا القدرة المادية لهذه المجموعة والفرق الكبير بينها وبين التمويل عند لائحتي بيروت بتجمعنا وبيروت بتحبك، فالسبب لا يعود إلى الشارع، ولا إلى وعي الناخبين كما قال بعض الدائرين في فلك بيروت مدينتي – فهم، كما أظهروا في مناسبات كثيرة، قادرون على التمييز بين الجدّي والمرتبك – بل إلى عجز الحملة عن تقديم صورة موحّدة، أو برنامج بلدي واقعي من حيث الصلاحيات التي يتمتع بها المجلس البلدي ، وإلى كثرة الانقسامات الداخلية التي أضعفت صدقيتها. كما أن غياب ممثليها عن هموم الشارع البيروتي اضعف حظوظها وصورتها عند الناخبين. الناخبون منحوا فرصة في 2022، وأوصلوا نوابًا تغييريين إلى البرلمان، لكن الأداء في المجلس لم يكن على قدر الآمال. فخسرت هذه القوى جزءًا من الثقة، وتحوّل التراجع إلى نتيجة منطقية، لا مفاجئة.

مخزومي: المسافة بين الحضور والإقناع
الخاسر الأكبر في هذه الإنتخابات ليس ائتلاف بيروت مدينتي فقط، فؤاد مخزومي ايضا كان من ابرز الخاسرين. فهو، الذي طالما حاول أن يملأ الفراغ الذي خلّفه غياب تيار المستقبل،  تلقّى صفعة انتخابية واضحة. فابن خالته ورئيس اللائحة ابراهيم زيدان احتل المركز السابع على لائحة بيروت بتجمعنا. وإذا وضعنا جانبا اصوات جمعية المشاريع، فإن اللائحة لم تحصل على الزخم السني الذي حصلت عليه لائحة بيروت بتحبك. فالناس لم تقتنع بمشروعه. الفراغ لا يُملأ فقط بالطموح. بدا واضحاً أن تيار المستقبل لا يزال القوة الأهم في الشارع السني.

محمود الجمل… الحضور الهادئ
من جهة أخرى، شكّل محمود الجمل، المدعوم من شخصيات من تيار المستقبل ، والمدعوم من النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية مفاجأة عند الانتهاء من الفرز. خاض المعركة بهدوء، مدعومًا بعلاقة مباشرة مع الناس، وخطاب بسيط وفعّال. ورغم أن ماكينة المستقبل لم تُفعّل بالكامل، نجح الجمل في الخرق، ما يعكس حسًّا شعبيًا لا يزال قادرًا على التمييز بين الحضور المفتعل والحضور الحقيقي.

الأحزاب التقليدية: تنظيم وانضباط
في الشارع المسيحي، عادت الأحزاب التقليدية لتفرض حضورها ، نتيجة جهد وتنظيم واستمرارية في الخطاب والمواقف. القوات والكتائب، على وجه الخصوص، خاضوا المعركة بوضوح، ونجحوا في مخاطبة جمهورهم بلغة يعرفها ويثق بها. التحذير من المسّ بالمناصفة لعب دوره بلا شك، لكن التنظيم كان حاضرًا أيضًا، في حين بدت القوى التغييرية وكأنها لا تزال في مرحلة التجريب، رغم مضي سنوات على انطلاقها.

والمستقبل؟ مجرد مناصفة!
الخوف الحقيقي هو أن يتحول هذا "الانتصار" إلى عبء. فماذا بعد؟ هل ستمضي السنوات الست المقبلة كما مرّت السنوات التسع التي سبقتها؟ هل ننتظر إصلاحات حقيقية من لائحة فُرضت تحت عنوان "التقاطع الإنتخابي"، بلا توافق فكري ولا رؤيوي؟ من سيموّل؟ من سينفّذ؟ ومن يراقب؟ خصوصًا في ظل وجود أطراف في المجلس البلدي يصعب التعامل معها ماليًا أو إداريًا بفعل العقوبات والتعقيدات السياسية.

بيروت... وحيدة
بيروت لم تصوّت بلا وعي، ولم تختَر عشوائيًا. بل هي مدينة أنهكتها الوعود، وجرّبت كل شيء تقريبًا. مشكلتها ليست في الناس، بل في من يصرّ على التعامل معها كأنها مجرد "توازن" يجب ضبطه، لا مدينة تحتاج إلى إدارة. لقد صوّتت بيروت، لا لأن اللوائح أقنعتها، بل لأن السياسة خذلتها... مرّة أخرى.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها