لم يتأخر الإسرائيليون لتبديد كل الأجواء الإيجابية التي أشيعت حول اقتراب الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار. كل التسريبات الإسرائيلية حول تمسّك تل أبيب بحرية الحركة العسكرية، وبرفض مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة، والكلام عن فجوات تحتاج إلى المزيد من المساعي، كلها مؤشرات إلى السعي الإسرائيلي لكسب المزيد من الوقت في سبيل تغيير الوقائع الميدانية والعسكرية. وما أصبح واضحاً هو مسار التصعيد التدريجي الذي يعتمده الإسرائيليون، من خلال فرض شروط يرفضها لبنان، فيتم على إثرها توسيع نطاق العملية العسكرية وتكثيف الغارات، لدفع اللبنانيين إلى الرضوخ والقبول بتلك الشروط.
مراحل التدمير السبع
حسبما يتعمّد الإسرائيليون التسريب عبر قنوات غير مباشرة، فإنهم يضعون برنامجاً عسكرياً من 7 مراحل لسياق الحرب على لبنان. الآن هم في المرحلة الثالثة أو الرابعة، طالما أن المرحلة الأولى كانت المواجهة على الخط الأمامي وضرب القيادات العسكرية، مع تفجير أجهزة البايجر. أما المرحلة الثانية فهي بدء التوغل البري بمرحلته الأولى. الثالثة والرابعة، هي لتوسيع نطاق العملية البرية باتجاه خط الدفاع الثاني، وتكثيف العمليات ضد الضاحية الجنوبية لبيروت واستهداف مؤسسات صحية أو مالية تابعة للحزب. أما المرحلة الخامسة والسادسة فقد تكونان لاستهداف المزيد من الوحدات أو المؤسسات التابعة لحزب الله في مجالات مدنية واجتماعية، بالإضافة إلى توسيع نطاق العملية البرية والتكثيف الناري التدميري لأوسع ما يمكن. أما المرحلة السابعة فهي ستكون متروكة إلى استهداف بنى تحتية أساسية وحيوية في لبنان، وليست فقط تابعة ومحسوبة على الحزب. وهذا ما يتطابق مع الكثير من التصريحات التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون موالون ومعارضون، وآخرهم بني غانتس.
إلى جانب سلوك تل أبيب لهذا المسار العسكري الذي أصبح واضحاً، فإن المسار التفاوضي الذي تسلكه تل أبيب مع الولايات المتحدة الأميركية يشبه إلى حدّ بعيد كل الآليات التفاوضية والمصطلحات التي اعتمدت حول اتفاق وقف إطلاق النار الموعود والمفترض في غزة. على مدى كل الجولات التفاوضية، كان يتم استخدام المصطلحات نفسها التي تشير إلى أن الاتفاق أصبح قريباً، وتم تحقيق تقدم، وهناك بعض النقاط التي لا تزال بحاجة إلى توضيح أو علاج، وأن الاتفاق في متناول اليد.. علماً أن كل هذه المصطلحات لم تنتج اتفاقاً ولا وقفاً للنار، بل كان الإسرائيليون بعدها يلجؤون إلى التصعيد العسكري والتكثيف الناري. وهو ما يتكرر في لبنان.
فرض أمر واقع
يمكن اعتبار أن المقترح الأميركي المقدّم لوقف إطلاق النار من شأنه أن يفتح مساراً جدياً لأي اتفاق، لكن الأساس أن وقته لم يحن بعد بالنسبة إلى الإسرائيليين. إذ بحسب ما تقول مصادر ديبلوماسية، إن تل أبيب تريد كسب المزيد من الوقت لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية، ولفرض أمر واقع عسكري، وأن الحدّ الأدنى الذي تطالب به إسرائيل هو أربعة أسابيع، لتغيير بعض الوقائع ودفع لبنان إلى القبول بشروطها، على قاعدة أن ما هو مرفوض حالياً يجب أن يُقبل بقوة الدفع العسكري، فيما يراهن حزب الله على كسر هذه المعادلة التي يريد الإسرائيليون فرضها.
وفي سياق وضع المزيد من العراقيل في طريق الوصول إلى اتفاق، كسباً للوقت، سرّب الإسرائيليون أنهم يرفضون أي مشاركة لفرنسا في عمل اللجنة المراقبة لآلية تطبيق القرار 1701. هذا الرفض له أكثر من هدف إسرائيلي. أولاً، الردّ على رفض لبنان أي دور لبريطانيا وألمانيا. ثانياً، ما يسعى الإسرائيليون إلى تسويقه حول عدم ثقتهم بقوات اليونيفيل التي لم تتعامل كما يريدون مع حزب الله ما بين العامين 2006 و2023، وأن تغاضي قوات الطوارئ الدولية سمح للحزب في تعزيز قدراته العسكرية إلى حدود بعيدة. لذا، تطالب تل أبيب بتغيير آلية عمل قوات اليونيفيل، وتصرّ على أن يترأس لجنة المراقبة جنرال أميركي، وأن تتمتع اللجنة بصلاحيات واسعة لاتخاذ قرارات منع الحزب من إعادة بناء قدراته العسكرية.
الإصرار الإسرائيلي على دخول جنرال أميركي إلى جنوب لبنان له أهداف بعيدة المدى. خصوصاً أن هذا الجنرال لن يكون وحيداً في الجنوب، بل سيرافقه عدد كبير من الجنود، وسط مطالب إسرائيلية بأن يكون الأميركيون هم المشرفون بقواتهم العسكرية على حسن تطبيق القرار والاتفاقات الملحقة به، ما يعني الحاجة إلى وجود حوالى 200 جندي أميركي أو أكثر.
يسعى الإسرائيليون من وراء ذلك إلى تغيير كل الوقائع في جنوب لبنان، من خلال إدخال الأميركيين الذين غادروا لبنان عسكرياً في العام 1983 بعد تفجيرات المارينز والسفارة الأميركية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها