ما الممكن أن يتعلّمه حزب الله من تجربة الـPKK؟

مروان حربالخميس 2025/05/22
GettyImages-492347094.jpg
هل لحزب الله إرادة التحول النوعي (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

من جبال الأناضول حيث تشكّل حزب العمال الكردستاني، إلى ضاحية بيروت الجنوبية حيث ترسّخ نفوذ حزب الله، نجد تجربتين متقاربتين في دوافع التكوين، لكنهما تباعدتا في لحظة التحوّل السياسي: حين اختار أحدهما أن يُراجع خياراته، وأصرّ الآخر على تثبيت بنيته كما هي.

قال عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، ذات مرة: "إذا تحوّل السلاح إلى هوية، فهذا يعني أن الثورة قد انتهت وتحولت إلى سلطة." وفي آذار 2025، أعلن الحزب رسميًا التخلي عن الكفاح المسلح، في خطوة وُصفت بأنها منعطف تاريخي، قد يُفضي إلى إنهاء صراعٍ دام أكثر من أربعة عقود مع الدولة التركية.

في ضوء هذا التحوّل، يبدو أن حزب العمال الكردستاني يحاول العودة إلى الثورة، بينما حزب الله يزداد التصاقًا بالسلطة. والمفارقة، أن الثورة لا تكتمل إلا حين تخرج من عباءة السلاح.

حين تعيد الثورة النظر في نفسها
أسّس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني في أواخر سبعينيات القرن الماضي، واضعًا نصب عينيه مشروع دولة كردية تُنتزع بالقوة من قلب الدولة القومية التركية. وفي عام 1984، بدأ الحزب تمرده المسلح، ليقود واحدة من أطول حروب العصابات في المنطقة. لكن لحظة تحوّل جوهري جاءت بعد اعتقال أوجلان عام 1999. في سجنه، أعاد التفكير بكل شيء: فكرة الدولة، مركزية السلاح، معنى الهوية، وجدوى النضال المسلح. كتب حينها: "نحن لا نسعى إلى سلطة فوق المجتمع، بل إلى سلطة تنبع من المجتمع."

وانطلاقًا من هذا الوعي الجديد، تحوّلت الحركة تدريجيًا من السعي نحو دولة قومية إلى مشروع كونفدرالي ديمقراطي، قائم على المجالس المحلية، وتمكين النساء، والإدارة الذاتية، والأهم: تحوّل منطق البندقية من هدف إلى أداة ثانوية ضمن مشروع أوسع للتغيير السياسي والاجتماعي.

ما بعد الانتصار
على الجانب اللبناني، تأسست شرعية حزب الله على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكرّس الحزب موقعه في الوعي الجماعي الشيعي كحامٍ للكرامة والحدود. بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، دخل الحزب إلى الحياة السياسية، وشارك في الحكومات والبرلمان، لكنه لم يُعد النظر بسلاحه، بل جعله جزءًا من هويته البنيوية.

لم يعد السلاح "مؤقتًا"، بل تحوّل إلى ركيزة لا يُسمح بمساءلتها. ومع تصاعد الأزمات الداخلية، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة في الجنوب وما كشفت عنه من هشاشة ميدانية وتضعضع في السردية، أصبحت الأسئلة التي لطالما كانت مؤجّلة أكثر إلحاحًا:

هل لا يزال السلاح يحمي؟ وهل لا يزال "الردع" قائمًا؟ وهل ما زالت "المقاومة" تُمثل مشروعًا جامعًا؟

تشابه الأسئلة.. واختلاف الإجابات
صحيح أن حزب الله لا يشبه حزب العمال الكردستاني في كل شيء. الأول ابن نظام طائفي، والثاني نشأ في ظل دولة مركزية علمانية. لكن رغم الفروقات، يبقى القاسم المشترك هو سؤال المستقبل: هل يمكن لحركة تحرر أن تتحوّل إلى مشروع سياسي؟

حزب العمال الكردستاني خاض هذه المراجعة رغم الملاحقات. دعم حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، وشارك في الانتخابات، وبنى نماذج حكم مدني في شمال سوريا. لم تكن التجربة مثالية، لكنها أظهرت أن التحوّل السياسي لا يعني الخضوع، بل استعادة زمام المبادرة من خارج منطق السلاح.
إحدى أبرز معضلات حزب الله اليوم هي موقعه كفاعل "خارج الدولة وداخلها في آن معًا". هو جزء من النظام السياسي، لكنه يحتفظ بسلطة أمنية لا تخضع لرقابة الدولة ولا لمساءلة الرأي العام. إذا قرر حزب الله أن يُعيد النظر في موقعه، فقد لا يحتاج إلى أكثر من أن يعترف بأن دوره تجاوز لحظة المقاومة، وأن الشرعية التي كانت قائمة على السلاح باتت مهددة من الداخل لا من الخارج.

من المقاومة إلى المسؤولية
ربما لا تكون تجربة حزب العمال الكردستاني مثالية، لكنها تذكّرنا أن الحركات المسلحة يمكن أن تعيد اكتشاف نفسها. أن تتحوّل من حامل للسلاح إلى حامل لشرعية جديدة، تنبع من المجتمع لا من ميزان القوة. التحوّل ليس خيانة، بل مراجعة ضرورية. ومن يتقدّم بخطوة إلى الأمام، يُعيد تعريف نفسه لا ليتنازل، بل ليستمر.

حزب الله، بحكم امتلاكه للمؤسسات والقاعدة الشعبية والخبرة السياسية، قادر على قيادة تحوّل نوعي في مفهوم السياسة الشيعية في لبنان. لكن السؤال الجوهري هو: هل يريد ذلك؟

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث