الخميس 2023/05/04

آخر تحديث: 19:06 (بيروت)

نبؤة نبيه برّي.. ورئاسة فرنجية

الخميس 2023/05/04
نبؤة نبيه برّي.. ورئاسة فرنجية
إن وصل فرنجية إلى الرئاسة، سيكون انتصاراً لبرّي أولاً (المدن)
increase حجم الخط decrease

توحي الأجواء أن طريق سليمان فرنجية إلى بعبدا باتت أسهل. "التوافقات" كعنوان سحري في المنطقة تشي بذلك. هي أقرب إلى ترتيبات تمنح الخاسرين المواساة وتعطي المنتصرين أكاليل الغار.

يخطر ببالنا حال الرئيس نبيه برّي في هذه اللحظات: الأب الروحي للمرشح الذي بات الأوفر حظاً. وقد اختاره وسمّاه علناً. انتقاه كرمز يمسح به آخر آثار "17 تشرين". كإسم يحطم به الطموحات الجامحة لجبران باسيل. كإقطاعي عريق يهزم به زعامة جعجع. كشخصية نموذجية تتفوق على مثال سامي الجميّل. كسياسي مخضرم يطيح بأولئك "المتمردين" الجدد. وبالأخص هؤلاء الذين يرددون كلمة "إصلاح" على مسامع رئيس المجلس صباحاً ومساء. اختار برّي سليمان فرنجية كثأر بارد من مجلس النواب الجديد تحديداً.

سيكون برّي في هذه اللحظات بكامل نشوته، محتفلاً بجدارته المبرهنة للمرة الألف: "ألم أقل لكم؟". سيردد هذه العبارة لسنوات طويلة. سيشعر إنه الرائي والمستشرف لا لأحوال لبنان ورئاسته، بل لكل ما حدث ويحدث بين طهران والرياض والعواصم التابعة والملحقة بهما..

إن وصل فرنجية إلى الرئاسة، سيكون انتصاراً لبرّي أولاً. انتصار سيوزعه أيضاً حسن نصرالله على الحلفاء. لكن الأهم إن حدث ونال فرنجية لقب "الفخامة"، فسنسمع الضحكة المجلجلة التي سيطلقها بشار الأسد.

أبعد من ذلك، سيبرهن هذا الحدث فقدان النظام البرلماني اللبناني آخر أوهامه. فوصول فرنجية إلى الرئاسة، من بين ما يعني، رمي نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في سلة المهملات. وضمناً، حرق أوراق الناخبين المسيحيين تحديداً.

ويمكن القول انطلاقاً من ذلك كله، أن "الشيعية السياسية" هي الآن السلطة المطلقة في تسمية كل الرؤساء، بلا استثناء ومن غير منازع. لقد مهدت "العونية" لذلك وتدفع الثمن الآن، هي بكل رعونتها، وسائر اللبنانيين الذين لا يحسبون أنفسهم في خندق "الممانعة" ولا في كواليس "المنظومة".

ربما لم يبالغ سامي الجميل حين قال: "إن خيار انتخاب سليمان فرنجية هو خيار موت للبنان ومشروع تهجير لشبابه". فالترجمة الصحيحة لكلامه هي أن "الرئاسة" ما عادت صنع المسيحيين. وأن الأخيرين ما عادوا أنداداً لأي طرف أو طائفة، وما عادوا "شركاء" بالقدر الذي يظنونه. وأن خياراتهم الكبرى بالذات ما عادت خيارات هذا اللبنان الذي سيستوي على "الترتيبات" الجديدة التي تنبأ بها بسرور عظيم نبيه برّي.

هي نبؤة كان الفرنسيون أول من صدقها وعمل وفقها. حتى أنه يمكننا الظن الآن أن عشاء إيمانويل ماكرون مع السيدة فيروز، كان أشبه بذاك العشاء الرومانسي الذي يدبره أي عاشق نبيل لحبيبته في ليلة اعترافه بالخيانة وانفصاله عنها. كأن فرنسا كانت تودع لبنان المسيحي وتستعد لعشيقها الشيعي الأكثر فتوة وقوة ونشاطاً.. والأشد شبقاً.

من الآن فصاعداً، وباسم "التوافق" المهيمن الآن على الشرق الأوسط الكبير، علينا الاستعداد لاحتمال تنصيب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وبالزخم نفسه علينا الاستعداد لتقبل الهجرة "النوعية" التي تحدّث عنها سامي الجميّل، والمصير البائس للاجئين السوريين، ونسيان ما يسمى شروط صندوق النقد الدولي، والعودة المظفرة لحزب المصارف- الزومبي، وتعيين مثيل رياض سلامة (وربما أردأ) حاكماً للمصرف المركزي، وتوزير أولئك الذي لا نطيق لفظ اسمهم لشدة احتقارنا لهم. علينا الاستعداد مثلاً لاعتبار انفجار المرفأ "حادثاً مؤسفاً".

مجيء فرنجية سيكون تتويجاً مذهلاً لكل جهود الرئيس نبيه برّي بمنع "التاريخ" أن يتقدم ولو خطوة واحدة، عدا دفن المسيحية السياسية تحت قبة البرلمان الميت.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها