newsأسرار المدن

تلفزيون "الجديد": بين فائض القوة وفائض التسلط

عارف العبدالجمعة 2025/05/16
GettyImages-1354657908.jpg
كانت محطة "الجديد" تعلم أنها تتعامل مع عبوة ناسفة ومتفجرة إعلامياً (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

لم يكن موفقاً، ولا مقنعاً، ولا مقبولاً مهنياً، التقرير الذي بثه التلفزيون الجديد بداية الشهر الحالي، خلال مقابلة في فترة الظهيرة مع أحد الصحافيين المعادين علناً لحزب الله.

التقرير المشار إليه، تناول الضريح الذي أقامه حزب الله بالقرب من طريق المطار في نطاق بلدية برج البراجنة، ودفن فيه جثمان أمين عام حزب الله، الشهيد السيد حسن نصر الله.

التقرير الإخباري، اتخذ موقفاً سلبياً وبث نفساً تحريضياً رافضاً، لإقامة الضريح في هذا المكان، بحجة أنه على مدخل مدينة بيروت، ومن شأنه أن يغير هوية العاصمة ويتسبب بمشكلات سياسية وأمنية، حسبما قال.

التقرير الذي تضمن معلومات حساسة وقوية استخدمها من دون الارتكاز إلى مصادر واضحة أو علنية، وقال إن حزب الله مارس ضغوطاً على أصحاب العقارات والقاطنين في المكان، واستولى على العقارات في المنطقة من دون موافقة أو رغبة أصحابها.

التقرير أو الشريط الإخباري، الذي تناول الموضوع المشار إليه، مغفل المصادر، ونُسب إلى مجموعة مبهمة ومجهولة من الإعلاميين العرب، من دون ذكر الأسماء أو الصفات أو مراكز ومؤسسات العمل التي يعملون فيها، وكان من الواضح أن الزميل الذي تولى الهجوم على حزب الله في المقابلة، هو أحد المسوقين والمروجين لهذا التقرير والمتبنين له والمدافعين عنه.

بطبيعة الحال، فإن إدارة تلفزيون الجديد، كانت تعلم أنها تتعامل مع عبوة ناسفة ومتفجرة إعلامياً وسياسياً. بدليل أن الإعلامية والمذيعة أو المحاورة التي تولت المقابلة وأدارت البرنامج، كررت وذكرت أكثر من مرة أن هذا التقرير ليس من صناعة أو إعداد تلفزيون الجديد.

ولأن المحطة كانت تعلم دقة وخطورة محتوى التقرير، فقد اتصلت مسبقاً برئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور، وطلبت منه متابعة التقرير خلال عرضه ومشاهدته خلال البث، على الهواء والتحضر للرد والتعليق على مضمونه وتصويب وتصحيح المعلومات الواردة فيه، إذا كان هناك أي غلطة أو معلومة غير صحيحة.

وهذا ما جرى بالفعل، حين أوضح رئيس البلدية أن ما ادعاه التقرير، غير صحيح، وكشف مصدر العقارات، وقال إنه تم الحصول عليها عبر طرق شرعية وطبيعية لا غبار عليها.

الذي جرى عقب بث التقرير أن تلفزيون الجديد وإدارته والمسؤولين عنه، تعرضوا إثر ذلك لحملة شعواء من التخوين والاتهامات بالعمالة والخيانة من قبل مناصرين وإعلاميين تابعين ومؤيدين لحزب الله. وقد وصل الأمر بالمحرضين إلى اتهام إدارة التلفزيون وبعض المسؤولين عنه بالخضوع والتعامل مع العدو الإسرائيلي، واعتبار التقرير من صناعة المخابرات الإسرائيلية، أي إلى هدر دم أصحاب المحطة والمسؤولين عنها وتخوينهم.

وقد عُلم أن كثراً من العاملين في التلفزيون، تعرضوا لحملة كثيفة من الضغوط، وربما الشتائم والتخوين والتحقير في بيئاتهم الاجتماعية وأماكن سكنهم.

حالة الضغط التي تمت على التلفزيون والعاملين فيه، أسفرت عن إقدام بعض الموظفين من الاعلاميين في المحطة، على إعداد عريضة اعتراضية تتوجه إلى إدارتها، تستنكر قبول بث التقرير، وتتهمها بتعريض حياتهم للخطر، وتطالب المحطة بوقف مثل هذه الخطوات وعدم تكرارها.  

الذي زاد في الطين بلة، هو تسرب العريضة الاعتراضية مع التواقيع إلى وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وسط حملة تحريض واسعة من قبل الذباب الإلكتروني "المقاوم" والمناصر لحزب الله.

إدارة المحطة أجرت تحقيقاً داخلياً وقامت إثره بفصل بعض الزملاء من عملهم، لأنهم تولوا إعداد العريضة الاعتراضية، ولأنهم سربوها إلى الخارج وكشفوا أوضاع وأسرار المؤسسة.

كما أن حالة الاستقطاب والشحن والتحريض هذه، أدت إلى إقدام قوى نافذة على قطع بث المحطة في مناطق نفوذ وتواجد حزب الله، ومنع وصول بثها إلى المواطنين عبر المشتركين في الكابل ومحطات توزيع الأقنية التلفزيونية.

إزاء هذا التطور الذي أسفر عن طرد عدد من الزملاء الصحافيين وإقدام بعضهم على تقديم استقالاتهم، ونحول القضية إلى نقطة اهتمام إعلامي وسياسي، لا بد من تسجيل الملاحظات التالية انطلاقاً من أن ما جرى ويجري، يعكس أسلوب حزب الله في التعاطي، مع وسائل الإعلام المختلفة معه.

أولاً: إن محطة الجديد، كرست أغلب عملها وبثها التلفزيوني لدعم الحزب منذ انطلاق أعمال المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وعمليات حزب الله ضد إسرائيل، وكانت باستمرار تعمل لمناصرة المقاومة وتساند حزب الله، في أغلب مواقفه السياسية والعسكرية، وتدافع عن بيئة المقاومة بكل تصرفاتها، عبر الوقوف خلفها ومعها باستمرار، بل كانت في أحيان كثيرة تميل نحو مناصرة حزب الله.

حتى أن المشاهد والمتابع لبث المحطة خلال العدوان الإسرائيلي، ما كان يمكن له أن يعثر على تمييز أو فرق بين ما تقوله محطة الجديد في المقاربة والتسويق، وما تقوله وسائل إعلام الحزب في أحيان كثيرة.

ثانياً: الغريب أن حزب الله بكل قواه الضاغطة والتحريضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفرقه الإلكترونية، لم يتحمل أو يقبل أي غلطة مقصودة أو غير مقصودة، من المحطة، وحولها مباشرة إلى حالة الخيانة متناسياً خدماتها أو مواقفها ومناصرتها له خلال الفترة الماضية.  

ثالثاً: أن حزب الله عبر المناصرين له، اعتمد التحريض وقطع البث ولم يستخدم القوانين المرعية الإجراء لمحاسبة المحطة والضغط عليها، بل استخدم لغة التخوين والاستفزاز والضغط والترهيب على العاملين فيها. وهنا يسجل غياب تام لمؤسسات الدولة المسؤولة والمخولة التعاطي مع هذا الموضوع، إن من جهة وزارة الإعلام أو المجلس الوطني للإعلام المخول قانوناً وتنظيماً والمنوطة به هكذا مهمات ومشكلات في مثل الحالة الراهنة.

محطة الجديد حملت طروحات حزب الله ودافعت عنه في لحظة الصعود وفائض القوة، وهي الأن تتعرض للضغط والتخلي والتخوين والابتزاز والتحقير والتسلط في مرحلة ارتباك الحزب وخسرانه وتراجعه العسكري والسياسي.

فهل ستتحرك مؤسسات الدولة والنقابات والهيئات المعنية لمواجهة هذا الواقع والتعاطي معه؟

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث