السبت 2023/05/06

آخر تحديث: 09:33 (بيروت)

رئيس منزوع السيادة

السبت 2023/05/06
رئيس منزوع السيادة
كيف يكون رئيساً إذا لم يكن منبثقاً من "الوجود المشروع صاحب السيادة" أي من الشعب؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease

يسلك القول في المقام اللبناني، مسلك المخالفة. يتقدَّم حين الوجهة الوراء، ويعلم المتقدِّم أنه يذهب صوب الأمام. جمهرة الذين يسيرون القهقرى، لا تبدّل في العين المفردة التي ترصد بدقة، الجهات والاتجاهات.

أحاديث رئاسية صاخبة، يسمعها القاصي والداني. سيادات بالجملة، يفصّلُها قادة الآراء الطائفية، فيرتدون حُلَلَها الباهتة، ثم يخلعونها قبيل المساء، ولا يتأخرون عن إنكارها قبيل "صياح الديك".

استقلاليّات بالجملة. أنفاس إصلاحية بالمفرّق. وطنيون نافحوا عن الأرض والكرامة، من كل زاروب. حَقّ القوة يعلو، بالنبرة عموماً، ويسقط قول الحق على وجه الخصوص. أخلاق السياسة تخصّ جماعة وجماعة وجماعة. انتهاك أخلاق "العقد والميثاق والشراكة"، مضبطة إتهام لجماعة وجماعة وجماعة. استنساب الأخلاق، سقوط لأخلاقيتها الذاتية، وكشف لزيف الذين لا ينصرفون إلى أحلامهم، قبل التأكد من استقامة شؤون "قانونهم" الأخلاقي المكين.

والحال... هي عودة إلى تأسيس علم "كلامي" سياسي، يبدأ من كلمات، ومن نظرات تفتقر إلى "حظّ القران مع التاريخ"، إذا ما أُخذت على صعيد علم السياسة، وتتأبَّط التاريخ من ذراعه، إذا ما أُخذت على أصعدة اللغو الطائفي والمذهبي، الذي تضجّ به "الأمثولة" اللبنانية، قبل استوائها في الكيان الجغرافي الحالي، وعلى امتداد قرن زمني، من الإقامة فيه.

قلنا رئيس منزوع السيادة. كيف يكون رئيساً إذا لم يكن منبثقاً من "الوجود المشروع صاحب السيادة" أي من الشعب؟ جواب السؤال متضمِّن في صيغة "جهل العارف" الذي يلجأ إليه صاحب السؤال.

الجهل المعروف انتفاء حصول الجهل بموضوعه، مضمونه العلم المسبق بجواب النفي عن حقيقة وجود الشعب. استطراداً، أو استكمالاً للمعنى ومطاردة له: هل في لبنان شعب، ليكون له رئيس؟ وحسب نظريات السياسة والاجتماع، هل نشأ في لبنان جسم سياسي، استوى "ككائن جماعي ومعنوي"، ليكون له اسم "الدولة"؟ وهل لهذه الأخيرة امتياز السيادة الفاعلة؟ وما حال الشركاء المتجاورين، أو الجيران المتعاقدين؟ وأي تحديد تعريفي يُعطى لهم؟ هل هم "الشعب كجماعة"؟ وهل هم في ذات الوقت، "المواطنون كأفراد"؟ وهل حازوا صفة "الرعايا"، لأنهم امتثلوا وخضعوا لقوانين "الدولة الواحدة"؟

كثرة الأسئلة، لن تحجب واقع مرارة الأجوبة، وتناسل الاستفهام من الاستفهام، لن يفتح باباً يفضي إلى فهم مغاير لواقع ما هو سائد من علم وفهم لحقيقة الأوضاع اللبنانية.
ماذا يقدم الملمس الحقيقي الخشن، عن خطاب الطائفي الناعم، وعن خطاب المذهبي "الأفعواني" الليّن الملمس؟

إذا كان الأمر أمر سيادة للشعب، فالمقصود الطائفي هو شعب دين بعينه، وإذا كان الأمر أمر حرية واستقلال وشموخ وصمود وعنفوان، وأمر زيتون وأرز وشوح وسنديان... فالمقصود بكل ذلك مذهب من هنا، ومذهب من هناك، لا يعنيه من كل الجمل الإنشائية سوى جملة قصيرة: أين تكمن مصلحتي؟.

استرجاع سريع لما تحمله اليوميات من تعرجات في الأداء السياسي، وفي التصريح والتلميح الآتي من جهة أمراء الطوائف والمذاهب، يأخذ بيد المتصفّح إلى خلاصة لا يحجبها تضليل، ولا يجمّل قصدها تأويل. الخلاصة تقول: "اعطني حصتي وخذ البلد". هذه ليست من قبيل البلاغة في الإيجاز، بل من فعل الكاهن الطائفي الذي يعتمد البلاغة في "الإعجاز"! وهل من إعجاز أوضح تصديقاً لنبوءة المذهبي والطائفي، عندما تكون السيادة إعجازاً لغويّاً يأخذ إلى التبعية؟ أو عندما تكون الحرية التي من "الأزل إلى الأبد"، إعجازاً آخر، يقود من مرقد "العنزة" إلى مثوى الخروف؟.
وفي المناسبة، هل من قول في السلوكات "الخِرَافية" التي تعاند إذا ما نسبها قائل إلى "عصبية القطيع" القَبَلي أو العشائري أو العائلي؟

في حومة العصبيات المندلقة اليوم، ودائماً في المناسبة الرئاسية، مرجعيات تاريخية وجغرافية، وإحالات إلى نشوئيات "عرقية" ونفسية وجسدية. ناظم كل ذلك، عبقريات متفرقة تتوزع على ابتكار الحرف، وعلى ركوب البحر، وعلى قهر رمال الصحراء، وعلى صدف الموركس، ولون الأرجوان. هذه العصبيات المتناثرة أشكالاً متفارقة، وألواناً متباينة، وأصواتاً مختلطة ناشزة طاردة، هذه العصبيات إياها، لا تتوانى عن النطق باسم الشعب!! ولا تتردد في تأكيد الانتماء إلى العصر!! ولا تجد حرجاً في جمع "ثمار" الديمقراطية، من بساتين اليونان العتيقة، ومن حدائق الأنظمة الجمهورية والملكية، كذلك لا تجد ضيْراً في "أكل خبز السلطان والضرب بسيفه". هنا بيت "الطاعة"، وليس بيت القصيد، ففي لبنان الراهن، وعلى نحوٍ فاقع، وبواسطة أساليب جاهلة فاجرة، يحتلّ الأثير آكل خبز سيادي، في مكان، ويماثله آكل خبز ضد إمبريالي في مكانٍ آخر، وينضم إليهما أكلة خبز وسميط وجبنة، تجتمع لديهم النزعات الإصلاحية والتنويرية وحب الاحتكام إلى القانون والمؤسسات، في دولة لم توجد، وبين صفوف شعب لم يولد، ووسط "مجتمع مدني" تكاثرت مجموعاته وهيئاته وجمعياته، لكنه ليس المجتمع المدني الذي "اصطنعه المجتمع البشري بالكامل" لتتجلّى فيه "الإرادة العامة" في التعاقد الحرّ بين مواطنين "استنبتوا"، في دولة "استولدت"، فجمعت في رحابها بين عمليتي الدفاع عنها كدولة، وعن مواطنيها كأفراد أحرار.

وعلى رغم كل ذلك، بل وعلى سبيل كسر صلابة الواقع بهلامية الكلمة، ينبري حشد من المسترئسين ليتمتموا بمهمات الرئيس العديدة، مثلما ينبري حشد من "صانعي" الرؤساء، ليجهروا بتعداد الصفات المقرونة باسم الرئيس، فهل نضع ذلك في خانة تجاهل المقصود، أم في خانة فهم موصود؟ أغلب اليقين، وليس أغلب الظّن، أن الناطقين رئاسياً يتشاطرون، ولهم من شطارتهم نيل إعجاب جماهيرهم وانبهارها، وهم، أي الناطقون، يعلمون أنهم "ينطقون عن الهوى"، فما يرعوون، لأنهم يجدون لدى الأتباع "هوى"... وهكذا يروح البلد ويجيء بين اسم رئيس يلقى هوى، واسم رئيس يُلقى في "الهوا"، واسم رئيس لا يخاطب بعضاً مما علق في أذهان أهل "النهى"... وما أضيق فسحة "النُهى"... فأين الرئيس؟؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها