الأحد 2023/03/19

آخر تحديث: 16:08 (بيروت)

النقابة تحاول لجم "فلتان" المحامين إعلامياً.. وعبر وسائل التواصل!

الأحد 2023/03/19
النقابة تحاول لجم "فلتان" المحامين إعلامياً.. وعبر وسائل التواصل!
منع المحامين من النقاش بشؤون قانونية على وسائل التواصل الاجتماعي (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لا يُخفي أي محام حاجته المُلحّة لعرض قضاياه الكُبرى أمام الشأن العام، في اللحظة التي يلتمس فيها أن أهدافاً سياسية أو مساع أخرى تعمل على تضليل الحقيقة، أو منع تحقيق العدالة. حينها، قد يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لعرض الوقائع هادفاً إلى تحريك الرأي العام.

هذا الأمر تحديداً دفع بنقيب المحامين، ناضر كسبار، إلى تعديل بعض المواد على نظام آداب المهنة، في محاولة لضبط الظهورالإعلامي للمحامين وتقييد نشاطهم عبر وسائط التواصل. واعتبرها بعض المحامين أنها محاولة مباشرة لكمّ أفواههم وقمع حريتهم في التعبير. فما حقيقة هذا الجدل الحاصل؟

تعديل وتوضيح
صباح يوم الجمعة، 17 آذار، عدّلت نقابة المحامين بعض المواد المتعلّقة بظهور المحامي على وسائل الإعلام. وقضى التعديل بمنع أي محام من استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام والإعلان والاتصالات، المرئية والمسموعة والمقروءة، وجميع أنواع وسائل التواصل الاجتماعي كمنبر للكلام عن الدعاوى، أو لمناقشة الدعاوى العالقة أمام القضاء، قبل إذن مسبق من نقيب المحامين، ناضر كسبار.

توضيحاً لما عرضناه، شدّد كسبار لـ"المدن" على أن المواد لم تتغير، إنما اكتفى بتعديل مادة واحدة فقط وبتوضيح أخرى.

ففي الفصل الخامس من النظام الداخلي لآداب المحامي، المتعلق بعلاقته مع وسائل الإعلام، تنص المادة 39: "على المحامي أن يمتنع عن استخدام أي وسيلة من وسائل الإعلام والإعلان والاتصالات، المرئية والمسموعة والمقروءة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع والصفحات والشبكات الالكترونية على أنواعها، كمنبر للكلام أو البحث أو المناقشة في الدعاوى والقضايا العالقة أمام القضاء.. يُستثنى من ذلك القضايا الكبرى التي تهمّ المجتمع بعد أخذ موافقة النقيب".

وهنا يوضّح كسبار بأن هذه المادة لم تتغيّر ولم تُعدّل، ولا تزال على حالها منذ الثامن من شباط عام 2002. ولكنه عمد إلى تذكير المحامين بشروطها التي تمنع المحامي من استعمال وسائل التواصل الاجتماعي للبحث في قضاياه، باستثناء القضايا الكبرى التي تتطلب الحصول على إذن مسبق من النقيب.

ولكن ما هي القضايا الكبرى؟ وما هي المعايير الأساسية لتمييز القضايا الكبرى من القضايا الصغرى؟

لا يزال الجدل قائماً في تصنيف القضايا الكبرى وتمييزها عن الصغرى. وعليه، تُصنَّف تقديرياً، حسب كسبار. ما يعني أن أي قضية تهمّ الشأن العام تُصنف من القضايا الكبرى، كقضية اغتيال رفيق الحريري، تفجير المرفأ، ملف المودعين والمصارف وغيرها..

ويشرح قائلاً أن التعديل طال كلمة واحدة فقط في المادة 41، حيث جرى تبديل كلمة "يُستحسن" بكلمة "يستحصل" في الجملة المذكورة. فتحولت جملة "يستحسن على المحامي أخذ إذن مسبق من النقيب للاشتراك في ندوة أو مقابلة ذات طابع قانوني.." إلى جملة "على المحامي أن يستحصل على إذن مسبق من النقيب للاشتراك في مقابلة أو ندوة تنظمها وسائل الإعلام.. على أن يحدد في طلبه زمانها وموضوعها واسم الوسيلة".

معالجة الفوضى
وحسب كسبار فإن القانون لم يتغير، وما يتم تداوله عبر الإعلام ليس دقيقاً. فالنقابة تعمل على حماية المحامين والدفاع عنهم، ولا رغبة لها بقمع حرياتهم، ولكنه إجراء يهدف لضبط الفوضى التي حصلت في الآونة الأخيرة، المتمثلة بالظهور الإعلامي المتكرر للمحامين بطرق غير منظمة، حيث يظهر المحامي عدة مرات خلال اليوم الواحد على البرامج التلفزيونية. وبدورها تجمع بعض البرامج التلفزيونية مجموعة من المحامين في حلقة واحدة فيتقاذفون التهم. وقد تصل الأمور إلى حدّ تبادل الشتائم. وهو الأمر المرفوض حتماً في النقابة!

أيضاً قام بعض المحامين بالمشاركة في بعض المجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي، وقدموا فيها الاستشارات القانونية، وعرضوا التفاصيل المتعلقة بقضايا لا تزال قيد النظر داخل القضاء اللبناني.

واعتبر كسبار أن الإذن المسبق سيعالج هذا الأمر، فقد قام يوم السبت بالسماح لمجموعة من المحامين بالظهور على البرامج التلفزيونية لمناقشة مجموعة من القضايا الكبرى.

هذا وكان كسبار قد أكد أن بعض المحامين قاموا بتفعيل حسابات لهم على "تيك توك" بهدف تقديم الاستشارات القانونية وتبادل الآراء القانونية مع المواطنين. الأمر الذي اعتبره النقيب مخالفاً للقانون. إذ يُمنع على المحامي تقديم الاستشارات القانونية بشكل علني أو إبداء الرأي في أي قضية غير منسوبة إليه. وشدد على أن التعديل القاضي بمنع المحامين من وضع الشعار الخاص بنقابة المحامين، أتى بعدما قامت الجمعيات والمؤسسات باستخدام هذا الشعار، ما يدل على أن قراراتها وبياناتها منسوبة إلى النقابة!

وتابع كسبار، أن بعض المحامين يستعملون ألقاباً ممنوعة من التداول، على سبيل المثال "خبير في قضايا المصارف، خبير في العلاقات الدولية.."، غير أن القانون حدّد الألقاب المسموحة فقط وهي "المحامي، النقيب، النقيب السابق، الدكتور في الحقوق".

ورداً على سؤال "المدن" عن العقوبات التي ستطال المحامي الذي لن يلتزم في هذه التعديلات، أجاب كسبار "الإجراءات سيحددها النقيب. وقد تكون على هيئة إنذار شفهي أو خطي أو تحويل المحامي إلى المجلس التأديبي..".

قمع الحريات؟
من جهة أخرى، اعتبر المحامي جاد طعمه، رئيس اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، في حديثه لـ"المدن" أن هناك تعديلات جذرية أضيفت على موادٍ نعترض على وجودها أساساً، تمثلت بمنع المحامين من النقاش بشؤون قانونية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنع انتقاد أداء أعضاء المجلس خلال فترة الانتخابات، إضافة لمنع وضع شعار النقابة على المستندات. والأهم من ذلك، فرض الحصول على إذن مسبق عند تقديم أي رأي قانوني للإعلام، حتى لو كان ذلك في قضية تحمل طابع الشأن العام أو تهم المواطنين. الأمر الذي يشكل تقويضاً لحريات المحامين الذين يواجهون الفساد في الدولة بمختلف إداراتها.

ولا ينكر طعمة وجود تفلت إعلامي واضح على بعض المواقع، مثل التيك توك، ومحاولة البعض استغلال الإعلام للقيام بالترويج لنفسه. علماً أنه مخالف للقانون. ولكن الخطورة تكمن في غموض النص وشموله الجميع من دون تمييز واضح، معتبراً أن ضبط الفوضى المتعلقة بهيبة المهنة والمنتسبين إليها واجبة، ويمكن تحقيقها، من دون اللجوء لأي تعديلات على الأنظمة.

كما أوضح طعمة لـ"المدن" أن مجلس النقابة لا يستطيع أن يقدم لنفسه صلاحيات مطلقة، بما يخالف أحكام الدستور اللبناني والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان، ولا يجب أن تعكس نقابة الحريات صورة قمع المحامين وتقويض حرياتهم، فمهنة المحاماة تتطلب الحرية، ودور النقابة يتمحور في تنظيم المهنة وتحسين ظروف ممارستها، لا في جعل المحامي أقل من المواطن العادي في ممارسة الحقوق الأساسية اللصيقة بشخصه.

بيد أن هناك أموراً أكثر أهمية على سبيل المثال: الأمن الصحي والأمن المهني، في ظل تفشي ظاهرة هجرة المحامين وإقفال مكاتبهم. فالظهور الإعلامي ليس أولوية في نظر الكثيرين من أعضاء الجسم المهني.

وهنا شدد طعمة على أن ما ذكره لا يعني الإبقاء على حالة الانفلات، غير أن الرقابة على المحامي لا بد وأن تكون رقابة لاحقة وليست رقابة مسبقة.

لا تزال هذه التعديلات مثار جدل واسع بين المحامين. فتوزعت الآراء بين معارضين طالبوا النقابة بالتراجع عن قرارها وقرروا الطعن فيه، وبين مؤيدين اعتبروا أن هذا الإجراء طبيعي، فالنقيب لن يرفض أي إذن وسيعطي الحق للجميع في الكلام، فلا داعي للخوف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها