وجهًا لوجه أمام شاشة التلفاز أو الهاتف، طيلة السّاعات الفائتة. كلّ من كان هنا في بيروت ولبنان، وكل من يعنيه أمرهما، ينتظر الخبر. وإذ به الخبر العاجل ينبثق في شاشات التلفزة، وبيان النعيّ يُتناقل في وسائل التواصل والمنصات الإفتراضيّة، وفيض الصور والنعوات يتندّح على امتداد المشهديّة الحربيّة ويتخطاها ويتصدرها.
"سماحة السّيد، سيد المقاومة العبد الصالح انتقل إلى جوار ربّه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا ملتحقًا بقافلة شهداء كربلاء". يحضر الخبر، صاعقًا مدويًّا، ينهال على رؤوس اللّبنانيين وقلوب بعضهم.
"الفاجعة الكبرى" الّتي تلقفها الرهط الأكبر ليندفع نحو الشارع وتحت السّماء المحمّومة إما باكيًّا المحنة الدمويّة وإما مفجوعًا غاضبًا فاتحًا نار السلاح الحربيّ في الهواء، وإما صامتًا أمام هول الواقعة. كان المشهد في بيروت، عند الثانيّة والنصف ظهرًا، كابوسيًّا بامتياز. كان أشبه بشيءٍ يتفتّح، شيءٌ حاسم لأوّل مرّة. بدا وكأن الحرب اندلعت في هذه اللحظة وتضاءلت معها الشوارع والبيوت والمدن اللّبنانيّة وفقدت صلابتها منكفئة فوق حافة العالم، أو كان هذا أوّل الطريق إلى انفراطها.
لبنان بعد نصرالله
في اللحظات الّتي تلت نعي حزب الله أمينه العامّ حسن نصرالله، عُقب إعلان الجيش الإسرائيليّ، رسميًّا، صباح اليوم السبت 28 أيلول، اغتياله في عدوانٍ جويّ هو الأعنف على العاصمة بيروت، انفجرت الشوارع العموميّة في مختلف المناطق اللّبنانيّة، وتحديدًا في العاصمة بيروت، بسكّانها. وشهدت إطلاقاً كثيفًا للرصاص العشوائيّ في سمائها بُعيد صدور الخبر، وزحمةً مهولة، وتصاعدت أصوات البكاء والنحيب في الشوارع. شيوخٌ ونسوةٌ وأطفال، العشرات خرجوا إلى الشوارع، وحملوا الأعلام الصفراء، وانطلقوا بترديد الندبيات (وهي قصائد رثاء مُغناة)، لاطمين صفحة صدورهم حزنًا وحسرة، في طقسٍ جنائزيّ مهيب.
ميدانيًّا، وبالرغم من الغارات المتواصلة على ضاحيّة بيروت الجنوبيّة، شهدت سمائها رشقات متتاليّة وعنيفة من الرصاص العشوائيّ الذي أطلقه السكّان في إشارةٍ لغضبهم بعد تأكيد اغتيال نصرالله. هذا الاغتيال الذي ابتدأت به إسرائيل سلسلةً متصلة من الغارات الجويّة العشوائيّة على مباني الضاحيّة. وشُوهد خروج مسيرات ومواكب من الضاحيّة فضلًا عن المناطق الّتي نزح إليها السكّان من الجنوب والبقاع والضاحيّة في العاصمة بيروت إضافة إلى ضواحيها الشرقيّة.
وتداولت صفحات التواصل الاجتماعيّ مقاطع مصورة تُظهر اشكالات وسجالات عنيفة بين المواطنين واللاجئين السّوريّين في كل من الفنار ومنطقة النبعة. حيث عمد بعد السكّان إلى محاصرة بعض اللاجئين وضربهم، من دون أن تتبين الأسباب، فيما رجحت المصادر أن تكون على خلفية التباين السّياسيّ القائم أساسًا وإشكاليّة تدّخل الحزب في سوريا.
المواقف السّياسيّة والدوليّة
وفي خضّم الصدمة الّتي لايزال سكّان لبنان في طور امتصاصها – إن كان ذلك ممكنًا – وبظلّ التساؤلات الّتي تدور حول خلف الأمين العامّ المغدور، وعن تداعيات مثل هذا الاغتيال، ناهيك بالشخصيات الحزبيّة الّتي جرى اغتيالها في نفس الضربة؛ تتهافت التصريحات السّياسيّة من الأفرقاء المحليين فضلًا عن تلك الإقليميّة والدوليّة، الّتي صُبت لاستنكار عملية الاغتيال والتنديد به والوقوف على خاطر الحزب (بيان الحزب) الذي فقد أحد أبرز رموزه منذ ثلاثين عامًا حتّى اللحظة، كما يلي:
"محور المقاومة":
قال الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان: "العالم لن ينسى أن قرار تنفيذ الهجوم الإرهابيّ صدر من نيويورك". وأكدّ أن "واشنطن لا يمكنها التنصل من التواطؤ مع الصهاينة". مضيفًا "خسارة الشخصيات البارزة في المقاومة وعلى رأسهم نصر الله ستجعل شجرة المقاومة أكثر صلابة وقوة. راية محاربة الظالم لن تسقط".
وفي طهران، أكدّت لجنة الأمن والسّياسة الخارجيّة بالبرلمان الإيرانيّ على "ضرورة الردّ بحزم، وجعل الكيان الصهيوني يندم على جرائمه"، كما نقلت رويترز عن مصادر مطلعة أن "إيران على اتصال دائم بحزب الله وحلفائها الإقليميين الآخرين، لتحديد الخطوة التالية".
في العراق، اعتبر رئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني في بيان صدر اليوم السبت أن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في غارة إسرائيليّة على الضاحية الجنوبية لبيروت، هو "جريمة تؤكد تعدي الكيان الصهيوني كلّ الخطوط الحمراء". وأضاف السوداني: "في اعتداء آثم جديد، وجريمة تؤكد تعدي الكيان الصهيوني كلّ الخطوط الحمراء، ارتقى الأمين العام لحزب الله اللبناني سماحة السيد حسن نصر الله، شهيدًا على طريق الحق". وأكّد "موقف العراق المبدئي بالوقوف مع الشعبين الفلسطيني واللبنانيّ"، معتبرًا أن استهداف الضاحية الجنوبية الجمعة "يعبر عن الرغبة المستهترة الساعية إلى توسعة الصراع".
وأعلنت الحكومة العراقيّة اليوم السّبت "الحداد العام في جميع أنحاء العراق لـ3 أيام، "تأبينًا لاستشهاد نصر الله ورفاقه، في العدوان الصهيوني الآثم".
كما رثى الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر حسن نصر الله اليوم عقب إعلان الحزب.
ونعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي "قُتل ضمن معركة طوفان الأقصى في الغارات الإسرائيلية على بيروت". وأدانت حماس "العدوان الإسرائيليّ الهمجيّ على مبانٍ سكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت".
كما نعته وزارة الخارجيّة الإيرانيّة وقالت "إن المسار المجيد لقائد المقاومة سيستمر وسيتحقق هدفه بتحرير القدس".
وتوجهت جماعة أنصار الله (الحوثيين) "بأحرّ التعازي لأسرة السيد نصر الله ولحزب الله ومجاهديه وللشعب اللبناني والأمة الإسلامية. العاقبة المحتومة ستكون النصر وزوال العدو الإسرائيلي وكيانه المؤقت".
وقالت حركة الجهاد الإسلاميّ إنه "فخر كبير لسماحة السيد حسن نصر الله أن يستشهد مقبلا غير مدبر في موقف إسناد ونصرة لشعبنا الفلسطيني".
كما وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن "راية المقاومة لن تنكسر واستشهاد سيد المقاومة بداية لمرحلة جديدة أكثر قوة وتصميمًا".
المواقف اللّبنانيّة:
أصدرت هيئة الرئاسة في حركة أمل بيانًا نعت فيه أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وجاء فيه: "ننعاه أخاً مقاوماً من مدرسة سماحة الامام القائد السيد موسى الصدر ، وأميناً قائداً لحزب الله وللمقاومة الإسلامية الباسلة". وتابع البيان: "إن هيئة الرئاسة في حركة أمل قيادة ومجاهدين إذ تشاطر الاخوة في حزب الله وكل المقاومين أسمى آيات العزاء والتبريك، تعتبر أن خسارة قامة فذة وشجاعة بحجم سماحة السيد حسن نصر الله خسارة لن تفت عضد المقاومين في مواصلة الدرب إنتصاراً للحق ودفاعاً عن لبنان في مواجهة الإرهاب الصهيوني وعدوانيته التي تجاوزت كل الحدود والقواعد الأخلاقية والإنسانية. وختم البيان: "عهدنا للشهيد "السيد" ولكل الشهداء الذين قضوا نحبهم وللذين ينتظرون وما بدلوا، أن نبقى الكتف على الكتف، والقلب مع القلب، والساعد مع الساعد، ولن يزيدنا القتل والعدوان إلا ثباتاً دفاعاً عن لبنان".
وقال رئيس الحكومة السّابق، سعد الحريري، في بيان عبر صفحته على "إكس": "اغتيال السيد حسن نصرالله أدخل لبنان والمنطقة في مرحلة عنف جديدة. إنه عمل جبان مدان جملة وتفصيلًا من قبلنا، نحن الذين دفعنا غاليًا من أحبتنا حين صار الاغتيال بديلًا للسياسة". وأردف "في هذه المرحلة البالغة الصعوبة تبقى وحدتنا وتضامننا الأساس. لبنان يبقى فوق الجميع. فوق الأحزاب والطوائف والمصالح مهما كانت. وتخفيف معاناة شعبنا وأهلنا من كل المناطق أولوية وطنية، لا حزبية ولا طائفية ولا فئوية. والحفاظ على لبنان وطنًا لكل أبنائه لا يتم إلا بوحدتنا جميعًا".
ومن جهتها، أعلنت رئاسة مجلس الوزراء أن الحكومة اللبنانية ستعقد جلسة استثنائيّة مساء اليوم السبت لبحث التطورات الراهنة.
المواقف الإسرائيليّة
وفي أول تعليق على "نجاح عملية الاغتيال"، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ هرتسي هاليفي إن "الهجوم تمّ التخطيط له منذ فترة طويلة ونفذ في الوقت المناسب"، مضيفًا "هذا ليس آخر ما في جعبتنا، الرسالة بسيطة، أي شخص يُهدّد مواطني إسرائيل سنعرف كيف نصل إليه".
بدوره، قال زعيم المعارضة يائير لبيد بشأن إعلان إسرائيل تصفية نصر الله إنه "إنجاز مهم لأمن إسرائيل، وليعلم أعداؤنا أن من يهاجمنا سيموت".
وقال الجيش الإسرائيليّ: "حسن نصر الله كان من أكبر أعداء إسرائيل، ونواصل استهداف مواقع وقادة حزب الله في لبنان وهذا قرار من وزير الدفاع وقررنا عدم السماح بالتجمعات تحسبًا لأي تصعيد. سنفعل كل ما هو مطلوب لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان. نحن في حالة تأهب للدفاع والهجوم وعلى الجمهور الالتزام بالتعليمات".
وقال وزير الأمن الإسرائيليّ، يوآف غالانت: "الجيش نفذ أمس واحدة من أهم عمليات الاغتيال في تاريخ إسرائيل. وعملية الاغتيال أنهت حسابًا طويل الأمد مع نصر الله. عملياتنا الأخيرة دوى صداها في عموم الشرق الأوسط وهي رسالة واضحة لمن يعملون ضدّنا".
في وقتٍ نقلت فيه صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين إسرائيليين أن عناصر حزب الله عثروا على جثة حسن نصرالله وتعرفوا عليها فجر السبت. وأضافوا أن عناصر الحزب عثروا على جثة القائد العسكريّ علي كركي بجانب جثة نصر الله".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها