ففي أحد الاجتماعات التي عقدها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مع كوادر المقاومة، كان واضحاً في موقفه بأن هناك اتجاهاً إلى مرحلة جديدة على مستوى المنطقة، من خلال التكامل مع كل مكونات محور المقاومة. ويشير نصرالله إلى أن ما يجري يتجاوز مسألة الصراع السنّي الشيعي. يؤكد نصرالله في اللقاءات الداخلية أنه لا بد للحزب أن يكون واقعياً، والاعتراف بنقاط القوة والضعف. معتبراً أن الضغط الذي يتعرض له الحزب وبيئته هو ضغط كبير جداً من الناحية الاقتصادية، ويهدف إلى تقطيع أوصال محور المقاومة، وتحقيق الفصل بين حزب الله وسوريا، والفصل مع العراق. كما لا يخفي مسألة احتمال اندلاع معركة أو مواجهة عسكرية مع اسرائيل في أي وقت، خصوصاً بهذه المرحلة التي يجد الإسرائيليون أنفسهم في أزمات متوالية قد يصدرونها إلى الخارج.
وقائع سوداوية
من هنا يمكن قراءة موقف الثنائي الشيعي، الذي يعتبر نفسه أنه بحاجة إلى تحصين موقعه سياسياً في المعادلة، سواء بترشيح فرنجية، أو إن أفضت الظروف إلى البحث عن مرشح آخر، فلا بد من توفر ضمانات للثنائي. هنا أيضاً لا بد من الإشارة إلى أن خوض رئيس مجلس النواب نبيه برّي لمعركة ترشيح سليمان فرنجية، تنطوي على مقدمات تتعلق بما يعتبره الرجل حفاظاً على الطائف والسعي لإعادة العلاقات مع دول الخليج. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإن برّي بذلك يصدّ هجوماً غير معلن يتعرض له، وهي معركة مفتوحة يعتبر نفسه يخوضها منذ اندلاع ثورة 17 تشرين.
بالنظر إلى موقف أمين عام حزب الله من ارتفاع منسوب الضغوط المالية والاقتصادية، فهذا لا يمكن فصله عن تطورات عديدة على الساحة، من عودة المصارف إلى الإضراب، وتوقف بعضها عن العمل بمنصة صيرفة، وصولاً إلى حد تسريب خبر عن إفلاس المصارف. وهذا مسار سيزداد سوداوية في الأيام المقبلة، كلما اقترب موعد انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي، الذي يقوم ببهلوانياته مجدداً ليبقي مبلغاً معيناً في الاحتياطي الإلزامي لديه. علماً أن قراءات لمسؤولين وديبلوماسيين تتنبأ على أنه مع نهاية ولاية سلامة فإن الظروف المالية والاقتصادية ستتدهور إلى حدود بعيدة. وعندها سيكون الانهيار الكبير، لأنه لن يكون أحد قادراً على التدخل في السوق أو على التلاعب للتخفيف من حدة ارتفاع سعر صرف الدولار.
هنا ثمة من يعتبر أن الحكومة غير قادرة على القيام بأي إجراء جدي، وبعض المتحاملين على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يقولون إنه لم يعد مهتماً، طالما أنه فقد الأمل في العودة إلى رئاسة الحكومة. فيما هناك من يعتبر أنه غير متحمس، لأن لا أحد قادر على القيام بأي إصلاح أو إنقاذ.
الفشل المسيحي أيضاً
سياسياً أيضاً، لا تبدو القوى المسيحية متفقة مع بعضها البعض، فلا اجتماع بكركي قد نجح، ولا مساعي التواصل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني قد نجحت، فيما تخرج بعض المواقف للتعبير عن رفض النقاش والحوار مع "الطرف الآخر"، أي مع حزب الله، خصوصاً بعد ترشيح فرنجية. وهذا سيضع البلاد أمام فوهة بركان، لا أحد يعلم متى ينفجر، وكيف السبيل إلى إطفائه. وإلى أن تتوفر ظروف الجلوس على الطاولة بحثاً عن صيغة حل أو تسوية، فإن حزب الله سيبقى على موقفه في ترشيح فرنجية إلى جانب رئيس مجلس النواب، بينما الآخرون يلتزمون مسألة تعطيل الجلسات. علماً أن لا أحد من الطرفين قادر على إنتاج الرئيس من دون توافق ومن دون استقطاب كتل نيابية من الجانب الآخر.
ينطوي المشهد على أزمة طويلة وبعيدة المدى، ستكون نسبة الخطورة فيها مرتفعة، ما لم تتحقق معجزة تنتج تسوية من شأنها نقل البلاد من تداع متسارع إلى مرحلة الحد من هذا التدهور.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها