الأحد 2023/06/18

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

بعيداً عن التضليل والتحريض: مساعدات "الغذاء العالمي" لكل المقيمين

الأحد 2023/06/18
بعيداً عن التضليل والتحريض: مساعدات "الغذاء العالمي" لكل المقيمين
الوردات: تضاعفت المساعدات نحو ثلاثين ضعفاً منذ بداية الأزمة إلى اليوم (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

الغنيّ عن التّذكير هو حجم وضراوة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة الممتدة منذ أربع سنوات، إلا أنّه اليوم ومع استحداث الجدّل القائم حولها وعطف أسبابها على واقع اللجوء السّوريّ في لبنان، تنبثق الحاجة المُلّحة لإيضاح النقاط الأساسيّة وسبر حقيقتها بمعزل عن جنوح السّلطات لتضليل الوقائع، والتّوكيد على أن المُلام الأول في نكبة الشعبين المقيمين على نفس الأرض، هو القصور العام في السّياسة العملانيّة والعقلانيّة، والشلّل في نُظم الحمايّة الاجتماعيّة والفساد الإداري والنهب الجماعيّ الذي أوصل الشعبين لمرحلة التشرذم والنفور وتقاذف التُهم، الحاليّة.

المساعدات الإنسانيّة
ولعلّ المفارقة الكُبرى، في كل ما أُثير مؤخرًا عن ملف اللاجئين السّوريين في لبنان، وتلقيهم المساعدات الإنسانيّة، هو "تحريض" السّلطة للشعب اللّبنانيّ ودفعه للاعتقاد أن أسباب بقاء اللاجئين في لبنان (رفضهم العودة لسوريا) تَكمن في المرتبة الأولى بهذه المساعدات، بل وتسعير مشاعر "الغيرة" والحقد تجاه اللاجئ بوصفه المُعتاش على الإحسان الدوليّ، فيما يُترك سواد اللبنانيين تحت هامش الفقر دون أن يلتفت لهم أحد. وعوضًا عن التّصدي لسبب الأزمة والحؤول دون استمرارها وطرح حلّول تُجاري المنطق والقيم الإنسانيّة، عَمدت السّلطة لتضليل كل الحقائق المُتعلقة في هذا المجال (محليًّا أمام الرأي العام ودوليًّا بابتزازها المستمر للمجتمع العربيّ والدوليّ من أجل المزيد من المساعدات والمنح)، أكان من جهة المبالغ والأرقام، أو من جهة المستفيدين من هذه المساعدات (من اللبنانيين والسّوريين)، مُستهدفة الضحايا وواضعة إياهم تحت رحمة الضحايا الآخرين.

وهذه الروحيّة التضليليّة أعطت السّلطة هامشًا أوسع للتضييق على اللاجئين عبر عرقلة مختلف المبادرات لتحسين ظروفهم في لبنان (فضلاً عن واقع استمرارها بحملات التّرحيل)، وهذا ما شهدناه منذ نحو الأسبوعين، حين أعلنت بعثات الأمم المتحدة في لبنان، في 27 أيّار الفائت، تعليق تقديم المساعدات النقديّة بالليرة اللبنانية والدولار للاجئين السّوريين إلى غاية الشهر الحالي. وجاء ذلك في بيان مشترك صادر عن نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية عمران ريزا، وممثل المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إيفو فرايسن، وممثل برنامج الأغذيّة العالمي عبد الله الوردات. جاء "استجابة" لمطالب الحكومة اللبنانيّة (ميقاتي- حجار) الرافضة لصرف المساعدات النقديّة بالدولار الأميركيّ على منوال المساعدات التّي تُصرف للبنانين بالدولار (منذ 2019)، تحت ذريعةٍ عاطفيةٍ بحت، لا أساس منطقيّاً لها.

منظمة الغذاء العالمي
وللاستيضاح أكثر عن هذا التّعليق، لما شكله من جدليّة واسعة وتباينًا صريحًا بالرؤى بين البعثات الأممية والحكومة اللبنانيّة بتخبطاتها المستمرة، والتّي عبّرت عن تخوفها من كون القرار سُيسهم في إبقاء اللاجئين في لبنان.. التقت "المدن" بممثل ومدير برنامج الأغذية العالمي في لبنان، عبد الله الوردات، الذي بدوره قدم مختلف الوقائع المُتعقلة في هذا المجال.

بدايةً وبالحديث عن تّعليق المساعدات النقدية، يشرح الوردات أنّ المفاوضات مع الحكومة اللبنانيّة مُستمرة، مؤكدًا على كون برنامج الأغذيّة العالمي، يسعى جاهدًا لتقديم مساعداته بالعملتين المزدوجتين (أي أن يتم إمكانيّة سحب المبالغ من البنوك اختيارًا بالدولار أم بالليرة). الأمر الذي من شأنه أن يُسهل عمليّة سحب المبالغ النقديّة المُقدمة من قبل البرنامج لحوالى 700،000 ألف لاجئ مستفيد منها في البنوك، من النّاحية التقنيّة، ويُسهم تلقائيًا في تضاؤل طوابير اللاجئين أمام المصارف (والتّي يستغلها البعض لعكس صورة عنصريّة)، قائلاً "الاستمرار في تقديم المساعدات النقديّة بالليرة اللبنانيّة، قد أصبح تحديًا صعبًا علينا، نظرًا لما يكتنفه من تحديات تشغيلية، تتعلق بالتّدهور المطرد في قيمة العملة المحليّة، ما يضع ضغوطًا على المُزود المالي في توفير كميات كبيرة من النقد اللبنانيّ، ولا يُمكن إنكار أن صرف مبالغ نقديّة بالدولار من شأنه ضخّ عملة صعبة في السّوق اللبنانيّ (في المتاجر والمحال الغذائية) من جهة، ويؤمن وصول المساعدات للاجئين بقيمتها الفعليّة، مباشرةً كما تُقدمها الجهات المانحة من جهة أخرى".

الأمن الغذائي
وفيما بات من المُلاحظ تكرار التّصريحات الرسميّة التّي تُشير بغالبيتها لكون المُساعدات الإنسانيّة التّي تقدمها الدول المانحة والمنظمات الإنسانيّة لا تكفي لسداد الفجوة الحاصلة في خطط الحكومة للاستجابة للأزمة السّوريّة من جهة، وادعاء البعض من الرسميين والحكوميين أن هذه المبالغ "الطائلة" هي هدر يُصرف في سبيل "نازحين" ليسوا بحاجة لها، بل ويقومون باستثمارها بمصالح خاصة (أكان في سوريا أم في لبنان)، من جهةٍ أخرى. يشير الوردات في ردّه على سؤال "المدن" إلى أن المبالغ المُقدمة (20 دولاراً عن الشخص و25 دولاراً عن الأسرة الواحدة المؤلفة من خمسة أشخاص كحدّ أقصى)، لا تكفي كما يزعم البعض لإرسالها إلى سوريا والاستثمار فيها هناك، فهي بالكاد تكفي سداد وتلبية احتياجات اللاجئين الأساسّية المُتعلقة بالأمن الغذائي، نظرًا لكون قيمتها في أفضل الأحوال لا تتجاوز الثمانية ملايين ليرة لبنانيّة، فإن شاء اللاجئ دفع المستحقات المتوجبة عليه للسكن والنقل والأدويّة فإنه سُيحرم من الطعام، وهكذا دواليك. من دون أن ننسى إحجام رهط من اللاجئين عن الاستحصال على بديهيات الحقوق بسبب صعوبة الوصول إليها في غالبية الأحيان (راجع "المدن").

وعبّر عن قلقه من تدهور الأمن الغذائي لدى الشعبين اللبناني (46 بالمئة منه أصبح بحاجة لمساعدة إنسانية، ويُقدم البرنامج مساعدات لمليون لبناني، اليوم) والسّوري (90 بالمئة يقعون في الفقر المُدقع). مشدّدًا على أن البرنامج يعمل على قدمٍ وساق مع الحكومة والجهات المانحة لتأمين ما تيسر من دعم، لكنه يُمكن القول إن شبكات الحمايّة الاجتماعيّة في لبنان مُتهالكة، الأمر الذي يفرض تحديًا صعبًا للوصول إلى الغاية الأساسيّة، وهي الحؤول دون فقدان المقيمين في لبنان أمنهم الغذائي، وبالتّالي يُمدد العمل في هذا الإطار. بيّد أن عمل البرنامج وشركائه يصب أساسًا في سبيل وضع مدماك مؤسس يُسهل لاحقًا على الدولة في تمكين شبكاتها الاجتماعيّة. لافتًا لكون المُساعدات المُقدمة تبلغ شهريًا للبنانيين والسوريين حوالى 35 مليون دولار أميركي.  

الميزانيّة والتّمويل
وقد تساءلت "المدن" في معرض حديثها مع الوردات، عن خطط الاستجابة للأزمة اللبنانيّة وواقع تماثلها بالأزمة السّورية أكان من جهة التحلّل المؤسساتي والتفكك الاجتماعي والتفقير الممنهج، فضلاً عن الميزانيّة المُقدمة للخطتين المتعلقتين بالشأن اللبناني وملف اللجوء وتأثرها بالحرب الروسيّة على أوكرانيا، ما بدأ يتجلى تباعًا في وقف مكتب برنامج الغذاء العالمي في سوريا لمساعداته عن 2.5 مليون سوري، ابتداءً من شهر تموز المقبل، بسبب النقص في التّمويل. فأكدّ أن خطط الاستجابة مستمرة، وتكمن في إعطاء اللبنانيين فرصة لتحسين أوضاعهم والانطلاق لاحقًا نحو خطط يستعيضون فيها عن المساعدات الإنسانيّة. متأسفاً لوصول الأزمة اللبنانيّة إلى هذا الحدّ، خصوصاً أنهم اضطروا منذ بداية عمل البرنامج لمضاعفة مساعدتهم بما يتجاوز الثلاثين ضعفًا، كما أشار.

أما في يتعلق بمسألة التّمويل، فلفت الوردات إلى أن مكتب سوريا يرزح تحت ضغطٍ كبير، والحرب الروسيّة على أوكرانيا ليست العامل الوحيد الذي أدى لخطر تضاؤل التمويل من الجهات المانحة، فأزمة كوفيد والتحولات السياسية في المنطقة والعالم فضلاً عن انزلاق عدد من الدول كالسودان مثلاً في مسلسل القلاقل الأمنيّة المستمر. وتمنّى ألا يتأثر بعد التّمويل لأن شعوب المنطقة بحاجة ماسة له.

ويؤكد الوردات أن تعاطي لبنان الرسميّ مع البعثات الأمميّة غالبًا ما يكون إيجابيًّا. وفيما يتعلق بملف اللجوء، يرى الوردات أن هذا الملف يحتاج بصورة أساسيّة لحلٍّ سياسيّ كفيل بإرساء التوافق على الطروحات المُقدمة في هذا المجال، ومن شأنها تسهيل حياة المواطنين واللاجئين وحلحلة أزماتهم. وهذا ما سعى له المؤتمر السّابع "لدعم مستقبل سوريا والمنطقة" في بروكسل. والذي تعهد المانحون الدوليون خلاله بتقديم 9.6 مليار يورو (10.3 مليار دولار) لدعم السوريين والمجتمعات المضيفة للاجئين في دول الجوار، مقسمة إلى قسمين: الأول 5.6 مليار يورو على شكل منح، بينما ستعطى 4 مليارات الباقية على شكل قروض بشروط ميسّرة للدول المستضيفة.

في المحصلة، يُمكن استشفاف أن غالبية البرامج الإنسانيّة تقوم بإدارة أعمالها وتقديم مساعداتها بصورة مهنيّة على الصعيدين الإنساني والحقوقي، الأمر الذي لم تتعلمه السّلطات اللبنانيّة والنظام السّوري المُستفيد من مأساة شعبه. بل وراكموا عجزهم المقيت مستفيدين من إنهاك الشعوب وضمان ولائها بوصفهم القابض على مصيرها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها