السبت 2023/04/22

آخر تحديث: 09:14 (بيروت)

على خط الانقسام اللبناني

السبت 2023/04/22
على خط الانقسام اللبناني
المطلوب"مقياس" المصلحي الوطني اللبناني، المتمايز عن السائد الخطابي(ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

في مواكبة الانهيار اللبناني المتطاول، ازدهرت سوق الثرثرة النظرية، وتناسلت عجالات المراجعات السياسية، وتسابق في مضمار إعلان الندم أفراد وأحزاب، وتكاثرت أعداد التائبين على ضفتي الانشطار اللبناني الذي أحدثته الحرب الأهلية اللبنانية.

نقول الانشطار اللبناني، لنتجنب استحضار توزيع المنشطرين على يمين ويسار، هذا لأن السِمَةَ الطائفية طَبَعَتْ يسارية اليسار بمقدار معلوم، وعمّقَتْ يمينية اليمين بمقادير معروفة.

هذه الإشارة، التي هي من بنات وعي اليوم، ضرورية لدى معاينة السجال الدائر بين مختلفي الأمس، ولدى متابعة "التجديد" الذي يدأب على الكشف عن مكنوناته، المُنْتَقِلُونَ من ضفّة إلى ضفّة، والمُتَنَقِلُون بين الصفوف التي تَعْمُرُ الميادين بقرقعة حروفها اللامعة.

وما يحصل، وما يتوالى، أن السجال الذي يفتح دفاتر القضايا الوطنية الكبرى، يدور على نفسه، لأن القائلين يَتَكَرَّرُون فَيُكَرِّرُون، ولأن الثبات في الجملة، يُحيلُ كلَّ نصّ إلى خطوط جَبْهِيّة متقابلة، يصبح التآكل العام، مصيرًا شبهَ محتوم، للجملة وللنصّ، وللموضوع المعني بجمهرة حروف الأبجديّة.

والحال ما أشير إليه، تبرز الحاجة إلى بندين مهمين، الأول، هو طلب  المساهمة في السجال انطلاقا من محددات سياسية مخالفة لتلك المعتمدة من قبل المتساجلين المتمحورين، والثاني، هو تحديد هدف "مقياس"، يتمّ اعتماده في كل مقاربة، فيكون عاملًا "مرجعيّاً" لانتظام السجال، ولتنظيم الخلاف، ولتبيان صواب سياسة ما، أو خطأ سياسة أخرى. هذه المهمة "المقياسية" المحددة بوضوح كافٍ، تقع على عاتق  جمع من اللبنانيين، الاستقلاليين والمستقلين، قولًا وعملًا، الذين يستطيعون تمثل التجربة اللبنانية، ويستطيعون، في الوقت ذاته، فهمها فهمًا تجاوزيّا، لا يغيب عنه التاريخ الكياني، ولاتسقط من عين نظراته، حقيقة النظام الذي مازال الأساس العميق، لتوليد كل الأزمات الوطنية.
هذا عن الضروري، لكن ماذا عن المواضيع المباشرة الراهنة؟.

في مقدمة الراهن، وبسبب من دور معطياته التقريرية، يجدر التوقف أمام المسار السياسي الذي افتتحه اللقاء السعودي الإيراني، ويجدر التوقف أمام انشغال الداخل اللبناني عن أهمية هذا المسار، بالانصراف إلى إدارة المناوشات البينية، التي تحكمها العشوائية،ولاتنتظم شروحها في مبنىً "نظريّ" يسند فذلكتها السياسية.

تأسيسًا على ما تقدم، وطلبًا للمساهمة في نقاش المشهد السياسي الحالي،من المفيد الإدلاء بدلوٍ في "بئر" عدد من العناوين الآتية.

ماذا عن سوريا:
البدء من الموقف من تطورات الوضع السوري يفرضه الجوار الجغرافي والتداخل السياسي، وتمليه المصلحة اللبنانية، المباشرة والمستقبلية.

جديد الموقف اللبناني، يجد أرضه الموضوعية في المآل الذي صار إليه الوضع السوري، وبالتحديد، مآل الحركة الشعبية السورية، التي بدأت من مكان، وانتهت في مكان آخر. التدقيق الجديد لن يجد المعارضة التي دعمها صفٌّ واسع من اللبنانيين، ولن يجد الديمقراطية والحرية التي نادى بها الشعب السوري، لذلك بات السؤال الجديد حول سوريا الكيان، بعد أن اهتزت أركانه، وبعد أن "توزّعت" جغرافيته السياسية بين نفوذ القوى المتدخلة.

الشعار اللبناني الأقرب إلى مصلحة استقرار لبنان، هو شعار وقف الحرب الأهلية في سوريا، ومطالبة القوى المنخرطة اليوم في مسار تسووي، بجعل انفتاحها على النظام مفتاحاً لتلبية عدد من المطالب التي كانت في أساس انطلاق حركة المعارضة الشعبية السلمية الأولى.

ماذا عن إيران:
لقد ظهر لكل متابع هادئ، أن شعار سياسة حسن الجوار هو الأقرب والأنسب إلى موضوع العلاقة العربية الإيرانية.

خطاب الجوار ينطوي على جملة المصالح المتبادلة للمتجاورين، لذلك يصير السؤال، ما هي المصالح المتقاطعة والمشتركة بين إيران ودول الخليج العربي أولاً، وبينها وبين سائر البلاد العربية ثانياً. المتابعة اللبنانية في هذا المجال، هي متابعة داخلية أيضاً لارتباط كتلة من اللبنانيين بالخطاب الإيراني، والتحالف معه في سياسته الإقليمية والدولية. في هذا المجال، يسقط تلقائياً الكلام عن "العدو الإيراني"، ويتبعه سقوطاً، "البرنامج" السياسي المبني على حال العداء السياسي، الذي لا أساس إيرانياً له، بل يقوم، أي العداء، على التوجه إلى فريق لبناني داخلي، يقف على ضفة من ضفاف الانقسام اللبناني. هذا الوضع، يستدعي الاستطراد من سؤال ماذا عن إيران، إلى سؤال ماذا عن المقاومة في لبنان، أي ماذا عن حزب الله وعن الشيعية السياسية عموماً.

سؤال المقاومة:
الإلحاح على العودة بالسؤال إلى أصله، ليس أمراً شكليّاً. الموضوع الأساسي هو سؤال ماذا عن لبنان والصراع العربي الإسرائيلي. إذن أصل السؤال "عربي" عام، استقى مادته من أوضاع عربية قائمة، تمحورت حول مسألة فلسطين، وحول مسألة العدوانية الصهيونية وخطرها التي يطال كل البلاد العربية. خوض غمار قراءة الجديد في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، مهمة مطلوبة، ومن يقدم على ذلك سيجد في حوزته تبدلات جديدة، ومدخلات متعرجة، عديدة، لكن الثابت الوحيد سيظل سؤال: ماذا عن الحقّ الفلسطيني، أقلّه في الصيغة المعتمدة على صعيد فلسطيني رسمي، وماذا عن العدوانية الإسرائيلية، فهل باتت هذه الأخيرة من الماضي؟ لن يأتي الجواب الموضوعي بنفي الخطر الإسرائيلي على لبنان، وهذا يعني أن مهمة حفظ الأمن الوطني اللبناني ما زالت مهمة مستدامة. لكن هل يعني ذلك أن درء الخطر المستدام سيظل في صيغة المقاومة الحالية؟ أم أن برنامجاً دفاعياً آخر بات مطلوباً بعدما تحقق إنجاز تحرير الأرض المحتلة. الجواب الموضوعي، سيكون بإعادة تنظيم الحالة الدفاعية، وفقاً للجديد التحريري، ووفاقاً مع المصلحة اللبنانية العليا، التي تجعل مهمة الدفاع عن الأرض مهمة وطنية جامعة، تتولاها "الدولة"، من ضمن مسؤولياتها السياسية. كيف يحصل ذلك؟ هذا موضوع نقاش، أساسه السياسي ثابت، ووسائل تنفيذه مرنة ومفتوحة.

استنتاج معياري
العناوين الثلاثة التي ذكرت، تشكل مادة خلاف بين اللبنانيين، وحولها تتشكل محاور سجالية يرى أطرافها "بعين" الخصومة السياسية المتبادلة. الثبات على المواقف الداخلية، ما زال مرتبطاً بثبات الانتماء إلى المواقف الخارجية التي يستلهمها هذا "الداخل" أو ذاك، لذلك قلنا "بالمقياس" المصلحي الوطني اللبناني، الذي يطلب التمايز عن السائد الخطابي، استناداً إلى مرجعية "نظرية" سياسية يجري البناء عليها.

يقدم السياق مسألة الاستقرار اللبناني على ما عداه، ففي ظلّ الاستقرار يمكن التأسيس لكل الكلام التسووي اللاحق، ويمكن التأسيس أيضاً، لنهوض اقتصادي يشكل ضرورة بقاء للوطن وللمواطنين.

الاستقرار تلازمه لغة معيارية مستقلة ومستقرّة. على هذا الصعيد ما المرجعية القياسية لكل كلام؟ وأي مصالح لبنانية تقود بوصلتها؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها