وإذا كانت شخصية كل بطريرك تطبع حبريته وتنعكس على أسلوبه في التعبير عن الموقف والرأي، فتتفاوت نظرة اللبنانيين إليه، إلاّ أنه منذ البطريرك الأول يوحنا مارون في القرن السابع وإلى اليوم، يمكن قراءة الخط البياني الواضح لمواقف بكركي عند المفاصل الكبرى.
تعمّد تغييب الرئيس
لا يبدو خارج السياق ما قاله بوضوح البطريرك بشارة الراعي في عظة الأحد، في انتقاد متكرر لعدم انتخاب رئيس، وتشكيكه بميثاقية مجلس النواب والحكومة، والأقسى سؤاله المشكك بـ"من يفاوض لوقف إطلاق النار، وباسم من، ولصالح من؟". ويضيف "هي أولى صلاحيّات رئيس الجمهوريّة المغيّب قصدًا".
وما ينقله زوار البطريرك عنه كلام شديد الوضوح في هذا السياق. وهو يزداد اقتناعاً أن "كل التطورات تؤكد تعمّد عدم انتخاب رئيس لحسابات وأجندات لا تمت للمصلحة اللبنانية بصلة. ولا يمكن أن أقتنع أن مسؤولاً حريصاً على البلد ووحدته ويضع مصالحه في أولوية الأولويات، يمكنه أن يقبل بعرقلة ومنع انتخاب رئيس يعكس فعلاً الشراكة في المسؤولية الوطنية، خصوصاً متى كنا نعيش في مثل هذه الظروف القاسية".
"نزع سلاح الحزب"
زوار الراعي ينقلون عنه غضباً لم يعد يخفيه وتخوفاً من أيام أسوأ. لكنه لا يتردد في قول مواقف جذرية كمثل ما ينقله عنه أحد المطارنة من أن "المطلوب بعد الحرب نزع كل سلاح في لبنان. لا يمكن أن يبقى اللبنانيون، المسلمون والمسيحيون، تحت هاجس الخوف من حروب مكررة وقتل وتشريد وتدمير لبنان".
ولمزيد من "الدقة" تسأل "المدن" الأسقف: هل يطالب البطريرك الراعي بنزع سلاح حزب الله؟. فيجيب "نعم. يجب على حزب الله -بعد انتهاء الحرب الواجب توقفها الآن- أن يسلم سلاحه للدولة، وأن ينخرط في العمل السياسي ككل الأحزاب اللبنانية. كما يجب نزع كل سلاح غير شرعي وعدم الإبقاء على أي مكان خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الأمنية".
وهو، يضيف الأسقف، "يصر على الحياد، اليوم أكثر من أي يوم مضى. فلقد علمتنا التجارب المتكررة أن انحياز البلد إلى أي جهة خارجية لا ينعكس عليه إلاّ دماراً وتفككاً. وهو ما لا طاقة للبنان عليه بعد الآن".
الفصل بين الطوائف والأحزاب
يتقاطع كلام الأسقف مع ما ينقله زوار البطريرك عنه من امتعاضه مما "يحاول بعضهم الترويج له حول استهداف طائفة أو حتى فريق سياسي". يؤكد هؤلاء أن "البطريرك يكرر أمام كل من يحاوره وجوب الفصل بين أي حزب وأي طائفة. وهو ما ينسحب حكماً على الطائفة الشيعية في لبنان، والتي لا يختصرها حزب مهما كان قوياً أو مؤثراً في بيئته".
يؤكد البطريرك، بحسب زواره، أنه لم يغيّر مواقفه مطلقاً لا لجهة الموقف من السلاح الواجب أن يكون بإمرة الدولة، ولا بموضوع الحياد، ولا بإدخال لبنان في أتون الحروب من دون قرار وطني جامع. كما أن كلامه عن أولوية انتخاب رئيس للجمهورية وفقدان المجلس النيابي لهيئته التشريعية والانقسام داخل مجلس الوزراء ليس جديداً. فهو حذّر من كل ذلك قبل حصوله، وكرر مواقفه ويواصل تكرارها في إطار الحرص على البلد دولة وشعباً ومؤسسات". يضيف: "بالتالي، من يتابع مواقف البطريرك يعرف أن لا جديد فيها، وهي انحياز كامل للبنان ومصالحه وإرادة أبنائه بالعيش بسلام وأخوة".
يرفض أحد الأساقفة اعتبار مواقف الراعي تصعيدية، مكرراً ما ينقله زوار البطريرك عنه من "أسبقية في التحذير والدفع في اتجاه تكريس نفوذ الدولة وسلطتها من دون شريك". وحين يُسأل عن التوقيت، يقول مبتسماً "أجاب صاحب الغبطة عن السؤال في عظة الاحد. ألم يقل إن "الله يواكب تاريخ البشر، ويكشف أسراره الخلاصيّة في الوقت المناسب، ومع الأشخاص الذين اختارهم لهذه الغاية. فلكلّ إنسان دور ما في تاريخ الخلاص، وفقًا لحالته وموقعه ومسؤوليّاته". ويختم: "وما يقوله البطريرك اليوم ترجمة لما يرى فيه خلاصاً للبنان".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها