وصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والمشرف على الساحة اللبنانية في الحركة، عزام الأحمد، إلى بيروت في اليوم 45 على بدء معارك مخيم عين الحلوة بين حركة "فتح" و"الشباب المسلم". وهي الثانية منذ اندلاع الاشتباكات في المخيم، وتزامنت مع زيارة نائب رئيس حركة حماس في الخارج إلى لبنان، موسى أبو مرزوق، التي ستستغرق عدة أيام. وجمع لقاء عُقد في السفارة الفلسطينية في بيروت المسؤولَين الفلسطينيين، بحث في آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، وعن مخرج للأزمة الحالية التي يتخوف أكثر الفلسطينيين من أن تتمدد إلى مخيمات أخرى وتهدد وجودهم في لبنان.
بين زيارتين
تختلف الأجواء نسبياً خلال زيارة الأحمد الثانية إلى بيروت عن زيارته الأولى. ففي تلك الزيارة كان الأمل كبيراً لدى حركة "فتح" بحسم عسكري ينهي به ظاهرة "الشباب المسلم"، مستندة إلى جملة معطيات، أهمها دعم قوي من داخل الأجهزة الأمنية اللبنانية، وتسهيلات بوصول عناصرها من كل المخيمات إلى مناطق الاشتباكات، واقتناع الرأي العام اللبناني، إلى حدّ كبير، برواية حركة "فتح" بأنها تواجه تكفيريين في مخيم عين الحلوة، وإن فشلها يعني تمددهم خارج المخيم.
كما أن الزيارة الأولى جاءت بعد أسبوع تقريباً من اغتيال الرجل الأبرز في حركة "فتح" بلبنان، أي العرموشي، الذي كاد يصل وهج رمزيته لمدى لم يبلغه قائد فتحاوي في لبنان منذ رحيل علي أبو طوق عام 1987. وبالتالي، فإن رغبة الثأر الساخنة كانت تفرض حماسة لدى المقاتلين. لهذه الأسباب لم يجد الأحمد صعوبة كبيرة في إقناع الأجهزة الأمنية بتسهيلات لحركته، لكنه فشل في انتزاع قرار بمشاركة الجيش اللبناني في المعركة.
في الزيارة الثانية، الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً. فإن كانت رواية مواجهة التكفيريين لا تزال تلقى رواجاً وقبولاً لدى قطاعات شعبية فلسطينية ولبنانية، وداخل الأجهزة والإدارات اللبنانية، لكن بدا أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تحديداً تقلل من حجم المجموعات الإسلامية التي تواجه حركة "فتح" وقدراتها. بل ترى أنها تفتقد إلى حد كبير المرجعية الفكرية ومركزية القرار، وإن وحّدتها في هذه المعركة خشيتها من "فتح"، والخوف من الاستفراد بالمجموعات المتنوعة داخل "الشباب المسلم".
إضافة إلى أن فترات السماح المتكررة التي أعطتها الأجهزة الأمنية لحركة "فتح" لم تؤدّ إلى حسم المعركة، بل ارتدت خسائر بشرية ومعنوية في صفوف الحركة، باعتبار أنها تهاجم داخل طرقات وزواريب ضيقة. وبالتالي، فإن التكاليف بالعادة تكون عالية في صفوف المهاجمين في مثل هذه الظروف، إن لم يجرِ اتباع التدمير الكامل، وهو غير متوافر لا قراراً ولا قدرة.
دور الجيش اللبناني
أما الجيش اللبناني فهو يرفض التدخل، حتى اليوم، لعدة أسباب، منها أن هذه المجموعات الإسلامية المقاتلة لا تشكّل تهديداً مباشراً وقوياً للجيش كما كانت عليه جماعة "فتح الإسلام" ذات الامتدادات البعيدة، والتسليح الكبير، ولا تملك جماعات "الشباب المسلم" القدرة على التوسع خارج حدود مخيم عين الحلوة، بعناصرها التي يتراوح عددها وفق التقديرات، ما بين 100-120 عنصراً. كذلك إن تدخل الجيش اللبناني لا يحظى بتوافق القوى الرئيسية في لبنان، التي تتناقض مصالحها وتتوزع خياراتها بين التدخل والحياد.
وشهد اليومان الماضيان ضغوطاً مضاعفة من الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لوقف المعارك الدائرة. وبعض هذه الضغوط بتأثير من غضب الشارع الصيداوي، والجنوبي عموماً، الذي عبّر عن نفسه من خلال تصريحات بعض القوى المؤثرة. وكذلك فإن هناك اتصالات مكثفة من وكالة الأونروا لإخلاء مدارسها الثماني المشغولة بالمسلحين من الطرفين المتحاربين، والتي يتلقى 6000 طالب تعليمهم فيها.
تزامن هذا التوجه مع لقاء المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء إلياس البيسري بالفصائل الفلسطينية، وممارسة ضغوط لتنفيذ وقف إطلاق النار، بل ذهب اللقاء إلى حدّ تشكيل لجنة ثلاثية من حركة "حماس"، و"عصبة الأنصار"، و"الحركة الإسلامية المجاهدة"، للوساطة لدى "الشباب المسلم"، والبحث عن كيفية تسليم المشتبه بهم باغتيال أبو أشرف العرموشي، والحديث يدور حول تسليم سبعة أشخاص، بعد إصابة المتهم الثامن ونقله إلى مستشفى الراعي. وهو ما يرفضه "الشباب المسلم".
مصير "الشباب المسلم"
وتتزاحم الطروحات لنزع فتيل الأزمة، منها تسليم بعض المطلوبين، على أن يغادر الباقون المخيم، من دون تحديد الوجهة بعد. لكن بعض قادة "الشباب المسلم" يبدون خشية من عمليات اغتيال تطالهم بعد ذلك، بتأثير الخسائر البشرية في صفوف حركة "فتح". وهنا تُستعاد تجربة إعلان حلّ جند الشام نفسها عام 2007، والتحاق حوالى 30 عنصراً منها بفصائل أخرى طلباً للحماية. الأمر الذي أدّى إلى توقف الاشتباكات في المخيم لفترة طويلة، قبل أن تلعب الأحداث دوراً في إعادة جمع عناصر إسلامية عديدة، لا تملك انسجاماً فكرياً، ولا هيكلية تنظيمية واحدة، فتشكل ما يُسمى "الشباب المسلم"، الذي غالباً ما يوحّده الرصاص، ويفرّقه السلم.
ميدانياً، وحتى كتابة هذا التقرير، ورغم استمرار إطلاق بعض الرشقات النارية بين الفينة والأخرى، إلا أنه في اليوم التالي لقرار وقف إطلاق النار، لفت مغادرة العشرات من عناصر "فتح" مخيم عين الحلوة باتجاه المخيمات التي قدموا منها. مما يُعدّ إشارة إلى احتمالية الالتزام بوقف إطلاق النار هذه المرة. ويبقى التخوف من تحول المواقع العسكرية المتقابلة إلى خطوط تماس دائمة، تعطّل حركة الحياة، وتخلق حالة عدم استقرار، حتى لو توقف صوت الرصاص.
ويلفت مصدر فصائلي لـ"المدن" إلى أنه من الخطأ التعامل مع "الشباب المسلم" كحالة متماسكة، بل كعناصر، كل منها حالة خاصة يجب التعامل معها. وهذا النهج هو ما أدّى إلى إحداث اختراق عام 2007. ويحذّر من أنه من دون إيجاد حل جذري لتلك المشكلة، وتفعيل القوة الأمنية، ورسم مسار واضح، فإن المخيم لن ينعم بالأمن طويلاً. فهل تنجح زيارة الأحمد وأبو مرزوق في رسم هذا المسار؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها