السبت 2023/06/03

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

فرنسا تطالب برفع حصانة السفير.. والخارجية توفد لجنة تحقيق

السبت 2023/06/03
فرنسا تطالب برفع حصانة السفير.. والخارجية توفد لجنة تحقيق
يجوز ببعض الحالات أن تتنازل الدولة عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها سفيرها (Getty)
increase حجم الخط decrease

التحقيقات الفرنسية مستمرة في قضية السفير اللبناني رامي عدوان. وجديدها، أن القضاء الفرنسي عاجز عن ملاحقة عدوان قضائياً. لذلك، يطالب اليوم برفع الحصانة الدبلوماسية عنه، ليتمكن من متابعة قضية "اتهامه بالاغتصاب وبممارسات عنفية".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية لوكالة الصحافة الفرنسية: "إزاء خطورة الوقائع المذكورة، نَعتبر أنّ من الضّروري أن ترفع السّلطات اللّبنانيّة الحصانة عن سفير لبنان لدى باريس، من أجل تسهيل عمل القضاء الفرنسي".

إفادات ووقائع
فُتح هذا التحقيق، بعد أن تقدمت شابتان، آفا وغابرييل، ببلاغين أمام الشرطة الفرنسية تتهمانه باغتصابهما وبممارسة العنف عليهما (راجع "المدن"). ووفقاً لشهادة الشابتين، فعدوان متهم بممارسة العنف المتعمد، وبالمضايقات الأخلاقية وبالعنف الجنسي. كما أن المحضر التي تقدمت به الشابة آفا، وهي موظفة كانت تعمل في السفارة تحت إدارة السفير نفسه، أبرزت فيه التقرير الطبي الذي يفيد بوجود آثار الضرب على جسدها.

في المقابل، نفى عدوان الوقائع التي تقدمت بها الموظفة آفا، حين اتهمته باغتصابها، مؤكداً أن العلاقة كانت بالتراضي. أما الشابة غابرييل، فلم ينكر عدوان العلاقة الحميمية التي تجمعه بها، ولكنه نفى أيضاً كل التهم المنسوبة ضده.

وبدوره، قرر القضاء الفرنسي ملاحقة عدوان والاستماع له، فطلب من القضاء اللبناني مساعدته ورفع الحصانة الدبلوماسية عن عدوان للتمكن من الحصول على إفادته.

مسألة رفع الحصانة
وفي الواقع، مطلب القضاء الفرنسي أتى نتيجة عجزه عن ملاحقة عدوان أو توقيفه في حال قرر القضاء الفرنسي هذا الأمر. فعدوان يتمتع بحصانة محفوظة، قادرة على حمايته من الملاحقة القضائية في أي ملف، وتمنع الدولة المعتمد إليها السفير، أي الدولة الفرنسية هنا، من إلقاء القبض عليه أو اعتقاله من قبل العناصر الأمنية التابعة لقضاء هذه الدولة.

عملياً، قرار رفع الحصانة عن السفير لم يتخذ بعد من مجلس الوزراء أو من وزارة الخارجية، ولم يبلغ القضاء اللبناني بأي قرار قد يتخذ بشأن قضية عدوان، ولكن مصدراً قضائياً رفيعاً أكد لـ"المدن" اليوم السبت 3 حزيران، أن القضاء اللبناني متمسك بالمواد القانونية الموجودة في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961.

والمعلوم اليوم، أن ملف عدوان لم يُطالع بعد داخل النيابة العامة التمييزية. إذ حسب القانون، من المفترض أن يتواصل القضاءان عبر الاستنابات القضائية. وهذا يعني أن القضاء اللبناني لم يحدد موقفه بعد من هذه القضية، "خصوصاً أنها المرة الأولى التي تتهم فيها شخصية دبلوماسية تابعة للسفارة اللبنانية بقضية اغتصاب". والأكيد منه، أن القضاء سيلتزم باتفاقية فيينا وسيطبق القانون.

المواد القانونية
واستناداً لاتفاقية فيينا، فالمادة الأولى منها، وفي الفقرة "هـ" تحديداً، تؤكد أن المبعوث الدبلوماسي هو رئيس البعثة أو أحد موظفيها الدبلوماسيين، وفي هذه القضية عدوان هو رئيس البعثة لذلك تطبق عليه هذه المواد القانونية.

والمادة 29 تنص على أن "حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة، ولا يجوز إخضاعه لأي صورة من صور القبض أو الاعتقال، ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته".

والمادة 31 تؤكد أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية في ما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها.

ووضوح هذه المواد القانونية، يعني أن الدولة الفرنسية لن تتمكن من ملاحقة السفير أمام القضاء الجزائي التابع لها، حتى وإن كان الفعل الجرمي المشتبه به متعلق بفعل شخصي صادر عن السفير، ولا علاقة لوظيفته الدبلوماسية.

قوة الحصانة، تمكنت اليوم من حماية عدوان من الملاحقة الفرنسية، فهي تشمل أي جريمة يرتكبها المبعوث الدبلوماسي، سواء تعلقت بعمله أم بحياته الشخصية، حتى ولو ضبط فيها بحالة الجرم المشهود أم غير المشهود. إذ تفرض الحصانة مراعاة حرمة السفير ومنزله ومقر عمله، كما أنها تجيز له الامتناع عن تقديم أي إفادة أو شهادة أمام الدولة المعتمد لديها.

والمفارقة هنا، أن المادة 32 تجيز للدولة المعتمدة، أي الدولة اللبنانية في هذه القضية، أن تتنازل عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون.

بيان الخارجية اللبنانية
إزاء كل ذلك، ورداً على مطالب السلطات الفرنسية برفع الحصانة، وللحراجة السياسية وحساسية العلاقة مع الدولة الفرنسية، وتحاشياً ربما للمزيد من تشويه السمعة وتلطيخها التي لحقت بلبنان ودولته وحكوماته وسياسييه.. وموظفيه، اضطرت وزارة الخارجية اللبنانية إلى إصدار بيان اليوم السبت، جاء فيه:

"عطفاً على ما يتم تداوله في وسائل الإعلام اللبنانية والفرنسية حول ملاحقات قضائية في باريس، بحق سفير لبنان رامي عدوان، يهم وزارة الخارجية والمغتربين أن تعرب عن حرصها الأكيد على التعاطي المسؤول مع القضية المطروحة، بما يصون مكانة وسمعة الدولة وتمثيلها الدبلوماسي المعتمد في العالم ومن ضمنه لدى الجمهورية الفرنسية،

وعليه تقرر استعجال إيفاد لجنة تحقيق برئاسة الأمين العام للوزارة وعضوية مدير التفتيش إلى السفارة في باريس، للتحقيق مع السفير المعني والاستماع إلى إفادات موظفي السفارة من دبلوماسيين وإداريين، ومقابلة من يلزم من الجهات الرسمية الفرنسية، لاستيضاحها عمّا نقل عنها في وسائل الإعلام، ولم تتبلغه وزارة الخارجية اللبنانية عبر القنوات الدبلوماسية أصولاً، ليبنى عندها على الشيء مقتضاه القانوني المناسب، بما يصون المصلحة العامة".

مساران مختلفان
ما عرضناه أعلاه، يعني أن الدولة اللبنانية أمام مسارين فقط. الأول، أن يوافق مجلس الوزراء أو وزارة الخارجية على رفع الحصانة عن السفير لتتمكن الدولة الفرنسية من ملاحقته والتحقيق معه. علماً أن هكذا قرار قد يحدث جدلاً واسعاً في حال تدخلت مرجعية عدوان السياسية في قضيته لتمنع قرار رفع الحصانة عنه.

أما المسار الثاني، في حال قررت الدولة اللبنانية عدم رفع الحصانة عن عدوان، فيحق للنيابة العامة التمييزية اللبنانية التدخل من دون إذن. وبالتالي، يُطلب ملفه القضائي من فرنسا، ليتم ملاحقته داخل الأراضي اللبنانية، وبالتالي تُرسل الأدلة والوقائع وكامل الوثائق والشهادات الموجودة في الملف القضائي لعدوان، وتتعاون النيابة العامة التمييزية مع القضاء الفرنسي وذلك استناداً للاتفاقيات الموقعة بينهما، أي سيكون الأمر مشابهاً للتعاون الحاصل بين القضائين اللبناني والفرنسي في ملف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة.

حاولت "المدن" التواصل مع وزارة الخارجية للحصول على معلومات إضافية حول هذه القضية، ولكننا لم نحصل على أي تصريح بسبب تواجد وزير الخارجية وفريقه خارج الأراضي اللبنانية. ولكن "المدن" علمت أن وزارة الخارجية تمتنع عن تقديم أي معلومات حول مسار هذه القضية حفاظاً على سرية التحقيقات في فرنسا.

في النتيجة، موقف القضاء اللبناني من هذه القضية سيحدد خلال الأيام المقبلة، وخصوصاً بعد صدور تقرير لجنة التحقيق التي ألفتها وزارة الخارجية اللبنانية، والإجراء الإداري الذي سيتخذ على ضوئه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها