هي ساعاتٌ حاسمة ومصيريّة، تفصل جنوب لبنان عن توغلٍ بريّ إسرائيليّ وشيك ومُرتقب بحسب ما تُشير كل التقديرات حتّى اللحظة. إسرائيل مُصرّة على تدمير البنية التحتيّة مُدّعيةً أن أهدافها مُحدّدة، وحزب الله يتوعدها، بلسان نائب أمينه العام الراحل تعيم قاسم بردعٍ يقلب المعادلة.
في وقتٍ تستمر فيه التلميحات الإسرائيليّة المتواترة بشأن بدء قريب للعمليات البريّة في لبنان، والّتي شملت كذلك إحاطات لوسائل الإعلام الإسرائيليّة وتصريحات صدرت عن غالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، في أحاديث مع جنود المشاة خلال تدريبات عسكرية مكثفة أجريت مؤخرًا تحاكي قتالًا بريًّا في لبنان. هذا، بالإضافة إلى استدعاء لواءين من قوات الاحتياط ونقل الثقل العسكري من قطاع غزة إلى لبنان. وأعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان "نعزز الدفاع على خط التماس ونستعد للمراحل المقبلة من القتال. وقوات اللواء 188 أجرت تدريبات قرب الحدود الشمالية لرفع الاستعداد وحماية البلدات في الشمال".
وقالت صحيفة إسرائيل اليوم إن الدخول البريّ إلى لبنان على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأمنيّ المنعقدة الآن.
توغل "محدود"
نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة، اليوم الاثنين، عن مسؤولٍ أميركيّ مُطلع قوله، إن إسرائيل أبلغت واشنطن أنّها تخطط لشنّ عملية بريّة محدودة في لبنان قد تبدأ في وقتٍ قريب. وبحسب المسؤول، فإن الحملة التي تخطط لها إسرائيل ستكون أصغر من حربها ضدّ حزب الله عام 2006 وستركز على تدمير البنية التحتيّة للحزب على طول الحدود، بهدف تدمير قدرات حزب الله، وضمان الأمن لسكّان المستوطنات في الشمال.
وأكدّ المسؤول أن الجانب الإسرائيليّ سيجري عمليات محدودة في عددٍ من القرى على طول الحدود، لكنّه في الوقت ذاته قال إن إدارة جو بايدن لا تزال قلقة بشأن احتمال أن تتحول العملية المحدودة إلى عملية أكبر وأطول أمدًا، فيما قال مسؤول إسرائيليّ للصحيفة، إن لدى إسرائيل خططًا محدودة ووشيكة، وتتماشى مع الجانب الأميركيّ، مشيرًا إلى أنّه جرى التفاهم بين الجانبين على عدم تكرار ما جرى في غزّة.
ووفق ما تشير "واشنطن بوست" نقلًا عن المسؤول الأميركيّ، فإن إسرائيل كانت تخطط لغزوٍ بريّ كبير إلا أن الخطة جرى تقليصها بشكلٍ كبير، لتركز على تدمير منصات إطلاق الصواريخ ومخابئ الأسلحة والبنى التحتية لحزب الله، قبل سحب القوات الإسرائيليّة. ويضيف أن "الغرض الاستراتيجيّ من العملية هو ضمان عدم تمكّن حزب الله من الحفاظ على قدرته على مهاجمة المستوطنات الإسرائيلية على الحدود". كما قالت شبكة "سي أن أن" نقلًا عن مسؤول أميركي أيضًا، إن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل قد تشن قريبًا توغلًا بريًّا محدودًا في جنوب لبنان. وبحسب المصدر فإن المسؤولين الأميركيين قلقون من أن يتطور التوغل المحدود ويتحول إلى عملية أكبر على المدى الطويل.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤولين أميركيين: "نتوقع أن تبدأ إسرائيل قريبا عملية لتطهير الحدود من بنية حزب الله التحتية. واشنطن سعت خلال مناقشة مخطط العملية مع تل أبيب إلى الحد من نطاقها ومدتها. واشنطن تخشى تحول العملية إلى احتلال مفتوح طويل الأمد للمنطقة الحدودية". كما ونقلت شبكة "أي بي سي" عن مسؤول أميركيّ رفيع إنه يتوقع أن تبدأ العملية البريّة الإسرائيليّة على الفور في لبنان. وقال المسؤول إن إسرائيل ستدخل لتدمير البنية التحتية لحزب الله قرب الحدود ثم تنسحب. وعلى صعيد متصل، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركيّ قوله إن تمركز القوات الإسرائيليّة يشير إلى أن توغلًا بريا في لبنان قد يكون وشيكًا.
التحضير للتوغل البريّ
إلى ذلك، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، اليوم، إنه يعارض شنّ إسرائيل عملية برية في لبنان ودعا إلى وقف إطلاق النار، في ظل تصعيد العدوان الإسرائيلي على بيروت؛ وقال بايدن للصحافيين عندما سُئل عما إذا كان على علم بتقارير عن خطط إسرائيلية لتنفيذ عملية محدودة، وما إذا كان سيشعر بارتياح إن مضوا قدما بها، "أنا على علم أكثر مما قد تعرفون ويريحني وقفها. يجب أن يكون لدينا وقف لإطلاق النار الآن".
وقالت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون): "نعمل مع الإسرائيليين لفهم خطواتهم المقبلة في لبنان"، وأضافت: "التوغل البري الإسرائيلي في لبنان لم يحصل بعد ونواصل المناقشات معهم حول أفضل السُبل، ونحن نأخذ تهديدات إيران على محمل الجدّ وهذا ما دعانا إلى تعزيز قواتنا لحماية أنفسنا وإسرائيل".
وأشار البنتاغون: "لم نكن ضالعين في القصف الإسرائيلي في اليمن ولكن تلقينا إخطارًا مسبقًا قبل العملية، ولا يمكن استبعاد اتخاذ إيران أو وكلائها خطوات تصعيديّة". وأردفت بالقول: "الوزير لويد أوستن يريد أن يعلم بأي عمليات إسرائيلية في الشرق الأوسط لأنها تخلف تداعيات على القوات الأميركيّة، أما تعزيز قواتنا يهدف إلى ردع الأعمال العدوانية والحد من مخاطر حرب إقليمية أوسع"، وشدّدت أن "أوستن تفاجأ عندما أبلغه غالانت بعملية نصرالله والاتصال كان صريحًا وحازمًا للغاية". وذكرت الخارجية الأميركيّة، أن بلينكن سيجري اتصالات اليوم مع عدد من نظرائه بشأن الوضع في الشرق الأوسط. وقد تحدث بلينكن الأحد مع وزير الخارجية الفرنسي بشأن الجهود الجارية لتهدئة التوترات في المنطقة.
ويأتي ذلك فيما قالت "وول ستريت جورنال" إن قوّات خاصة إسرائيليّة تُنفذ غاراتٍ صغيرة ومستهدفة في جنوب لبنان وتجمع معلومات استخباراتيّة وتتحرى قبل غزو بريّ محتمل. ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين قولهم إن العمليات التي حدثت أخيرًا وعلى مدار الأشهر الماضية، شملت دخول أنفاق حزب الله الواقعة على طول الحدود، بهدف تقليص قدرات حزب الله. وقالت مصادر الصحيفة إن توقيت أي عملية برية قد يتغير، جراء ضغوط شديدة من الولايات المتحدة لعدم القيام بغزو كبير. وبحسب الصحيفة "لم تتضح المدة التي ستستغرقها إسرائيل داخل أراضي لبنان أو ما إذا كانت العملية البريّة ستكون أشبه بسلسلة عمليات توغل كبيرة".
وقالت مصادر الصحيفة إن توقيت أي عملية بريّة قد يتغير، جراء ضغوط شديدة من الولايات المتحدة لعدم القيام بغزو كبير. وبحسب الصحيفة "لم تتضح المدة التي ستستغرقها إسرائيل داخل أراضي لبنان أو ما إذا كانت العملية البرية ستكون أشبه بسلسلة عمليات توغل كبيرة". ووجه الاحتلال الإسرائيلي ضربات قاسية إلى البنية القيادية لحزب الله خلال الأسابيع الأخيرة بدءاً من القادة العسكريين الكبار وصولاً إلى رأس الهرم المتمثل بالأمين العام حسن نصرالله.
في غضون ذلك، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، في لقاءٍ مع رؤساء سلطات محليّة في بلدات ومستوطنات خطّ المواجهة القريبة من الحدود اللّبنانيّة، أن المرحلة المقبلة من العدوان على لبنان ستبدأ قريبًا وستسمح بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم. وكان قد لمّح قبل ذلك بساعات إلى عملية برية محتملة ضد حزب الله في لبنان، بحسب ما قالت وسائل إعلام إسرائيلية. ونقلت وسائل إعلام عدة عن غالانت قوله لقوات من سلاح المدرعات بالقرب من الحدود اللبنانية "القضاء على نصر الله خطوة مهمة لكنها ليست النهاية. لإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم، سنقوم بتفعيل كل قدراتنا، بما في ذلك أنتم". وقال موقع تايمز أوف إسرائيل إن غالانت من خلال هذه التصريحات "أشار بقوة إلى أن إسرائيل تستعد لشن هجوم بري ضد حزب الله في لبنان".
ردّ حزب الله
وفي وقت سابق اليوم، أكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، استعداد مقاتلي الحزب لمواجهة إسرائيل إذا توغلت برا في لبنان؛ وفي أول تعليق لحزب الله منذ استشهاد نصر الله، قال قاسم في كلمة مسجلة بثّها تلفزيون المنار: "رغم الاعتداءات والتضحيات الكبيرة... ستواصل المقاومة مواجهة العدو الإسرائيلي مساندة لغزة وفلسطين ودفاعا عن لبنان وشعبه وردا على الاغتيالات وقتل المدنيين". وأضاف: "نعلم أن المعركة قد تكون طويلة والخيارات مفتوحة تماما" مؤكدا الاستعداد لمواجهة "أي احتمال". وقال "مستعدون إذا قرر الإسرائيلي أن يدخل بريًّا، فقوات المقاومة جاهزة للالتحام البري".
توجس من توغلٍ بريّ
بدوره، حضّ وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، إسرائيل على "الامتناع عن أي توغل بري في لبنان"، داعيا كلًّا من إسرائيل وحزب الله إلى "وقف إطلاق النار". وحثّ بارو خلال مؤتمر صحافي عقده من بيروت، "جميع الأطراف" على "انتهاز الفرصة الآن" للقبول بمقترح وقف إطلاق النار الذي قدمته الأمم المتحدة، مضيفا أنه "لا يزال مطروحا على الطاولة، لا يزال هناك أمل، لكن لم يبق إلا القليل من الوقت".
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يظل صامتا إزاء العربدة الإسرائيلية التي تدفع المنطقة برمتها نحو النار. إذا فشل مجلس الأمن في وقف هجمات إسرائيل في غزة ولبنان فعلى الجمعية العامة أن توصي باستخدام القوة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها