الثلاثاء 2023/06/06

آخر تحديث: 11:10 (بيروت)

تهم الإرهاب تلاحق عشرات الشباب.. والمحكمة العسكرية تدين نفسها

الثلاثاء 2023/06/06
تهم الإرهاب تلاحق عشرات الشباب.. والمحكمة العسكرية تدين نفسها
لا يتجاوز عدد الموقوفين الإسلاميين في لبنان 600 موقوف (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
أخذت قضية الموقوفين الإسلاميين أشكالًا كثيرة من التضخيم والاستثمار السياسي والأمني في لبنان على مدار سنوات؛ فيما تنطوي على الكثير من الاستنسابية والخفة في مقاربة تهمة "الإرهاب"، برأي خبراء قانونيين.

تعذيب وبراءة
وكما بات معلومًا، فإن معظم الأجهزة الأمنية تنشر بين فترة وأخرى بيانات حول تعقبها لخلايا إرهابية إسلامية تنوي العبث في لبنان. هذه الملاحقات، وعلى أهميتها في ضبط الأمن، إضافة إلى ضرورتها في إحباط كل محاولات التسلسل الإرهابي إلى المجتمع، تخفي أحيانًا الكثير من المبالغات، وترتكز على تتبع عشرات الشبان على مواقع التواصل الاجتماعي.

فقبل أشهر مثلًا جرى اتهام نحو خمسة شباب من منطقة المنكوبين في طرابلس، بأنهم يؤسسون لخلية داعشية، وأن لديهم طائرات مسيرة، ويحضرّون لاستهداف مواقع حساسة في جبل محسن ومستشفيات وكنائس. وفيما أفادت عائلاتهم عن تعرضهم للتعذيب، وبينهم قاصر لا يتجاوز 16 عاماً، صدر لاحقاً حكم بالبراءة على أحدهم، والجنحة على آخر، بعد العثور على مسدس معه، وحكم ثلاثة بسنة سجنية مع وقف التنفيذ، بعدما تبين أن قضية تأسيس الخلية فارغة من مضمونها، حسب ما يقول المحامي محمد صبلوح لـ"المدن".

وهذه واحدة فقط من عشرات القضايا، التي يتعلق فيها مصير مئات الشبان الذين تلاحقهم تهمة الإرهاب، ثم تثبت براءة فئة واسعة منهم فيما بعد.

حاليًا، لا يتجاوز عدد الموقوفين الإسلاميين في لبنان 600 موقوف، حسب صبلوح. بينهم نحو 300 موقوف من الجنسية السورية، بعضهم حكم بالمؤبد والإعدامات، وآخرون ينتظرون محكوميتهم منذ سنوات، والبعض ينهي محاكماته. أما الظاهرة الأكثر رواجًا على المستوى الأمني، فهو الادعاء بتهمة الإرهاب بناء على معطيات غير حسية، ومحصورة بمنصات التواصل الاجتماعي.

مرافعة الحجار: العسكرية تدين نفسها؟
قبل أيام، وأثناء محاكمة شاب بتهمة الإرهاب من طرابلس في المحكمة العسكرية، على إثر تعقبه على مواقع التواصل الاجتماعي، قدم مفوض الحكومة المعاون في المحكمة العسكرية القاضي هاني حجار، مرافعة تجسد إدانة المحكمة العسكرية لنفسها، من خلال تسليطه الضوء على الأداء الأمني بملفات الإرهاب.

وهذه المرافعة التي حصلت عليها "المدن"، انطلق فيها من أربع مبادئ تحكم عمل النيابة العامة: وحدة النيابة العامة، تمثيل الحق العام، النيابة العامة لا يجوز لها أن تتراجع عن ادعائها، لممثل النيابة العامة حرية الكلام في جلسات المرافعة.

واعتبر فيها أن ما هو منسوب للمدعى عليه، هو تواصله من خلال بعض مواقع التواصل الاجتماعي أو التطبيقات مع أشخاص مشبوهين وتداوله عبرها فيديوهات لهذه التنظيمات، فيما الادعاء لم ينسب إليه أية أفعال مادية سوى ما حصل في العالم الافتراضي.

وقال القاضي حجار: "أدين بعبارات لا لبس فيها وغير مشروطة حتى مجرّد التعاطف ولو كلاميًا مع أي تنظيم ارهابي، فنحن في مواجهة مفتوحة مع هذه التنظيمات. ولكن هذه الإدانة لا تمنعني من ملاحظة أننا في بعض الأحيان نتعامل مع مجرد الكلام على أنه أفعال ارهابية، وفي أحيان أخرى نتعامل مع أفعال كأنها مجرد تعبير عن الرأي".

الاستنسابية الواضحة
واللافت أن القاضي حجار لمّح إلى الاستنسابية الأمنية بالقول: "قد يحصل إطلاق نار يتعرّض له مركز أمني.. فيكون الادعاء وحتى الادانة من قبل المحكمة مجرّد جنحة المادة 573 عقوبات، وهي إطلاق النار تهديدًا".

وأعطى مثالًا أنه سبق أن كان أمام المحكمة العسكرية نحو 20 مدعى عليه، ملاحقين باعتراض عناصر قوى الأمن وتكسير السيارات العسكرية. وقد ذكروا أن عددَ من اعتدى على القوى الأمنية كان حوالى 200 شخص. وكان الادعاء بحقّهم هو جنحة المعاملة في الشدة".

وقال القاضي حجار في مرافعته: "لا شكّ أن النيابة العامة أصابت في الادعاء في الملفين الاخيرين، لأن الأوصاف التي أعطيت للأفعال هي التي تنطبق قانونًا على أفعالهم".

ثم اظهر حجم الاستنسابية بالمقارنة: "لكن قد لا يستقيم التعامل مع رسالة أرسلت في عالم افتراضي على أنها جناية الارهاب، واعتبار التعرض للقوى الأمنية وإطلاق النار عليها في بعض الأحيان على أنها مجرد تهديد أو معاملة بالشدة".

ويربط القاضي حجار حججه باعتبار أن أي جرم من أجل اكتمال أركانه يفترض أن يكون قد حصل مباشرة بتنفيذ الأفعال المادية المكونة لركنه المادي، حتى لو بقيَ في طور المحاولة.

وبهذا الإطار، فإن المدعى عليه أحيل ليحاكم أمام هذه المحكمة بالمادتين 5 و6 من قانون الارهاب معطوفتين على المادة 201 عقوبات. غير أن المادة 5، تنص أنه من أقدم بقصد اقتراف أو تسهيل إحدى الجنايات المذكورة في المواد السابقة أو أي جناية أخرى ضد الدولة، على صنع أو اقتناء أو حيازة المواد المتفجرة.. يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة".

وتاليًا، فإن لجرم الإرهاب -برأيه- أركاناً مادية تتعلق باقتناء أو حيازة المواد الملتهبة او المتفجرة.

وعليه، طالب بإبطال التعقبات بحق المدعى عليه من جرم الإرهاب، كون عناصر هذا الجرم غير متوفرة بحقه.

استثمار مديد؟
عمليًا، وفيما تراجع الوهج السياسي لقصص الخلايا الإرهابية في لبنان، خصوصًا مع خفوت "نجم" داعش وأخواتها بالمنطقة.. يشكو مئات الشباب، لا سيما في طرابلس، من ملاحقتهم أمنيًا بتهمة الإرهاب، استنادًا إلى تعقب متابعاتهم على منصات التواصل الاجتماعي. والأزمة أن هذه التهمة، تبقى ملاصقة لهم كالوصمة، وتلاحقهم أينما ذهبوا، وتحولهم إلى مصيدة لبعض أذرع الأجهزة الأمنية، وتهدد مستقبلهم، حتى ولو ثبت براءتهم منها.

وللتذكير، فإن قضية الموقوفين الإسلاميين تنامت منذ اعتقال مقاتلي معركة مخيم نهر البارد في العام 2007، بين الجيش اللبناني و"فتح الإسلام"، ثمّ انضم إليهم مقاتلون من معارك جبل محسن وباب التبانة، ومن أحداث عبرا مع الشيخ الموقوف أحمد الأسير، ومعارك بحنين وعرسال وأحداث كفتون وغيرها.. لكنها لاحقًا أصبحت تشمل الكثير من الشبان الموقوفين في النظارات من دون الانخراط ميدانيًا بأي خلية أو تنظيم متطرف.

ولعل المشكلة الأبرز التي يشكو منها هؤلاء الموقوفون، كحال غيرهم، هو عدم التزام الأجهزة الأمنية بتطبيق المادة 42 من قانون أصول المحاكمات، التي توجب حضور المحامي أثناء التحقيقات الأولية، ناهيك عن استخدام العنف والقوة لانتزاع الاعترافات.

وبعدما سقط قانون العفو العام، يدخل أيضًا مشروع اقتراح قانون تخفيض السنة السجنية مرحلة التجميد المطلق، رغم الحاجة إليه في معالجة واقع السجون، في بلد أضحت العدالة فيه، بكل أشكالها، حلمًا مستحيلًا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها