الجمعة 2023/06/09

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

"الزحفطونية" العونية بين السيد والرئيس

الجمعة 2023/06/09
"الزحفطونية" العونية بين السيد والرئيس
من الطبيعي على العماد أن يعود للاستنجاد بالنظام السوري (سانا)
increase حجم الخط decrease
أثبت الرئيس العماد ميشال عون على مر الأيام، خلال تجربته الطويلة، بين القديم والجديد، أي قبل الرئاسة وبعدها، أنه بارع في فن التوسل والتملق وبذل المستحيل والذي قد لا يخطر على البال، من أجل الوصول إلى أغراضه وأهدافه الشخصية السياسية، وتحديداً للوصول إلى موقع السلطة والتسلط والنفوذ. والدليل أنه تمكن بعد اقتلاعه بالقوة العسكرية الغاشمة والقاهرة من قصر بعبدا ونفيه إلى فرنسا من النجاح في العودة إلى لبنان والفوز برئاسة الجمهورية وتحقيق حلمه التاريخي بعد 26 سنة من إزاحته.  

صحيح أنه في هذه المهمة وطوال ست سنوات، لم ينجح سوى بتبديل لون وموديل الأثاث في مكتبه في القصر الجمهوري من البني الغامق والبشع الذي كرسه وتمسك به قبله الجنرالين الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان، إلى إبداله وفرض وتكريس اللون الرمادي الرصين المتسق للأثاث.

في المحصلة، إضافة إلى تغيير "موديل" الأثاث والألوان في المكتب، نجح عون في تجاوز كل الحواجز التي وضعت في وجهه لمنعه من الوصول والتربع على كرسي الرئاسة الأولى، وتحقيق ما أراد، ولو على نتيجة اقتصادية ومالية ووطنية كارثية وصفرية وجهنمية أو تحت الصفر بأشواط.

كانت زيارة سوريا الأخيرة واجتماعه بالرئيس السوري المجددة ولايته العربية، بشار الأسد، قمة الاتقان في فن "الزحفطونية" الذي بات هو معلمها ورائدها الأول والأمهر في لبنان.

للإنصاف، فان "الزحفطونية" المشتقة من دمج الزحف والتملق، ليست حكراً على ميشال عون وحده في لبنان، بل إن الذي جرى أن العماد "بيّ الكل" أثبت في خطوته الأخيرة أنه مايسترو هذه الحرفة وسيدها من دون منازع، حتى أن بعض الساسة الذين كانوا يعتبرون أنفسهم سادة ومعلمين من الدرجة الأولى في مهنة القفز والتوسل والتملق، قد وجدوا أن الجنرال في زيارته الرئيس السوري في هذا التوقيت، وفي هذه الحشرة، قد تفوق عليهم كلهم، ولم يترك لهم مجالاً للتقدم أو التحرك او التميز.

من يتابع أحاديث وكتب الوزير السابق والسياسي اللبناني المخضرم محسن دلول، إضافة إلى روايات وكتب أصدقاء ومقربين ومستشارين للجنرال عون، يعثر على الكثير من الروايات والوقائع والتفاصيل، التي تروي وتوثق كيف كان عون الأول يتوسل روائح الخبريات والوعود في الاتصالات مع النظام السوري ورئيسه السابق المؤسس للجمهورية الوراثية الأولى في سوريا حافظ الأسد، من أجل أن يصل إلى رئاسة الجمهورية، مع وعوده -وفي كل الاتجاهات- بالتفاهم والتضامن والالتزام والتنفيذ من أجل أن يصل، وفي حال وصل إلى ما كان يريد.
وقد بات معروفاً ومعمماً أن فشل المساعي والاتصالات والوعود في ضمان إيصاله يومها إلى بعبدا، هي المسألة الأساس التي دفعته إلى إعلان ما يسمى بحرب التحرير في وجه الجيش السوري، وما أسفر عن ذلك من خسائر في الممتلكات والأرواح اللبنانية نتيجة هذه المعركة.

ليس خافياً أن العماد عون أُخرج من قصر بعبدا ولبنان بفعل قوة وبطش النظام السوري. لكن المفارقة أن هذا الرجل لم يعد إلى لبنان إلا بعد اتفاق كامل وبالتفاصيل مع النظام السوري، الذي سبق أن أخرجه من بعبدا ولبنان، بعد أن أهانه وأهان مناصريه وقتل أفراد نخبته من الجيش والأعوان.

مُهد لاتفاق العودة بمساع واتصالات واجتماعات قادها وعمل لها أعوان وجماعة سوريا ونظامها الأمني في لبنان، مع انعقاد اللقاء الأول في مسبح "المينا بيتش" في الجية بحضور رستم غزالة، وثلة لبنانية مختارة من خيرة جماعة النظام السوري. ولم يعد العماد عون إلى بلده ومقر إقامته في الرابية المشرفة على بيروت، إلا بعد اتفاق واضح على العمل في مواجهة نفوذ الرئيس رفيق الحريري والمعارضة الوطنية اللبنانية، التي كانت قيد التشكل في وجه النظام الأمني السوري اللبناني بين قرنة شهوان والبريستول.

بعد اغتيال الحريري وانفصال التيار العوني عن قوى 14 اذار، لم يتورع الجنرال من الاتفاق وشبك الأيدي مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله نتيجة الحاجة المتبادلة لمقايضة الخدمات السياسية، عبر تحالف وتفاهم مار مخايل. والهدف الأساس بالنسبة له كان الوصول إلى قصر بعبدا.

تنطبق على العماد المبدع في فن الزحف والتوسل والتملق نظرية متلازمة ستوكهولم (Stockholm syndrome). إذ نتيجة للعصا السورية الغليظة التي استخدمت معه في بعبدا، فإنه يحلق ويحلق بعيداً. لكن عند الأزمات يعود للاستنجاد بالنظام السوري لإنقاذه من نفسه ومشكلاته.

حين تعثّر توزير جبران باسيل واستنبط عون يومها مقولة "لعيون صهر الجنرال ما تتشكل حكومة"، تبين أنه كان يستند في موقفه المتصلب إلى دعم بشار الأسد له بوساطة لتوزير وريثه مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفقاً لرواية الراوي المنقلب إيلي الفرزلي.  

استناداً إلى هذه التراكمية في الخلفية النفسية والسياسية، كان من الطبيعي على العماد أن يعود للاستنجاد بالنظام السوري والرئيس الأسد، حين يختلف مع السيد حسن نصرالله. فلا ناصر له أو معين في هذه الحشرة إلا الرئيس الأسد معيده إلى لبنان، الوفي لجماعته والمتمسك والعارف بتاريخ عون، والمدرك لمسلكه ونقاط ضعفه والتزاماته.

من يتابع بيان الشتائم الذي أصدره المكتب الإعلامي للعماد رداً على صحيفتي "النهار" و"نداء الوطن" يدرك كم تأثر العماد مما أسماه كذب الصحيفتين. فهو حسب قوله لم يتراجع أنملة عن دفاعه عن السيادة وليس الحصص.. أو المطالب الشخصية.

لكن العماد الذي نذر نفسه للسيادة اللبنانية والدفاع عنها، حسب بيانه، لم يخبر اللبنانيين إذا كان أثار مع الرئيس السوري بعد طول انقطاع، آخر مآثر النظام السوري في لبنان، أي جريمة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، والتي قال القضاء في لبنان أن النظام الشقيق عبر مخابراته قد أعدها ودبرها.

ترى هل ذهب عون إلى سوريا لنقاش العلاقات اللبنانية السورية بكل أبعادها ومواضيعها، ومنها السيادية على وجه الخصوص، أم أن في الأمر تجديد اتفاقات والتزامات قديمة يفكر في تحديثها ومراجعتها، غب طلب من أجل هذه اللحظة الحساسة والمؤثرة والأيام المقبلة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها