الجمعة 2023/06/02

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

الاختيار الممنوع

الجمعة 2023/06/02
الاختيار الممنوع
باستمرار كان هناك اختيار من القوة المسيطرة لاسم معين تعتبره مناسباً ومضموناً (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يعتقد كثر أن الحدة المغلفة بالارتباك والغموض، التي ظهرت خلال الأيام الماضية، عبر ردود فعل الثنائي المسيطر والحاكم، تجاه فكرة المرشح الرئاسي المنافس لسليمان فرنجية، إنما تعكس في جانب منها عدم ارتياح حزب الله من انعكاسات الاتفاق السعودي-الإيراني الذي عقد في بكين.

وهذا التفسير استدعى طرح أسئلة منطقية تعتبر أن ذلك قد يكون نتيجة وجود أطراف متضررة ومتباينة أو منزعجة في إيران من هذا الاتفاق؟ وإلا ما هو سبب هذا التوتر والتصعيد الكلامي، والرفض المتعجل لفكرة أن مرشحاً آخر سيواجه فرنجية؟

في كل الأحوال وفي النظر إلى هذه الحالة، فإن تاريخ التجارب الرئاسية اللبنانية ما بعد إقرار اتفاق الطائف، سجلت دائماً رفضاً من الوصاية التي كانت مسيطرة على لبنان ونظامه، تنافراً مع فكرة التنافس الرئاسي أساساً.

باستمرار كان هناك اختيار من القوة المسيطرة لاسم معين تعتبره مناسباً ومضموناً.

لم يظهر في كل التجارب التي عاشها لبنان أن الوصاية السورية، بالرغم من قوتها وسيطرتها وشموليتها في تلك الأحيان، أنها كانت متساهلة مع مبدأ المنافسة الديمقراطية في انتخابات الرئاسة الأولى. بل إن تجربة الوصاية السورية مالت على الدوام إلى اختيار وفرض من تراه مناسباً لرئاسة الجمهورية، بقوة الإكراه الديمقراطي، المسلح والمدعوم بالعنف والإرهاب.

وكما هو معروف، أن مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رينيه معوض توجت باختيار الرئيس الياس الهراوي، من دون أن يُترك اي مجال للمنافسة. إذ سقط سريعاً اسم النائب بيار حلو، بالرغم من ميول وعواطف الرئيس حسين الحسيني نحوه آنذاك. وتم اختيار الهراوي من دون كثير نقاش، وانتخابه فوراً، في ظل ضغط الخوف والترهيب من شبح الاغتيال والتصفيات.

يروي رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في كتابه "أجمل التاريخ كان غداً" أنه سأل النائب الهراوي عن ماذا سيفعل بميشال عون إذا ما انتخب رئيساً، فأجاب بسرعة: "سأنزل إلى البنكر وأمطره بالقذائف".

ويعتبر الفرزلي أن هذا الجواب الذي نقل إلى غازي كنعان، هو ما دفع إلى ترجيح اختيار الهراوي وتفضيله على غيره، بسبب وضوح موقفه وحسمه للآمر بسرعة في هذا الاتجاه من دون تردد.

وفي كتاب مذكراته "عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة"، يروي الرئيس الهراوي أن حافظ الأسد هو الذي فاتحه بقرار التمديد له، لمواجهة مرحلة مؤتمر مدريد.

كما أن الإحاطة الحميمة والمميزة من قبل القيادة السورية، التي خُص بها العماد إميل لحود معروفة ومشهورة، في قيادة الجيش ومن ثم في رئاسة الجمهورية.

يروي الرئيس إميل لحود في كتابه "إميل لحود يتذكر" أن حافظ الأسد أخبره أنه يتابعه ويتابع أخباره وتطور مساره ومسيرته من فترة طويلة، وقبل أن يلتقيا، وأنه أبقاه تحت نظره واهتمامه منذ أن دخل إلى المدرسة الحربية. وقد كُلف بمتابعته والعناية بملفه المسؤول الأمني السوري محمد ناصيف، أبو وائل.

شهيرة تلك الواقعة النافرة والدالة في آن، حين أبلغ حافظ الأسد اللبنانيين والعرب والعالم باختياره لحود رئيساً، بعد أن وقع الاختيار عليه، والذي كشف عن ذلك عبر وسائل الإعلام المصرية، مستنداً إلى نتيجة الإحصاءات المنفوخة والمضخمة التي نشرت في الصحف اللبنانية، والتي رفعت شعبيته، والتي كان أعدها وركبها فريق العمل الأمني والسياسي والإعلامي السوري-اللبناني التابع له، تمهيداً لإيصاله إلى بعبدا.

حين اقُترح على بشار الأسد انتخاب سليمان فرنجية خلفاً للعماد إميل لحود، لتجاوز مسألة التمديد ومشكلاتها المحتملة، أجاب: ليس الوقت وقت تجارب جديدة. لحود مجرب ونعرفه ونحن أمام مرحلة حساسة.

وهكذا كان القرار بالتمديد للحود قد صدر، لأسباب تتعلق بالأبعاد الإقليمية المسيطرة آنذاك، وما كانت تراه القيادة السورية أنه يصب في مصلحتها وفي حماية خطها وموقعها الإقليمي، بعد احتلال العراق ووصول الجيش الأميركي إلى حدود سوريا الشرقية.

وحين اختار حزب الله، وهو الطرف الذي ورث نفوذ الوصاية السورية في لبنان، دعم المرشح المختار الفريد من نوعه آنذاك، ميشال عون، للوصول إلى رئاسة الجمهورية، فإنه استند أساساً إلى موقف عون المؤيد لخط الحزب وتوجهاته السياسية والأمنية. وقد سارع الجنرال الرئيس إلى إثبات حسن قرار اختياره، فصرح في أول زيارة له إلى القاهرة، أن الجيش اللبناني لا يستطيع حماية لبنان، ولذلك نحن بحاجة لسلاح حزب الله في وجه إسرائيل.

لقد أبقى حزب الله لبنان واقتصاده المنهك ومؤسساته المتعبة، سنتين ونصف السنة في انتظار أن تقبل الأطراف الداخلية المؤثرة بعون رئيساً للجمهورية. وبما أنه نجح في التجربة الأولى ونال ما أراد، فإنه الآن قد اختار سليمان فرنجية ابن "الخط" وربيبه المميز، للوصول إلى رئاسة الجمهورية. وهو لذلك يستعد لإبقاء الأوضاع في لبنان فترة مماثلة ومفتوحة، من أجل أن تخضع وتقبل باقي الأطراف بالمرشح فرنجية رئيساً للجمهورية، بغض النظر عن النتائج التي ستسفر عن هذا القرار، وهذا التوجه.

ما لا يدركه بعض الساسة في لبنان أن المسألة باتت مسألة حسم أمر لمن يعود النفوذ والقرار والسيطرة، التي تحتاج إلى إثبات وتأكيد كل يوم. وهي باتت بعد ترسيم الحدود البحرية ووقائع القمة العربية الأخيرة "طابشة" لجهة دون أخرى.

لقد اختار حزب الله مرشحه المفضل إلى الرئاسة الأولى، قبل إعلان الاتفاق السعودي الإيراني. وحقق تقدماً على مستوى دعمه على الأقل من الجانب الفرنسي أولاً. والآن، وبعد نتائج قمة جدة العربية وعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وبهذه السرعة، في ظل الأجواء العربية المتساهلة المرافقة، فإن حزب الله لن يتراجع قيد أنملة عن موقفه، بل بالعكس سيزداد تمسكا بخياره وقراره.

أغلب المؤشرات العربية والإقليمية تصب في مصلحة اختيار حزب الله، الذي تقوى فرصه من أغلب النواحي التي يسيطر عليها، وتحديداً من النواحي العربية والإقليمية، والتي تميل إلى جانبه الآن أكثر من أي وقت مضى.

الغريب في أمر بعض القوى اللبنانية المعترضة، أنها تتصرف تجاه عقول اللبنانيين باستخفاف مطلق ومن دون حدود.

رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الذي وصل إلى أغلب المناصب التي وصلها، الوزارية أو النيابية، عن طريق ضغط الأمر الواقع المدعوم من حزب الله، جاء في آخر حديث له إلى "القبس" الكويتية، يحذر من خطورة النهج الذي يتبعه الثنائي أمل وحزب الله في فرض وجهة نظره على اللبنانيين.

فحين يكون هو الطرف الفارض أو المعرقل، ما من مشكلة لديه. وحين يتحول هذا الاسلوب إلى مصلحة منافسيه، أو من لا يريد، يصبح عندها اسلوب حزب الله مزعجاً له وخطيراً بانعكاساته على لبنان! 

في المحصلة، ما هي فرص المرشح المنافس المكتمل المواصفات، الدكتور جهاد أزعور؟ هل سيدعو رئيس المجلس إلى جلسة انتخاب؟ وإذا ما انعقدت هذه الجلسة، هل سيكتمل النصاب وتجري عملية الانتخاب والاختيار من النواب بشكل طبيعي؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها