الخميس 2023/06/01

آخر تحديث: 16:42 (بيروت)

درس محمد رعد الذي لم نتعلمه بعد

الخميس 2023/06/01
درس محمد رعد الذي لم نتعلمه بعد
الممانعون لإرادة حسن نصرالله، تحركهم مخيلة ماضوية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لم يُمنح كلام رئيس كتلة نواب حزب الله، محمد رعد، الانتباه اللازم. وغالباً ما يحاول اللبنانيون "تجاهل" تصريحاته، لا لقلة أهميتها، إنما تفادياً لوقعها الصادم والقوي. يبدو إنكارها كآلية دفاعية تحاشياً لأثرها الثقيل وغير المحتمل أحياناً. فإذا كان لا مهرب من تلقي الخطب التلفزيونية لحسن نصرالله، فإننا معظم الأحيان نحاول التغاضي عن ما يقوله الشيخ نعيم قاسم أو محمد رعد. فهذان الأخيران يتمتعان بقدرة على تحويل اللغة إلى قصف مباشر.

يوم الأحد الماضي، قال رعد: "يملكون الوقاحة اللازمة للتصريح علناً برفضهم وصول مرشح للممانعة، في مقابل رضاهم بوصول ممثل الخضوع والإذعان والاستسلام". بقية كلامه عبارة عن استهزاء واحتقار لمن يحاول البحث عن مرشح لرئاسة الجمهورية غير الذي سمّاه حزب الله، وبلهجة تخوينية معتادة.

النائب رعد بالغ الوضوح في موقفه مما يسمى نظام برلماني ديموقراطي. كذلك نظرته إلى "زملائه" في المجلس النيابي، هؤلاء الوقحين الذين لم يخضعوا بعد لمشيئة حزب الانتصارات في اختيار الرئيس العتيد.

ويبدو من نبرة رعد أن هؤلاء المعترضين لم يتعلموا الدرس بعد، كتلامذة بليدين يثيرون حفيظة أستاذهم وغضبه. وهو محق إلى حد بعيد. فممتهنو معارضة حزب الله، منذ العام 2005 إلى اليوم، لم يحصدوا سوى الهزيمة والخيبة والكثير من الدماء والدموع. وعند كل استحقاق مهما كبر أو صغر، النتيجة نفسها. جل ما يستطيعه مناهضو الحزب هو اختبار صبره و"تضييع" الوقت قبل وقوع القدر المحتوم.

ليس بالسلاح وحده يحيا حزب الله، ويفرض ما يشاء. القوة التي يتمتع بها ليست فقط قائمة على تماسك عصبية الطائفة التي يمثلها، ووزنها الديموغرافي، وقابليتها لاستخدام العنف السياسي داخلياً وحدودياً. نفوذه الحاسم وسلطته مصدرهما الضعف المتزايد والذي لا عودة عنه لـ"لبنان" نفسه. ضعف سرطاني لا علاج له.

الممانعون لحزب الله يبدون أبناء حنين، فيما قادة الحزب وأهله يبدون أبناء المستقبل. وبغض النظر عن توصيفنا لهكذا مستقبل. هؤلاء الممانعون لإرادة حسن نصرالله، تحركهم مخيلة ماضوية، هي مزيج من ذاكرة انتقائية للجمهورية الأولى، ولحظات التوهج في الجمهورية الثانية المغتالة في شباط 2005.

على امتداد أربعة عقود، هي عمر الحزب أيضاً، تفكك الكيان اللبناني قطعة قطعة، وتقوضت مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، ثم انحطت منظومة القيم والمثالات والمرجعية الأيديولوجية للدولة ولتعريف الوطنية اللبنانية، على نحو لا رجعة فيه.

أما حزب الله فيبدو كقاطرة تاريخ يتقدم كقوة كاسحة ومدمرة، من الصعب تغيير مساره "المرعب".

محاولة البطريرك الماروني الأخيرة الفاتيكانية الفرنسية، وتشجيعه لاتفاق مسيحي على مرشح يقارع مرشح "الثنائي الشيعي"، كان الرد عليها مفحماً من قبل المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان: "17 أيار الصهيوني شطبته المقاومة بالدم واستردت لبنان".

هذا بالضبط هو الأمر الواقع الذي "فهمه" الفرنسيون مثلاً، وعليه أدركوا أن ذاك الـ"لبنان" الذي صنعوه تغير تماماً. فكانوا حلفاء الموارنة وحماتهم، حين كانوا الطائفة الأقوى. ثم باتوا حلفاء السنّة (مع رفيق الحريري) حين أصبحوا الطائفة الطليعية في إعادة بناء البلد ومؤسساته وترميم دولته. وها هم اليوم، منسجمون تماماً مع "الشيعية السياسية" بوصفها كما قال الشيخ قبلان: "الثنائي الوطني أم الصبي وعين السيادة وحارس وجود هذا الوطن".

درس محمد رعد يفيد أن "وقاحة" المحاولة لانتخاب مرشح آخر غير سليمان فرنجية، ستفشل حتماً، بطرق دستورية وغير دستورية، من معضلة النصاب إلى مزاجية الدعوة لعقد جلسة انتخابية أصلاً، وصولاً -إذا اضطر الأمر- لقمصان سود أو نسخة معدلة من 7 أيار، أو حتى ما هو أسوأ، على ما علمنا وذقنا طوال عقدين ماضيين.

بمعنى آخر، المعارضة والبطريرك متهمان اليوم بمحاولة انقلابية ضد حزب الله. البنود التي تحدث عنها البطريرك لمؤتمر دولي خاص بلبنان، تشي بذلك. وهي ربما ترقى لخطورة المحاولة التي جرت في خريف 2004، التي ظهرت بجلاء مع القرار 1559. وجميعنا يعرف ما حدث بعدها، والعواقب الدموية التي ترتبت على هذا التمرد.

لذا، وبضوء ما أدركه الفرنسيون، وعرفه السعوديون والأميركيون أيضاً، المستقبل الوحيد المتاح للبنان واحد موحد هو الاستسلام لما يسميه حزب الله "التوافق". وهذا ما عاد مغرياً بالمرة، للأسف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها