الأحد 2023/08/27

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

بيان: "يا ليت النائب جراده يدقّق قبل أن يشرّع"

الأحد 2023/08/27
بيان: "يا ليت النائب جراده يدقّق قبل أن يشرّع"
دعا النائب جرادة في إلى ترحيل المعارضين من اللاجئين السوريين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

أصدرت "المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية، بياناً فندت فيه اقتراح قانون مقدم لمجلس النواب اللبناني، من قبل النائب الياس جرادة، بخصوص اللاجئيين السوريين في لبنان. واعتبرت "المبادرة اللبنانية.." هذا الاقتراح ينطوي على مغالطات قانونية غير مقبولة. وهنا نص البيان:

في وقت سابق من الشهر الحالي، تداولت وسائل الإعلام المحلية والعربية اقتراح قانون أعدّه النائب الياس جرادة بالإضافة إلى عدد من النواب اللبنانيين يدعو فيه إلى ترحيل فئة كبرى من اللاجئين السوريين في لبنان "فوراً"، ويصفهم بأنهم اعتمدوا اللجوء "باب رزق"، ويتهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بأنها "أصبحت تتصرف كدولة داخل دولة". وأثار الاقتراح استنكاراً واسعاً في لبنان وخارجه، حتى اضطرّ جرادة إلى تصحيح موقفه متملّقاً الشعب السوري، فوصفه بأنه "شعب عظيم أضاف كثيراً للحضارة الإنسانية" واعتبر أن "المتاجرة بآلام هذا الشعب وتقزيمه وتصويره كمجرد مجموعات بشرية تعيش في مخيمات تنتظر العون لتأمين قوت يومها لا يليق بتاريخ سوريا".

في ما يلي موقف ائتلاف "المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية" من اقتراح القانون الذي تضمّن مغالطات قانونية غير مقبولة من مشرّع يُفترض به الإلمام بقوانين بلده وصونها من الانتهاكات الجسيمة:

أولاً: اعتبر النائب جرادة ضمن "الأسباب الموجبة" لاقتراحه بأن موقف البرلمان الأوروبي من قضية اللاجئين السورين في لبنان الذي صدر في إطار القرار رقم /2742/ بتاريخ 11/7/2023 يشكل " تدخلاً سافراً في الشوون اللبنانية ومخالفة فاضحة لميثاق الامم المتحدة الذي يحدد مفهوم سيادة الدول الأعضاء"، فيما أن القرار المذكور تضمن 16 "مناشدة" للجهات الرسمية المعنية من أجل دعم لبنان في معالجة أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية، ولم تتناول سوى واحدة منها قضية اللاجئين السوريين عبر "حثّ لبنان على الامتناع عن الترحيل وعن فرض إجراءات تمييزية والحضّ على الكراهية ضد اللاجئين اللبنانيين" التزاماً بالمواثيق الأممية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي التزم به لبنان في مقدمة دستوره. مع العلم بأن القرار عينه دعا لجنة الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي إلى "العمل على تحسين الحالة الإنسانية في سوريا من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين"، وإلى استمرار المانحين في تقديم الدعم الإغاثي للاجئين في لبنان. ولعل ّ ما استفزّ جرادة ومن يوافقه المزاج في موقف البرلمان الأوروبي هو التشديد على أن "عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وآمنة وفقاً للمعايير الدولية"، واعتبار "ظروف العودة الطوعية والكريمة للاجئين إلى المناطق المتأثرة بالنزاع غير متحققة". مع العلم بأن هذا الرأي هو مكرّس في تقارير صادرة عن وكالات الأمم المتحدة، ولا نفهم كيف اعتبر جرادة موقف البرلمان الأوروبي يمسّ بسيادة لبنان. ولعلّه غير مطلع على مقدمة الدستور اللبناني وأبعاد الالتزامات الدولية للبنان بشرعة حقوق الإنسان.

ثانياً: استند النائب جرادة إلى مذكّرة تفاهم وقعها لبنان مع مفوضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين سنة 2003 ليخلص إلى أن المفوضيّة خالفت بنود المذكرة تلك "بحيث أصبحت تتصرّف كدولة ضمن الدولة" افتراضاً منه بأنها "لا تتعاون بشفافية مع السلطات اللبنانية وتمتنع عن تسليم الداتا المتعلقة بأعداد اللاجئين ونطاق إقامتهم مما يشكل مساً بهيبة الدولة اللبنانية". والواقع أن إقامات اللاجئين السوريين في لبنان تصدر عن المديرية العامة للأمن العام لا عن المفوضية، والبيانات المتعلقة بأعدادهم وأماكن سكنهم موجودة لدى الأمن العام بطبيعة كونه المرجع الصالح لقوننة إقاماتهم في لبنان، وخصوصاً لاعتماد اللاجئين المسجلين في المفوضية على أوراق الاعتراف بهم كلاجئين من أجل الحصول على إقاماتهم من الأمن العام بحسب اتفاقية 2003 منذ العام 2015. كل ذلك فيما لم يثبت حتى اليوم امتناع المفوضية عن مشاركة هذه البيانات مع الدولة اللبنانية.

ثالثاً: اعتبر النائب جراده أن اللاجئين السوريين "باتوا يعتمدون على إنجاب الأطفال لرفع قيمة المساعدات التي يقبضونها من المفوضية والدول المانحة"، وغفل جرادة عن أن المساعدات التي تقدمها المفوضية للاجئين شحيحة (25 دولار للاسرة الواحدة و20 دولار لكل فرد على إن لا يتجوز العدد 5 أفراد كحد أقصى. 66 % من اللاجئين السوريين المسجلين في المفوضية حصلوا على هذا الدعم) بحيث لا يمكن للأسرة السورية الاعتماد عليها وحدها لتأمين معيشتها، بحسب الأرقام الصادرة عن مراجع رسمية مختلفة بما فيها تقرير خطة الاستجابة الطارئة للازمة في لبنان لعام 2022 (LCRP). وشطح جرادة مثل من شطح من قبله في خطاب الكراهية ضد السوريين غير متنّبه إلى أن العيش في ظروف بائسة في المخيمات الإغاثية لا يمكن أن يشكل "باب رزق" لأي إنسان، وإنما هو مصير من لا خيار أفضل له.

رابعاً: اعتبر النائب جرادة أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان "ساهم في ارتفاع مستوى الجريمة إلى أكثر من ثلاثة أضعافها عن ما كانت عليه قبل وجود اللاجئين السوريين وفقاً للتقارير الأمنية التي صدرت، في حين تؤكد هذه التقارير امتلاك عدد كبير من اللاجئين لأسلحة حربية تشكل خطراً على السلم الأهلي". مع العلم بأن أياً من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان لم يشهد أعمالاً تشكل خطراً على السلم الأهلي، بل بالعكس، تعرضت هذه المخيمات مرات عدة منذ العام 2017 على الأقل لمداهمات أمنية تعسفية وقع ضحيتها العشرات من اللاجئين العزّل. ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع نسبة الجريمة في لبنان مردّه ليس فقط إلى ارتفاع نسبة السكان، بل إلى انهيار الوضع الاقتصادي في البلد، مع التذكير بأن نسبة كبرى من السجناء السوريين يحاكمون لانخراطهم في النزاع المسلح ضد نظام الأسد في سوريا لا لجرائم ارتكبوها في لبنان. ومع العلم بأن المديريّة العامّة لقـوى الأمن الدّاخلي أصدرت بتاريخ 12/7/2023، بياناً إحصائياً حول الجرائم الهامّة الواقعة في لبنان خلص إلى "تراجع ملحوظ للجرائم المرتكبة خلال النصف الأول من العام 2023 مقارنة مع الأشهر ذاتها من العام المنصرم". فعن أي تقارير أمنية يتحدث النائب جرادة؟

خامساً: تحدث النائب جرادة في اقتراحه عن أن وجود اللاجئين السوريين في لبنان "يكلف الخزينة اللبنانية مليارات الدولارات"، منضماً إلى جوقة السياسيين الذي يفضّلون تكرار الجمل المتداولة إعلامياً وعدم الإتيان بجهدٍ لإبراز البيّنة العلمية عليها. وذلك لأن التقارير الرسمية الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بتقديم المنح الإغاثية للاجئين تثبت استفادة لبنان، حكومةً وشعباً، من وجود اللاجئين السوريين فيه، سواء لجهة الدعم المباشر للبيئات الحاضنة وبناها التحتية، خلق فرص العمل، زيادة الاستهلاك في مختلف القطاعات، أو لجهة نهب هذه المنح من القيّمين عليها من اللبنانيين. 387,959 لبناني من الأسر الأكثر فقراً حصلوا على مساعدة مادية بالاضافة إلى عدد كبير من اللبنانين الذين يستفيدون من الخدمات المدعومة التي تقدمها مراكز الرعاية الصحية الأولية.

سادساً: دعا النائب جرادة في اقتراحه إلى ترحيل المعارضين من اللاجئين السوريين "إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا إلى حين إيجاد حلّ داخلي للحرب في شمال سوريا"، من دون أن يأبه إلى خطر الموت الذي يواجهه سكان تلك المناطق يومياً، واعتبر "الخطر الأمني منتفياً وفق ما برز في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة حيث غادر مئات الالاف من السوريين إلى سوريا بقصد الاقتراع او انتخبوا في سفارة بلادهم في لبنان"، مع العلم بأن الدولة اللبنانية وتحديداً المديرية العامة للأمن العام اللبناني هي المرجع الذي سمح لهؤلاء بالحصول على أذونات عودة إلى لبنان استناداً إلى إقامات قانونية حصلوا عليها بشكل نظامي. كما أنه لم يبذل جهداً باقتراح آلية فعالة لتحديد من يمكن تصنيفه على أنه معارض إذا سلمنا جدلاً بامكانية وجود هكذا آلية لتصنيف مواقف الناس وآرائهم ولا بطريقة وصولهم إلى تلك المناطق (عبر المعابر الحدودية مع سوريا أو عبر تركيا وهل تم التنسيق مع تركيا بذالك او مع قوى الأمر الواقع في الشمال السوري).

سابعاً: اعتبر النائب جرادة أن الدولة اللبنانية بوسعها "إلزام" المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بـ"توطين السوريين في بلد ثالث"، في حين أن ولاية هذه المفوضية تعتمد على تعهدات الدول الأطراف في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها الإضافي. وكان الأجدى به أن يطالب الدولة اللبنانية بمخاطبة هذه الدول لرفع أعداد اللاجئين الذين تتعهد بتوطينهم.

ثامناً: دعا اقتراح قانون جرادة إلى ترحيل الرعايا السوريين الوافدين خلسه إلى لبنان، وغاب عنه أن الدولة اللبنانية بدأت بتطبيق هذه السياسة استناداً إلى توصيات المجلس الأعلى للدفاع اللبناني الصادرة في 15/4/2019، والتي خالفت القوانين اللبنانية سواء لجهة انتهاك التزامات لبنان بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، أو لجهة مخالفة الحكم القضائي الصادر عن مجلس شورى الدولة برقم 421/2017-2018 الذي حصر المرجع الصالح لترحيل الأجانب بالقضاء اللبناني.

تاسعاً: نصّ اقتراح قانون جرادة على وجوب استحصال السوريين العاملين في لبنان على إقامات عمل، وغاب عنه أن وزارة العمل في عهد الوزير كميل أبو سليمان بدأت بتطبيق هذه السياسة منذ قرابة أربعة أعوام، عملاً بالقوانين المرتبطة السارية منذ عقود، والتي أهملتها الدولة اللبنانية سواء على مستوى وزارة العمل أو المديرية العامة للأمن العام.

عاشراً وأخيراً: استثنى اقتراح قانون النائب الياس جرادة البعثات الدبلوماسية السورية والسياح والطلاب والعمال من الترحيل، وهو استثناء يشبه النكتة، حيث أن هذه الفئات تتمتع بإقامات قانونية سنداً للقوانين المرتبطة، كما أننا لا نتخيّل سفير سوريا (أو سياحها، أو طلابها) يدخل خلسة إلى لبنان لممارسة مهامه الدبلوماسية فيها! ولعلّ جرادة لم يدقّق في اقتراح القانون الذي أعدّه قبل تقديمه. ولعلها مسودة أولية. ولعله لا يعلم. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها