الإثنين 2023/05/15

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

عام على الانتخابات: برلمان الإمعان بالتعطيل المستمر

الإثنين 2023/05/15
عام على الانتخابات: برلمان الإمعان بالتعطيل المستمر
لم يؤد البرلمان وظيفته الأهم المتمثلة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

مضى عام كامل من ولاية البرلمان اللبناني الحالي، الذي انتخب في 15 أيار 2022، فيما هو عاجز عن أداء وظائفه وإنجاز مهامه.

ومنذ لحظة إعلان نتائج الانتخابات للبرلمان الحالي، بدا أن لبنان مقبل على ولاية أربع سنوات من التعطيل، بفعل تركيبة هجينة للبرلمان، لا يملك فيها أحد من أطراف النزاع الأكثرية، ولم تضع أحد بمنزلة الأقلية؛ مقابل تشرذم وضياع في التمثيل للنواب السنّة على إثر غياب تيار المستقبل من جهة، وفشل ما سمي بـ"نواب التغيير" في نسج تكتل متجانس ووازن من جهة أخرى.

وفي عامه الأول، يمكن القول بأن البرلمان كرس حالة التعطيل المطلقة، في إنجاز الاستحقاقات المطلوبة منه. فلا الاستشارات النيابية الإلزامية عقب انتخابه أفضت إلى تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي؛ ولا عمله التشريعي أفضى إلى إنتاج قوانين تسهل مهمة التفاوض للاتفاق مع صندوق النقد الدولي التي أصبحت شبه مستحيلة؛ ولا 11 جلسة تصويت خلصت إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية يملأ الشغور الرئاسي، المستمر منذ مغادرة الرئيس الأسبق ميشال عون قصر بعبدا، في تشرين الأول الفائت. ولا تشكيل اللجان البرلمان سهل عملية تشريع القوانين الملحة والضرورية المطلوبة من البرلمان، كقانون الكابيتول كونترول وإعادة هيكلة المصارف وقطع الحساب مع موازنة 2023.

مراجعة الاستحقاق
في الأرقام، تشكل البرلمان الحالي من نسبة اقتراع بلغت 42% فقط، حسب وزارة الداخلية. أي إن أكثر من نصف الشعب اللبناني قاطع الانتخابات، تعبيرًا عن حالة تململ سياسي وشعبي. وهي مقاطعة شكلت بحد ذاتها موقفًا اعتراضيًا خارج مختلف الاصطفافات. وجاء ذلك فيما عجزت القوى السياسية التقليدية عن إقناع جمهورها بالاقتراع بكثافة، مقابل عجز قوى المجتمع المدني، وتحديدًا تلك المنبثقة عن حراك 17 تشرين الأول، عن جذب شريحة أوسع من اللبنانيين من أجل التصويت لصالحها ضد النخبة الحاكمة.

ورغم أن حزب القوات اللبنانية تمكن من تعزيز وضعيته المسيحية في المقاعد البرلمانية مقابل التيار الوطني الحر، الذي بالكاد حافظ على نوابه، مقابل حفاظ تحالف حزب الله وحركة أمل على مقاعدهما، أنهى هذا البرلمان معادلة 14 و8 آذار. وهذا ما تجلى على مدار عام من الصدامات بين الكتل السياسية. فلا القوات اللبنانية تمكنت من نسج تحالف متين مع حلفائها السابقين وعلى رأسهم الحزب التقدمي الاشتراكي والقوى المسيحية الأخرى، ولا التيار الوطني الحر تمكن من الحفاظ على تحالف صار مهددًا مع حزب الله.

وإذا كان هناك من استحقاق الدستوري تمكن هذا البرلمان من إنجازه خلال العام، فهو انتخاب رئيس المجلس، الذي يشغله للمرة السابعة على التوالي منذ انتخابات عام 1992، نبيه برّي. كما فاز مرشح التيار الوطني الحر النائب إلياس بو صعب لأول مرة بمنصب نائب رئيس المجلس، ونال كلاهما 65 صوتًا. وفي ظل حالة التعطيل والشلل، تكمن أهمية التذكير بهذا الاستحقاق، أن ثنائي حزب الله وحركة أمل مع بعض حلفائهما، كان لديه القدرة على انتزاع النصف زائد واحد من أصوات النواب، مع تثبيت أنه الأقوى في إدارة الحكم، حتى وفق معادلة "لا أكثرية ولا أقلية". 

وفي العام الأول أيضًا، اختبر البرلمان تداعيات التحول الكبير الذي طرأ على تمثيل المقاعد السنية، بعد غياب تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري عن المشهد، الذي كان يشكل نقطة مركزية في صوغ التسويات التحاصصية داخل البرلمان وخارجه، مع أقطاب النظام. وفيما سجل البرلمان غياب الأقطاب السنية الأساسيين لأول مرة منذ 30 عاماً، مقابل دخول شخصيات وتيارات جديدة، فإن تركيبتها بدت هجينة ومبعثرة، عمقت حالة التعطيل، بدل أن تشكل نافذة خرق لها.

وعلى مسافة شهر من طي عامه الأول، كرس البرلمان الحالي وظيفته في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، بعدما أقر في نيسان الفائت تحت شعار "تشريع الضرورة" قانونًا قضى بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ 31 أيار 2024. ويأتي هذا الضرب للاستحقاق الدستوري، فيما البرلمان لا يمارس دوره التشريعي المطلوبة، بذريعة تعطيلية أخرى، حول إشكالية ممارسة البرلمان لصلاحياته التشريعية خلال المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية أو في ظل الشغور الرئاسي.

نهج التعطيل
وفي حديث مع "المدن"، يعتبر الباحث والأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام، أن البرلمان اللبناني لم ينجز شيئًا متكاملًا على مستوى التشريع في عامه الأول، كما لم يؤد وظيفته الأهم المتمثلة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية "في ظل التفسير الاستنسابي والخاطئ لمسألة النصاب من قبل رئيس المجلس نبيه برّي، بهدف الإمعان في التعطيل".

وعلى مدار نحو 11 جلسة كانت الورقة البيضاء نجمتها، بدا أن المعمول به في البرلمان، يناقض المادة 49 من الدستور التي تنص على أنه "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من البرلمان في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة بدورات الاقتراع التي تلي". ويربط عدم العمل بغالبية الثلثين من النواب الحاضرين لانتخاب الرئيس، لأنها حل دستوري يتعارض مع وظيفة التعطيل المتبادلة بين أقطاب البرلمان.

ويذكر الباحث أن البرلمان فشل بممارسة دوره الرقابي على حكومة منقوصة الصلاحية أساسًا، ولا يقوم بأي من وظائفه الأساسية في تشريع القوانين التي تصب في مصلحة الإصلاحات المطلوبة من لبنان لوقف الانهيار.

وبغياب أكثرية واضحة في البرلمان، استفاد أركان النظام من التنصل من كامل مسؤولياتهم في الانهيار مع تضييق الخناق على الناس والحريات، وما سمي بـ"نواب التغيير" تبعثروا لدرجة "لا يملكون فيها سوى الاعتراض اللفظي ووجودهم أصبح يساهم في منح الشرعية للنظام السياسي".

ويقول اللحام إن ما يشهده لبنان في هذا البرلمان المنتخب، هو نتيجة طبيعية بعد إجراء الانتخابات في ظل عدم وجود دولة، التي كرست نفوذ الأقوياء. فـ"البرلمان يكون مهمًا حين تكون المؤسسات الدستورية هي مركز السلطة حصرًا". وهو ما يؤشر إلى استمرار نظام التعطيل، وإن بإشكال مختلفة، في السنوات الثلاث الباقية من ولاية البرلمان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها