تسعى الحكومة اللبنانية إلى تجنيب لبنان ويلات الحرب عبر الدعوة لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار الدائم في غزة، كمبتدأ لازم ينهي المواجهات العسكرية القائمة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ويمهّد لتفاوض غير مباشر حول تطبيق القرار الأممي 1701 الخاص بجنوب لبنان، بما يحقق أولاً "تظهير" الحدود النهائية مع فلسطين. ومن بعده، شق مسار تفاوضي آخر يتعلق بمزارع شبعا المحتلة.
من جهتها، تعلن إسرائيل أنها تريد تنفيذ القرار 1701، بقراءة فحواها: نزع سلاح حزب الله كمطلب أقصى، أو إخلاء جنوب الليطاني من السلاح الثقيل والقوة الضاربة للحزب، كحد أدنى. والأهم أنها ترفض بالمطلق ربط جبهتي غزة ولبنان.
بين القرار 1701 بقراءاته المتعددة و"وحدة الساحات"، لا مفر من بقاء الجنوب ولبنان بأسره ميداناً مفتوحاً. يمكنه أن يهدأ أو يتوتر أو يشتعل أو يتحول حرباً شاملة في أي لحظة.
على هذا الأساس، تبدو الديبلوماسية الدولية والإقليمية محشورة في خيارات ضيقة جداً، خصوصاً أن إسرائيل تعتبر نفسها اليوم في حرب وجودية "أرمجدونية" طويلة الأمد. وكذلك، يشعر محور المقاومة أن الهجوم الإسرائيلي هدفه لا يتوقف على غزة بل يطمح إلى تفكيك المحور بأكمله وإركاع إيران نفسها.
السلام بعيد جداً.
نحن أصلاً منذ عشرة أشهر في حرب، مركزها الدموي في غزة، وجبهاتها تمتد من بلدات الضفة الغربية إلى جنوب لبنان إلى ضواحي بيروت ودمشق وطرقات العراق وموانئ اليمن.. وأخيراً ضواحي طهران نفسها.
لبنان في حرب ربما من "الدرجة الثانية"، وقد ينتقل في أي يوم إلى "الدرجة الأولى" المهولة.
فإذا أتت تلك الآلة التدميرية، إذا ذهبنا قسراً إلى ما يسمى الحرب الشاملة، نحن مجبرون على وقف نقاشات وخلافات وسجالات كثيرة، سياسية ودستورية وعقائدية. مجبرون على تدبير وطني لمواجهة الحرب الإسرائيلية. لا ترف حينها لمخاصمة تقليدية مع حزب الله، كما على الأخير أن يكبت استعداده المألوف بمعاداة معارضيه. وأيضاً لا مجال لحياد أو نأي بالنفس.
إننا مضطرون وعن قناعة لتضامن وطني، ولواجب حماية البلد من الانهيار أو الشقاق أو الانقسام. واجب إفشال تحطيم الدولة بروح الدعم والتعاطف والتضحية والتطوع.
إن أتت الكارثة، علينا أن نكون جماعة وطنية بعصبية الانتماء لهذا البلد، بعاطفة المواطنية المشتركة. كل السجالات التقليدية (والمحقة) حول نظامنا السياسي المتهالك، والمعارضات المشروعة لسلوك حزب الله وحلفائه، تصبح مؤجلة أمام استحقاق الحرب. الوهم أن للحرب جغرافية محددة في مناطق معينة دون أخرى، هو أسوأ تقدير، بل أسوأ سلوك سياسي تطمع إسرائيل أن ينتهجه بعض اللبنانيين. فهي لم تشن حرباً على "حماس" بل على الشعب الفلسطيني بأكمله بنهج إبادي. وتجربة حرب 2006 نفسها، علمتنا أن إسرائيل أرادت تدمير الاقتصاد اللبناني والبنية التحتية كلها، عدا عن الأذى المتعمد للمدنيين بلا أي تمييز، ولم توفر منطقة من لبنان.
الحرب لطالما كانت امتحاناً مريراً للشعوب في صلابتها ومناعتها ولحمتها. فإن أتت بكل ما تحمله من ألم ودموع ودم وبشاعات، هي أيضاً لحظة نُظهِر فيها أفضل ما فينا، من غيرية ووطنية وإنسانية وإرادة جامعة، للنجاة والمواساة والدعم والحماية.
إذا كان لا مفر من حرب تُفرض على لبنان، فالفعل السياسي الأول هو أن نكون "لبنانيين". وهذا للأسف، كان نادر الحدوث في تجارب تاريخية سابقة، أصعبها وأشدها مع الغزو عام 1982، وما نتج عنه.
صحيح ما قاله "شيخنا" أحمد بيضون: "يَقومُ الدَليلُ بَعْدَ الدليلِ عَلى أنّ زِمامَ البلادِ ليسَ في أيدي أَهْلِها، ولا يَقومُ دليلٌ على أنّ في صفوفِ هؤلاءِ قُوىً وازنةٌ تَجِدُّ فِعْلاً في السعيِ للقَبْضِ على هذا الزِمام". والصحيح أيضاً، أننا سنبقى ننشد بلاداً يتفق أهلها معاً على الإمساك بمصيرهم المشترك، وبرغبة التشارك أصلاً.
بحرب أو من دونها، حان وقت أن نصير لبنانيين.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها