وبالتالي فإنّ تطبيق الـ1701 بكامل مندرجاته أو الـ1701 + ، كمّا أسماه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، دونه عقبات كثيرة حتّى الآن. وعندما يسأل المعنيّون من ثنائي أمل-حزب الله عن الشقّ المتعلّق بالسلاح والمسلّحين، يأتي الجواب بشكل سؤال: "متى رأيتم مظاهر مسلّحة ومسلّحين في منطقة الـ1701 أو من جنوب الليطاني إلى شماله بعد حرب تموز حتّى عشية فتح جبهة الإسناد في الثامن من تشرين الأول 2023؟".
في المقلب الآخر، عند رصد المواقف الإسرائيلية أو ما كان يحمله الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان في كلّ زيارة في إطار مساعيه لوقف إطلاق النار، كنّا نسمع تصريحات أو نقرأ تسريبات عن أن الـ 1701 ما قبل جبهة الإسناد ليس الـ1701 ما بعد الحرب. على الرّغم من فوز دونالد ترامب في السباق إلى البيت الابيض، وبانتظار تشكيل فريق عمله في الربيع المقبل، لم يغيّر جنبلاط قراءته، لاسيما وأنّ الغموض الذي يلفّ المرحلة هو غموض غير بنّاء، لا يمكن البناء على مؤشرات للحلّ المرتقب وبأيّ أثمان، وإن كانت هناك معلومات إسرائيلية غير رسمية تتحدث عن احتمال بلورة هدنة محدودة على الجبهة الشمالية.
لذا عندما يسأل جنبلاط ما إذا كان الـ1701 انتهى، يقول المقرّبون منه إنّ قراءته للأمور واضحة:
"إنّ موضوع تطبيق القرار 1701 ليس حكراً على لبنان بل على إسرائيل الالتزام به أيضاً، والجواب الرسمي اللبناني الذي أبلغه الرئيس نبيه بري إلى آموس هوكستين وكذلك الرئيس نجيب ميقاتي لكلّ المسؤولين الذين التقاهم سواء في باريس في خلال مؤتمر دعم النازحين اللبنانيين والجيش اللبناني الذي نظمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كما للرئيس الفرنسي نفسه، أو لرئيس الحكومة البريطانية ورئيس حكومة أيرلندا، هو أنّ لبنان جاهز لتطبيق القرار الدولي بالكامل لكن من دون زيادة أو نقصان".
أمّا الحديث عن أنّ الولايات المتحدة بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب لا ترغب في هذا القرار، يقول المقربون من الزعيم الدرزي أنّ جنبلاط لم يبدِ أيّ استغراب، "فمن المعروف أنّ واشنطن تتبنّى سياسة تدعم إسرائيل بشكل كامل أكان في البيت الأبيض رئيس ديموقراطي أو رئيس جمهوري، وإذا كان رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريده أيضاً ويسعى إلى إصدار نسخة جديدة سميت 1701 +، إلّا أنّ أيّاً من واشنطن أو تل أبيب لم تعلنا صراحة رفضهما للقرار".
لا يتوجس وليد جنبلاط من الأسوأ المقبل على لبنان على المستوى العسكري فحسب، إنّما يخشى من أيّ تداعيات داخلية للخطاب السياسي المتشنّج على وقع مطالبة بعض القوى السياسية بأن يتضمّن تنفيذ القرار 1701 تنفيذاً أيضاً للقرار 1559، المعني بسحب سلاح حزب الله. هنا الموقف حاسم: "فنحن لسنا بوارد القبول بذلك خاصة اليوم في ظلّ انخراط حزب الله في المواجهة مع إسرائيل، مع تشديدنا على أنّ هذه المسألة لا يمكن مناقشتها إلّا من خلال طاولة حوار تطرح استراتيجية دفاعية بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة."
بالعودة إلى موقف جنبلاط من اتفاق الهدنة، فهو يبقى بنظره أفضل الحلول في ظلّ كلّ هذه التعقيدات. فاتفاق الهدنة وقّع بين دولتي لبنان وإٍسرائيل في العام 1949، وهو ينصّ على نشر القوات العسكرية اللبنانية والإسرائيلية على جانبي الحدود بشكل متواز، كما يضمن الاعتراف بالحدود الدولية للبنان مع تحديد منطقة عازلة من جانبي الحدود.
عودة الاستقرار
العودة الى اتفاقية الهدنة تعني أنّ مطالبة إسرائيل بأن يتراجع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني تتحقق ضمن بنود هذا الاتفاق، يقابلها تراجع الجيش الاسرائيلي جنوباً إلى مسافة موازية. "الأمر الذي يضمن إلى حدّ ما عدم الدخول في احتكاكات مباشرة بين إسرائيل وحزب الله".
لكن هذا لا يعني "أنّ هذا الاتفاق هو اتفاق سلام دائم بين البلدين، إنّما يشكّل مقدّمة مقبولة لإعادة الاستقرار إلى جانبي الحدود ووقف إطلاق النار، وربما يؤسّس لمرحلة استقرار طويلة،" يؤكّد المقربون من جنبلاط.
فهل يمكن أن يشكل اتفاق الهدنة بديلاً عن الـ1701 + الذي تريده إسرائيل بشروطها التي لا يمكن أن يقبلها لبنان، كما يشكّل بديلاً عن الـ1701 الذي يريده حزب الله ومعه الرئيس نبيه بري "نسخة مطابقة" للـ1701 في صيغة العام 2006؟ أم أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان كسابقاتها من الحروب، لن تنتهي إلّا بصدور قرار أممي جديد. وأيّ قرار هذه المرة سينجح في أن يفرض على طرفي النزاع ما كان قد نظمه اتفاق الهدنة في العام 1949؟ وطالما أنّ الهدنة التي مضى عليها عشرات السنين أعقبها مواجهات وحروب وضحايا ودمار كيف يمكن أن يتم بث الروح فيها اليوم وإلى متى يمكن أن تستمر في غياب حل عادل للقضية الفلسطينية؟ وعلى الجانب اللبناني هل يتصور عاقل أن تعود إسرائيل إلى الحدود التي كانت عليها قبل اتفاق الهدنة بما يعني إعادة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وربما حتى القرى السبع إلى السيادة اللبنانية؟ وهل تتخلى عن أطماعها المعلنة في مياه الليطاني عنوان حروبها على لبنان؟ هذا ما تعنيه الهدنة، فهل يمكن تحقيقها؟ تلك هي المسألة التي ربما يتوجس جنبلاط من شياطينها أيضاً.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها