بين بيصور، وصوفر، والشويفات وعرمون، كان الاقتراع مشهداً شعبياً خالصاً: زحمة، طوابير، مندوبون، خيم، إشكالات، نسوة تتشاجرن مع بعضهن. أما في بلدات أخرى، فانزلق المشهد نحو الهدوء الطوعي، نتيجة توافقات فوقية وضعت حدّاً للمنافسة، أو على الأقل للضجيج الانتخابي.
خصومات الماضي وأصدقاء اليوم
في شويفات، المدينة التي لطالما كانت مرآة لصدام الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني، طُويت صفحة المواجهة هذه المرّة على لائحة مشتركة عنوانها "شويفات تواكب"، برعاية مباشرة من وليد جنبلاط وطلال أرسلان. لكنّ "العِشرة" لم تعمّر في المزاج الشعبي، فخرج المجتمع المدني، ومعه ناشطون من انتفاضة 17 تشرين، بلائحة مضادة حملت اسم "نبض الناس"، محاولة كسر احتكار الثنائية التاريخية، وإن بمعادلات غير متكافئة.
وفي التفاصيل، بلغت نسبة الاقتراع حوالي 38 بالمئة وشهدت القبة في الشويفات إشكالين. الأول كان بين عرب خلدة أنفسهم ما أدى إلى تضارب وشغب، والثاني تطور بين أفراد من العرب وعناصر الجيش، قبل أن تتم السيطرة عليهما.
في عرمون، المنافسة بين العائلة الواحدة "آل الجوهري"، انتشرت أسماؤها على لائحتين متقابلتين: "رؤية عرمون 2030" بقيادة فراس فضيل الجوهري مدعوماً من الحزب الديمقراطي، و"عرمون أولاً" برئاسة حسام الجوهري بدعم مبطّن من الحزب التقدمي. واشتعلت الساحة بـ"عجقة"، تلاسُنات، ومشاكل "نسوان"، في مشهد يعكس احتدام المعركة، حتى لو انحصرت داخل الأبواب العائلية.
توافق فوقي... وسيناريو مكرر
في قلب مدينة عاليه، لا منافسة تُذكر، ونسبة الاقتراع بلغت حوالي 33 بالمئة. التفاهم الدرزي - المسيحي كان واضحاً منذ البداية: إعادة ترشيح وجدي مراد لرئاسة البلدية، بدعم من العائلات الأساسية، في لائحة تراعي التوازن الطائفي بين رئيس درزي ونائب رئيس مسيحي. وُوجهت هذه اللائحة بمحاولتين فرديتين. فترشح بشكل منفرد طارق شهيب، ومنى يوسف عقل لفرض عدم تزكية البلدي، الأمر الذي يؤشر إلى بقاء القديم على قدمه، واستمرار مراد في موقعه.
بلدة صوفر شهدت واحدة من أشرس المعارك، بين لائحتين: الأولى مدعومة من الحزب التقدمي الاشتراكي، والثانية تحمل طابعاً مستقلاً. بدأ الاقتراع منذ الصباح الباكر بزخم لافت، وأمام مراكز الاقتراع اصطفت الطوابير وسط انتشار منظم لعناصر قوى الأمن والمندوبين. أجواء الاقتراع سادها الهدوء، رغم سخونة المعركة، بينما شدد ناخبون على أن "صوفر هواها إشتراكي"، في إشارة إلى حتمية فوز "نبض صوفر" برئاسة وجيه شيا، المدعوم اشتراكياً. ومن جهة أخرى، تعلم لائحة "صوت صوفر" صعوبة المعركة، تقول إحدى المندوبين لـ"المدن": "نريد نبضاً جديداً، ونأمل التغيير، رغم صعوبة الوضع".
صوت الناس: ولاء أو انتظار
في بيصور، أكبر عائلتين هما عائلتا ملاعب والعريضي. وثمة عرف بتقاسم رئاسة المجلس البلدي والمجالس الاختيارية. في الانتخابات السابقة كانت رئاسة البلدية لآل ملاعب والمخترة لآل العريضي. وفي الاستحقاق الحالي يفترض أن تؤول البلدية للعريضي والمخترة لملاعب. لكن تم شكيل ثلاث لوائح. لائحة "إنماء بيصور" برئاسة المحامية سمر العريضي، مدعومة من الحزب القومي والديمقراطي. ولائحة "بيصور بتجمعنا" برئاسة صلاح العريضي، تجمع ممثلين عن التقدمي الاشتراكي والديمقراطي. ولائحة "بيصور أولاً" بقيادة فندي العريضي، بأغلبية عائلية وبحضور حزبي متواضع.
اكتظ محيط ثانوية بيصور الرسمية بالخيم والمندوبين، والناخبين. إشكالان وقعا داخل المركز: الأول تلاسن بين مندوبي لائحتين، انتهى سريعاً، والثاني أدّى إلى إغلاق مؤقت لبوابة المدرسة لبضع دقائق، نتيجة خلاف بين مناصرين.
في مراكز الاقتراع، تفاوتت دوافع الناس. إحدى السيدات قالت إنها تنتظر منذ ساعتين "تحت الشمس"، فقط كي تمارس حقها. آخرون أكدوا أنهم جاءوا "كرمال الحزب"، مرددين عبارة: "البلدة للحزب الاشتراكي سابقاً وحالياً، ومستقبلاً وأبداً". بين هؤلاء وهؤلاء، بدا المشهد الانتخابي كمرآة للواقع: ناسٌ تقترع عن قناعة، وأخرى "عن عادة"، فيما السياسة، كالمعتاد، تعرف من أين تؤكل الكتف... ومن يصوت لمن، وكيف ولماذا.
عاليه محسومة: الجميع يعلم من يصوت لمن، وكيف ولماذا؟
نغم ربيعالأحد 2025/05/04

تراجعت بنسبة المشاركة في قضاء عاليه بشكل كبير من 50 إلى 42 بالمئة مقارنة بالعام 2016 (نغم ربيع)
حجم الخط
مشاركة عبر
أقفلت صناديق الاقتراع في قضاء عاليه عند السابعة مساءً، ولامست نسبة المشاركة في الاقتراع 41.77 بالمئة، مقارنة بـ 50 بالمئة في انتخابات 2016، ما يُظهر تراجعًا عن الاستحقاق السابق. إلا أن نسب الاقتراع المنخفضة لم تنعكس برودًا في المشهد الانتخابي، بل تفاوتت بشكل حاد بين قرى استسلمت للتفاهمات وأخرى اشتعلت حتى اللحظة الأخيرة في صراع الأسماء والعائلات، وفي مرات كثيرة تحت الطاولة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها