انتهت المهمة القضائية الفرنسية في لبنان. من الآن فصاعداً، كل ما يتعلق بملف رياض سلامة والأشخاص المتصلين بقضيته سيستكمل في باريس، ولاحقاً في عواصم أوروبية أخرى. ومسار القاضية الفرنسية، أود بوروسي، صار واضحاً: إجبار كل مشتبه به في قضية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، على المثول أمام القضاء الفرنسي، أو إصدار مذكرة توقيف دولية بحق كل من يتهرب عن موعد جلسته، ويرفض التعاون مع القضاء الفرنسي.
مذكرة توقيف دولية؟
خلال الأيام المقبلة، سيُطلب من القضاء اللبناني إبلاغ رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، صاحب شركة "فوري"، والمساعدة ماريان الحويك بموعد جلسة استجوابهما التي حددت في فرنسا.
ومن المرجح، أن تصل الاستنابات القضائية إلى قصر العدل ببيروت تباعاً. لتُحول بعدها إلى قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا.
ومصير رجا سلامة والحويك، لن يختلف كثيراً عن مصير الحاكم الذي صار ملاحقاً دولياً منذ يوم الثلاثاء 16 أيار، بعدما أشارت بعض المراجع القضائية إلى أن القاضية بوروسي قد تصدر مذكرتي توقيف دولية بحقهما في حال تغيبهما عن الجلسة الفرنسية.
وحتى الساعة، لم يتلق القضاء اللبناني نسخة عن مذكرة التوقيف الصادرة عن القاضية الفرنسية، أود بوروسي، بحق حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. ولم تصل مذكرة التوقيف إلى مكتب الإنتربول في لبنان.
موقف القضاء
أما القضاء اللبناني المتهم بتقاعسه أو مسايرته لحاكم مصرف لبنان، فيحاول اليوم أن يثبت العكس، خصوصاً بعد تعرضه لانتقادات واسعة إعلامية وشعبية، خصوصاً حين صرّح القاضي أبو سمرا أن الأجهة الأمنية لم تعثر على حاكم مصرف لبنان، ولم تتمكن من تبليغه. من أجل ذلك، أكد مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" أن "القضاء اللبناني سيتعامل مع مذكرة توقيف سلامة وفق ما يقتضيه القانون والسيادة".
ويبقى السؤال: "كيف سيتم التعاون وفق القانون والسيادة، وهل سيسلم سلامة للقضاء الفرنسي"؟.
هنا، شرح رئيس اللجنة القانونية لمحاربة الفساد، الدكتور جاد طعمة لـ"المدن" أن القانون يُلزم الدولة اللبنانية بتنفيذ مذكرة التوقيف الدولية. أي لحظة وصولها إلى النيابة العامة التمييزية يجب على القضاء اللبناني تعميمها على أجهزته الأمنية ليتم تسليم حاكم مصرف لبنان إلى القضاء الفرنسي".
ومن جهة أخرى، يؤكد طعمة "أن هذه المسألة معقدة قانونياً، فالجرائم المنسوبة إلى حاكم مصرف لبنان وقعت على الأراضي اللبنانية قبل أن يتم تحويل الأموال إلى أوروبا، والحاكم يملك الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، لذلك، يحق للنيابة العامة التمييزية أن تدلي بوجوب محاكمته في لبنان، علماً أن هناك موجباً للتعاون بين الدول فيما يتعلق بطلبات تسليم المشتبه فيهم بجرائم الإرهاب وتبييض الأموال والفساد".
صلاحيات محددة
وببساطة، موقف القضاء اللبناني من إقالة حاكم مصرف لبنان، واضح وصريح. فلا يجب إقالة الحاكم أو استبداله نظراً لأهمية موقعه. فقد أوضح مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" أن قرار إقالة الحاكم يعود للسلطة السياسية والحكومة، ولا علاقة للقضاء اللبناني بهذا الأمر. ولكن، برأيه، أن لقرار الإقالة تداعيات كبيرة على السياسة النقدية، وذلك لتمتع الحاكم بصلاحيات واسعة ومهمات خصصت له وحده. لذلك، لا يمكن تفويض أي شخص آخر بها. ومن أهم هذه الصلاحيات: "توقيعه الإلزامي على كل المعاملات الخاصة بالمصارف المراسلة إلى الخارج، بصمته على فتح خزانات الذهب، وامتلاكه وحده الرمز السري لعدد من الأبواب المهمة في البنك المركزي".
رد الدفوع الشكلية
في السياق نفسه، ردّ قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، الدفوع الشكلية المقدمة من الأخوين سلامة ومعهما الحويك. معللاً ذلك أن وزير المالية، يوسف الخليل، "أعطى الحق في كتابه الأخير للقاضية هيلانة اسكندر، رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل وممثلة الدولة اللبنانية في التحرك من دون إذن مسبق".
واللافت اليوم، أن الشقيقين سلامة، والحويك، وافقوا على رد الدفوع، وأكدوا عبر الوكلاء القانونيين عن عدم رغبتهم بالاستئناف. لذلك، فقد حدد أبو سمرا جلسة لاستجواب رجا سلامة في 15 حزيران المقبل، وسيطلب منه المثول أمامه.
وفيما يستمر رياض سلامة بنفي جميع التهم المنسوبة إليه، تستمر التحقيقات الأوروبية في التوسع. والأسابيع المقبلة ستكون حافلة بالإجراءات القضائية التي سيتخذها القضاء الفرنسي بحق حاكم مصرف لبنان وجميع المتورطين معه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها