في خطوة لافتة للانتباه، أصدر رئيس التفتيش القضائي أيمن عويدات قرارًا يقضي بحفظ الشكوى المقدمة من وزير العدل السابق هنري الخوري، بحق رئيس محكمة تنفيذ بيروت القاضي فيصل مكي بسبب ظهوره الاعلاميّ من دون الاستحصال على إذن مسبق، وجاء في تعليل قرار الحفظ أن القاضي لا يحتاج إلى إذن مسبق للظهور إعلاميًا.
الظهور الإعلامي
في السياق نفسه، وتعزيزاً لمبدأ استقلالية القضاء، أعلن رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود لـ"المدن" عن دخول السلطة القضائيّة في مرحلة مختلفة عن كل العقود الماضية. قائلًا أنه في مضمون مشروع قانون استقلالية القضاء ذُكر أن القاضي ليس بحاجة إلى إذن مسبق قبل الظهور الإعلامي وذلك بناءً على اجتهادٍ قانونيّ، كما أن المشروع المقدم تناول معايير استقلالية القضاء، واختصاص مجلس القضاء الأعلى وآلية تعزيز التشكيلات القضائية وأهمية تفعيل العمل الإعلامي داخل مجلس القضاء الأعلى. في المقابل، لم ينف عبود أهمية رسم بعض الضوابط أمام الظهور الإعلاميّ للقضاة وذلك حرصًا على تطبيق موجب التحفظ.
في العام 2022، حلّ مكي ضيفًا على إحدى القنوات التلفزيونية، من دون الاستحصال على موافقة مسبقة من وزير العدل السابق هنري الخوري، فأحيل على التفتيش القضائي. وفي المرة الثانية حُولت الهيئة الادارية لنادي القضاة أمام هيئة التفتيش القضائيّ بناءً على شكوى قدمت من الخوري، بسبب بيانات نادي القضاة التي تُنشر على وسائل الاعلام.
وأوضح مكي لـ"المدن" أن "ظهوره في الإعلام كان دفاعًا عن القضاء اللبنانيّ الذي حُمل الكثير من المسؤوليات في تلك الفترة، مشددًا على أن للقاضي حرية في التعبير. ومنذ أيام قليلة، قرر القاضي عويدات حفظ الشكاوى المقدمة ضده، معتبرًا أن الظهور الإعلامي لا يحتاج لإذن وهي المرة الأولى التي يصدر فيها القضاء اللبناني هكذا قرارات".
في السياق نفسه، علّقت رئيسة نادي القضاة نجاة أبو شقرا في حديثها مع "المدن" أن القضاء قال كلمته بمواجهة السلطة التنفيذية المتمثلة بوزير العدل السابق، وهذا القرار بمثابة انتصار لمعركة خاضها القضاة لسنوات طويلة، والقضاء أكد أن القضاة هم سلطة مستقلة.
وكان وزير العدل السابق هنري الخوري قد أصدر تعميمًا موجهاً إلى القضاة، قضى بـ"وجوب التقيد بالأحكام القانونيّة، والامتناع عن الظهور الاعلامي بجميع أشكاله، وعن اتخاذ أي موقف علنيّ على أي منصة إعلامية أو إلكترونية أو غيرها من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص".
حرية القضاة
وبعد أشهر قليلة أحال الخوري أعضاء نادي القضاة على التفتيش القضائي وذلك على خلفية البيانات والمواقف والآراء التي يصدرها النادي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعترض فيها على بعض القرارات القضائية، وعلى المسار القضائي، وعلى التجاوزات الحاصلة داخل الجسم القضائي، وقد مثل أعضاء الهيئة الادارية أمام التفتيش القضائي في جلسة تحقيق، ولم تكن المرة الأولى التي يلاحق فيها الوزير بعض القضاة. فقد سبق أن أحيل القاضي مكي ثلاث مرات على التفتيش. وقد جاء رد نادي القضاة آنذاك بأن بيان مجلس القضاء الأعلى في العام 2018 يؤكد على ثوابت لا يمكن الحياد عنها أبرزها أنه "لا يجوز لوزير العدل توجيه تعاميم للقضاة، كما أن المجلس لا يعد أداة تنفيذية لهذه الغاية، عملًا بمبدأ استقلالية السلطة القضائية..."، وأن نص المادة 44 من قانون القضاء العدلي يلحظ بوضوح أن القضاة مستقلون ولا يمكن نقلهم أو فصلهم عن السلك القضائي إلا وفقًا لأحكام القانون فلا رئيس مباشر أو غير مباشر للقاضي كي يخضع له أو كي ينفذ تعليماته أو أوامره.."، وأحيل مرة جديدة في العام 2024 بسبب اعتراض النادي على البنود التي أقرت خلال جلسة مجلس النواب التشريعية في تشرين الثاني من العام نفسه.
وحسب معلومات "المدن" فإن التفتيش القضائي سيستمع خلال الأيام المقبلة لرئيسة نادي القضاة نجاة أبو شقرا في الشكوى المقدمة ضدها من وزير العدل السابق الخوري، ومن المتوقع أن يكون قرار عويدات مماثلًا للقرار الذي اتخذه مؤخرًا، أي أن يحفظ الشكوى لأن الظهور الإعلامي لا يحتاج لإذن مسبق.
يُذكر أنه في السابع من آذار الماضي، تراجع وزير العدل الحالي عادل نصار بالاتفاق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود عن التعميم الذي أصدره وطلب فيه من القضاة التفيد بالأحكام القانونية والامتناع عن الظهور الإعلامي بجميع أشكاله من دون إذن، وذلك بعد اعتراض القضاة على مضمون التعميم. وأكد نصار بعد إلغاء التعميم على أهمية استقلالية القضاء وصون هيبته وحرية التعبير.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها