الأحد 2023/05/14

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

نزار صاغية "يحكي سياسة" عن نقابة المحامين والحريات.. والنظام

الأحد 2023/05/14
نزار صاغية "يحكي سياسة" عن نقابة المحامين والحريات.. والنظام
صاغية: أصبح "عدم المس" بالمقامات الحامية للنظام، مسألة مقدسة! (المدن)
increase حجم الخط decrease

تتقدم قضايا الحريات إلى صلب النقاش العام، بعدما صارت مسألة صونها في خطر كبير بذرائع تجد مخارجها في المؤسسات. وهو ما تجسد أخيرًا بقرار محكمة استئناف بيروت برفض الطعن المقدم من محامين لإبطال تعديلات نظام آداب مهنة المحامين.

حوار في طرابلس
لكن، يبدو أن معركة المحامين الذين يرفضون الخضوع لرقابة مسبقة على حريتهم في التعبير، وهم قلّة، ما زالت طويلة، ولن تتوقف عند حد قرار محكمة الاستئناف، التي سقطت في امتحان الدفاع عن الحريات وحق المجتمع اللبناني بمعرفة الحقائق، من وجهة نظرهم.

هذه القضية، كانت موضع نقاش في جلسة حوارية نظمتها مجموعة "تعوا نحكي سياسة" المستقلة، في مركز "ورشة 13" في ميناء طرابلس، استضافت المحامي والمدير التنفيذي للمفكرة القانونية، نزار صاغية، بحضور شباب وناشطين من المدينة.

وتحت عنوان "الحريات العامة في نظام المقامات"، ناقش صاغية المجتمعين في تأكيد جديد منه بعدم الالتزام مع محامين آخرين، بقرار نقابة المحامين في بيروت، لجهة تعديل آداب المهنة، بشكل يفرض على المحامين الحصول على إذن مسبق من النقيب قبل أي ظهور إعلامي أو مناقشة قضايا قانونية.

نظام المقامات
وفي حوار لاقى تفاعلًا واسعًا من المجتمعين الذين عبروا عن خشيتهم من عمل السلطة الممنهج على تقييد الحريات، وإخضاعها لرقابة واستنسابية أفراد دون سواهم، كانت إشكالية "نظام المقامات في لبنان"، منطلق النقاش الذي افتتحه صاغية. فعلى مدار أكثر من ثلاثين عامًا ما بعد الحرب الأهلية التي تلاها عفوًا لرموزها عن كل الجرائم المرتكبة، أثبتت التجربة ألا شيئا يؤثر على حرية التعبير في لبنان، بقدر تأثير مسألة "المقامات" والنظام المبني على الزعامات الطائفية.

ويمكن القول إن هذا النظام المكرس بالتوافق الضمني بين زعاماته، هو شكل من أشكال الديكتاتورية المقنعة، لأنه كان يمنح الاعتبار الأول للمقام المطلوب احترامه كصاحب هيبة وهالة، سياسًا ودينيًا. أما اليوم، وبعد الانهيار الكبير الذي عصف لبنان منذ خريف 2019، فقد أصبحت أدوات "نظام المقامات" مكرسة لحماية كل من تسبب بهذا الخراب، سياسيًا وقضائيًا واقتصاديًا ومصرفيًا واجتماعيًا ونقابيًا.

أما الأداة الأبرز والأهم في "نظام المقامات"، والتي تطرق إليها صاغية، فهي "فرض الرقابة المسبقة"، مقابل شيطنة الحريات، وبحجة "ضبط الفوضى"، التي هي من وجهة نظر أرباب هذا النظام "عدم المس بأي حساسية طائفية أو سياسية أو اجتماعية أو قضائية أو مصرفية..".

الترهيب والقلة
وهذا "المس"، الذي هو الطريق إلى رفع الوعي الجماعي لإدراك أسباب وحقيقة كل ما يحدث، دحضًا لحالة التضليل في روايات أهل السلطة، أصبح مربكًا ويحتاج لرقابة مشددة، حماية للنظام وأقطابه. وفي هذا الإطار، يصب قرار نقابة المحامين من وجهة نظر المحامين المعارضين له، وهم تحديدًا المحامون القلة الذين ينشطون في المجال الشأن العام.

وهنا، يعتبر صاغية، أن عملية الترهيب التي حصلت، كانت تحتاج إلى محامين يقفون بوجه مجلس نقابي يقوم بتسليط الرقابة المسبقة عليهم، ومنحها لشخص النقيب لتحديد المسموح والممنوع بما يقال. 

ولكن الأزمة، أن أكثر من 90% من المحامين غير معنيين بالشأن العام ولا يظهرون على الإعلام. وتاليًا، بدا القرار موجهًا ضد نحو 10% من المحامين، أو ما درج تسميتهم بمحامي الحراك منذ 2015. وهم أيضًا ممن خلق نموذجًا جديدًا من المحامين الذين يدافعون عن قضايا المجتمع ويرفعون الدعاوى باسمه تحقيقًا للمصلحة العامة.

وانطلاقًا من تحليل الأنظمة والقوانين في البلاد، وهو ما تطرق إليه النقاش، يظهر أن ما حصل ليس بناء نظام طائفي فحسب، بل بناء نظام زعماء طائفيين، يمسكون بسلطتهم وسيطرتهم على مرافق الدولة والقضاء ونقابات المهن الحرة كل شيء من فوق، من أشخاص معينين، تقييدًا للحريات.  

لذا، أصبح "عدم المس" بالمقامات الحامية للنظام، مسألة مقدسة، عبر خلق حساسية مفرطة، تحت ذرائع "عدم إثارة النعرات الطائفية" أو "عدم إثارة الفوضى" أو "عدم تضليل الرأي العام بمعلومات مغلوطة وفي قضايا ينظر بها القضاء"..

ما بعد قرار المحكمة
عمليًا، يقرّ صاغية أن رفض محكمة استئناف بيروت للطعنين المقدمين من 13 محاميًا بالتعديلات على آداب مهنة المحامين، شكل نكسة لحكم القانون وحرية التعبير في لبنان. كما عزز تنامي البيئة القمعية، ومنح نقابة المحامين في بيروت الأداة لممارسة المزيد من السيطرة على قدرة المحامين على المشاركة في النقاشات العامة، وتزويد الجمهور بالمعرفة وفضح مخالفات المسؤولين.

وردًا على أسئلة "المدن" في الجلسة الحوارية، ذكر صاغية أن الطعنين المقدمين لم يكونا احتكامًا للقضاء فحسب، بل كانا أيضًا احتكامًا للرأي العام، عبر تحميل القضاء مسؤولية النظر بقانونية ما ذهبت إليه نقابة المحامين. مذكرًا أن التعديلات أيضًا تنتهك المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن دور المحامين، ولا تحترم مبدأيّ التناسب والضرورة، وتمنح أعضاء مجلس النقابة الحصانة القانونية وتحميهم من الانتقاد في وسائل الإعلام، ولا تناسب جهود كشف الادعاءات بالفساد.

وما فعله الحكم القضائي بالقضية، حسب صاغية، أن صبّ في اتجاهين: أولًا، شيطنة الحرية، وتحديدًا بالحديث عن الخطر المتمثل بتأثير وسائل الإعلام على مسار المحاكمات الجارية، وعلى الرأي العام، عبر إخضاع المحامي لقواعد صارمة تحد من حريته. ثانيًا، بدا أن شيطنة الحرية هو الطريق الأنسب لضربها بالمطلق، خصوصًا أن الحكم المؤلف من 18 صفحة، "لم يذكر أي كلمة إيجابية عن الحرية ودورها في تحريك الرأي العام، وفضائلها في وقف الكثير من صفقات الفساد وكشفها".

وتناول المجتمعون مع صاغية الحديث عن دور الحراك العام في تحقيق العدالة، وعن أهمية التطرق إلى القضايا العالقة أمام القضاء علنًا، بالتوازي مع التدخلات السرية بالقضاء والضغوط التي تمارسها الطبقة السياسية عليه، وبوسائل غير مشروعة، مقابل لعبها لدور الرقيب على النقاش العام.

ومع ذلك، سلط صاغية الضوء على مسألة كيف أن قرار المحكمة شكل اعترافًا بالتأثير الكبير للرأي العام على مسار المحاكمات. كما أكد أنهم لن يلتزموا بقرار النقابة، مهما كان الثمن، وأنهم سيذهبون إلى الهيئة العامة لمحكمة التمييز، للنظر بالأخطاء الجسيمة للقرار والحكم. لكن أيضًا المشكلة أن الهيئة غير مفعلة، منذ تعطيل ملف التحقيقات بتفجير المرفأ.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها