الجمعة 2023/03/03

آخر تحديث: 11:04 (بيروت)

جولة من حرب داخلية من دون بنادق!

الجمعة 2023/03/03
جولة من حرب داخلية من دون بنادق!
إعادة لبنان أكثر من مئة سنة إلى الوراء (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم يعرف تاريخ لبنان فترات استقرار طويلة، حياة قبائله الطائفية أو شعوبه المذهبية المتنوعة تنقلت على الدوام بين الحروب والأزمات.

الثابت في ماضيه، إضافة إلى الغزوات التي تركت تواريخها وآثارها المنقوشة على صخور نهر الكلب، أن أغلب المحن والأزمات كانت دموية وتخاض بحد السيف وقذائف المدافع ورصاص البنادق وسفك الدماء.

هكذا كانت الحال في القرون الماضية، وصولاً إلى مطلع القرن العشرين، الذي شهد مع بداياته ولادة الدولة الجديدة على يد القابلة الفرنسية 1920.

الجمهورية الأولى انطلقت من الاستقلال عام 1943 وشهدت أولى الخضات الدموية، حيث لعلع الرصاص في كل الاتجاهات عام 1958، وقد حركها وأجّجها يومها طموح الرئيس كميل شمعون في التجديد، بالتقاطع والتوازي مع دفع وهج من حلف بغداد.

الجمهورية الأولى اهتزت وتعثرت مراراً، لتسقط بشكل نهائي عام 1975، مع تنامي دور وضغط عامل السلاح الفلسطيني، بالترافق مع الثغرات والحفر الداخلية.

استمرت الحرب الاهلية بمراحلها المتعددة 15 سنة، مع ما تخللته من جولات ومعارك وصولاً إلى اتفاق الطائف، الذي وضع حداً للرصاص والمدافع وكل صنوف العنف العسكري الدموي.

تمتع لبنان بعيش هدنة إعمارية هانئة وحيوية نوعا ما وواعدة، استمرت أيضاً 15 سنة بين 1990 و2005 بقيادة الحالم والمغامر الصيداوي رفيق الحريري، لكنها سقطت وأطيح بها مع اغتياله، بعد أن قاد بنجاح مشروع إعادة اعمار لبنان وإعادته إلى سابق ازدهاره.

منذ اغتيال الحريري ولبنان يتنقل من جولة إلى أخرى في محنته الداخلية الجديدة في القرن الـ21.

الجمهورية الثانية التي أرخ بدايتها إنجاز اتفاق الطائف، سقطت مع اغتيال أحد كبار مهندسيه ودافعيه، أي الحريري، ثم تنوع الحال في هذه المحنة الجديدة، في التنقل بين جولات التظاهرات والاغتيالات والتصفيات والمتفجرات والعبوات، التي انطلقت مع اغتيال الحريري، لتدخل بعد ذلك إسرائيل بعدوانها 2006 في حرب مستقطعة، لتعود وتتبعها موجة التظاهرات والاعتصامات والعراضات المسلحة مروراً بالاعتصام المركزي في وسط بيروت التجاري، بقيادة حزب الله والأطراف المنضوية تحت جلبابه، وصولاً إلى حدث السابع من أيار الجلل والدموي 2008، حيث بدل حزب الله، القوة العسكرية والأمنية والسياسية الأقوى في لبنان المرعية والمدعومة من ايران، وجهة وطريقة استخدام سلاحه تحت شعار: "السلاح يحمي السلاح".

كان حدث السابع من أيار 2008، وما تبعه وما نتج عنه عبر اتفاق الدوحة، حدثاً كبيراً جداً ومفصلياً، في سياق الأحداث اللبنانية السياسية والأمنية، والسبب أنه كسر محرمة استخدام السلاح من قبل طرف داخلي قوي ومسلح، في مواجهة خصومة أطراف داخلية مقابِلة، للمرة الأولى بعد توقف إطلاق النار جراء الحرب الاهلية.

عملياً، كرس حدث السابع من أيار واتفاق الدوحة بداية مرحلة جديدة في لبنان، حيث بدأ يدخل على تطبيق اتفاق الطائف وهج وتأثير وترهيب السلاح الداخلي.

المرحلة الأولى من التطبيق المشوه والمنقوص لاتفاق الطائف، كانت في ظل الوجود العسكري والأمني السوري. ويمكن القول إن المرحلة الثانية لتطبيق اتفاق ودستور الطائف أي الجمهورية الثانية، كانت في ظل وهج سلاح حزب الله، الذي كرس وحسم وجوده ودوره وقوة رأيه في السابع من أيار "المجيد"، على حد وصف السيد حسن نصرالله.

في هذا السياق، حديث يطول عن الظواهر النابتة، والسوابق المستحدثة، لكن هذه المرحلة انتهت عبر انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول 2019 المدنية، حيث دخل لبنان في جولة جديدة من المحنة أو الحرب الداخلية من دون رصاص بنادق أو قذائف مدفعية.

كان لنجاح تجربة الثنائي المدمر ميشال عون وجبران باسيل اليد الطولى في التحضير لهذا التحول الكبير.

لقد تمكن عون- باسيل في ست سنوات حكمهما الميمون برعاية وحماية وتسلط السلاح "الطاهر"، من إعادة لبنان أكثر من مئة سنة إلى الوراء، باعتبار أن امتياز انتاج الكهرباء من السلطنة العثمانية أعطي لشركة "غاز بيروت" عام 1909، لكن حكم الثنائي الناجح عون باسيل تمكن بجدارة من إعاد لبنان إلى العتمة الشاملة، بعد أن حاولت السلطنة العثمانية إنارة بيروت بداية القرن الماضي، وكل ذلك تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين، لينتهي الأمر إلى انتهاك وضياع حقوق كل اللبنانيين.

وإذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية بفصولها الدموية والعسكرية قد انطلقت شرارتها مع إطلاق الرصاص على بوسطة عين الرمانة الشهيرة، فإن الحرب الأهلية الجديدة الدائرة حالياً، لكن من دون مدافع أو بنادق حتى الآن، انطلقت شرارتها هذه المرة مع ضريبة الواتساب المعروفة، التي اقترحها وزير الاتصالات "المبتكر" في حكومة سعد الحريري، الذائع الصيت محمد شقير.

الجولة الأولى من الحرب الاقتصادية الأهلية الجديدة كانت بقيادة قائد سرايا أساتذة الجامعة الأميركية البرفسور الدكتور حسان دياب صاحب كتاب الإنجازات الأثقل وزناً والأكثر كلفة في تاريخ الوزراء ورؤساء الحكومات.

لم يصمد حسان دياب كثيراً في قيادة محور الإفلاس المالي عبر ابتداع أسلوب دعم السلع الغذائية وبعض الأدوية، الذي أطلقه مع وزير اقتصاده المبتكر الآخر راوول نعمة. إذ سرعان ما سقط بضربة قاضية بعد الدوي والتأثير الهائل لجريمة انفجار زلزال القرن في مرفأ بيروت.

لن يبوح حسان دياب باسم صاحب النفوذ الذي اتصل به ونصحه بعدم زيارة العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت ساعات قبل الانفجار، وهو العنبر الذي احتوى على أطنان وأكياس نيترات الأمونيوم، لكنه سرعان ما سلم زمام الأمور وأمرة قوات النهب المقونن، إلى المشرف العام على كل الجبهات المالية والنقدية والاقتصادية، زعيم حرب العصابات المالية الأول، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتناوب والتنسيق مع جمعية الأشرار الأخرى المدعوة جمعية المصارف.

منذ ذلك اليوم الذي خرج فيه القائد الدكتور دياب من السراي الكبير وسط صيحات منشد حزب الله علي بركات "نحنا رجالك يا حسان"، والشعب اللبناني يتعرض لجولات من الحرب الأهلية الجديدة من دون استخدام المدافع والبنادق، بل تحت وطأة زخات ارتفاع أسعار الدولار القاتل والسلع الغذائية المدولرة. وإذا كانت نشرات الأخبار سابقاً تبدأ عناوينها بعدد القذائف والقتلى والجرحى جراء معارك المحاور والجبهات القتالية على الأرض اللبنانية، فإن المتابع لأخبار هذه الأيام ما عليه إلا استبدال الأحاديث عن القذائف والصواريخ بحديث ارتفاع الأسعار للسلع الغذائية وربطة الخبز وصفيحة البنزين وعلب حليب الأطفال المفقود ودواء مرضى السرطان النادر.

باختصار، إنها جولات حرب أهلية جديدة لكن من دون مدافع وموجات تقاصف وقتل مواطنين، ليس بين المنطقتين الشرقية والغربية، كما كان سابقاً. بل إنها حرب تسفك فيها دماء كل الشعب اللبناني وتنتهك حياته وتزهق أرواح مواطنيه، على أبواب المصارف بدل الحواجز المسلحة، ونقاط التفتيش والتدقيق الإجرامية والميليشياوية الشرهة في التعاونيات والمتاجر ومحطات البنزين على نصلي الدولار والليرة.

ترى، هل سينتخب رئيس جديد للجمهورية، لنحظى كما كان يحدث، بهدنة بين جولات معارك الدولار والليرة؟ أم ستبقى المذبحة الجارية بحق المواطنين، مستمرة من دون توقف؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها