بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نظم النادي الثقافي العربي يوم الأربعاء 15 شباط ندوة بعنوان "رفيق الحريري ولبنان الغد". وفي وقت يمرّ لبنان بمرحلة انهيار تؤسس لـ"لبنان جديد"، أتت الندوة لتقول أن هذا الـ"لبنان" هو نفسه المشروع الذي اغتيل الحريري عندما حاول بناءه، "مشروع الدولة" الذي يمر عبر اتفاق الطائف وبنودِه "القاتلة" والتي "قتلت" رفيق الحريري، وذلك باعترافه، وفق ما روى الوزير السابق مروان حمادة!
وأهمية الندوة تأتي على مستويين اثنين. المستوى الأول هو حمله بُعداً "عربياً" مع كلمة للأمين العام السابق للجامعة العربية، الدكتور عمرو موسى، وطيف المملكة العربية السعودية، الذي كان حاضراً بحضور "اتفاق الطائف". أما المستوى الثاني، فهو توقيت الندوة، الذي يتقاطع مع جولة سفراء وممثلي "الاجتماع الخماسي" ومن بينهم السعودية، على الأطراف السياسية اللبنانية المعنية بالأزمة اللبنانية.
لبنان بين "أمس" الحريري و"حاضر" غيابه
الندوة التي حظيت بحضور سياسي واسع، سيما لشخصيات كانت في طليعة ما كان يعرف بقوى 14 آذار، وعلى رأسهم الوزير فؤاد السنيورة، النائب ملحم رياشي، الرئيس أمين الجميل، النائب مصطفى علوش، الوزيرة السابقة ريا الحسن، وغيرهم، حضرته كذلك شخصيات عربية.
واستهلّ اللقاء بعرض فيديو وثائقي عن الشهيد رفيق الحريري، فيديو أرسى مقارنة بين لبنان "المزدهر" في زمن رفيق، ولبنان "المنحدر" بانهيار مستمر بعد اغتيال رفيق، وكأن اغتيال الرجل، لم يكن اغتيالاً لمشروعه وحسب، بل اغتيال للبنان برمته.
أما فحوى مقدمة الندوة، فجاء ليكمل سردية الوثائقي. إذ "منذ عودة رفيق الحريري للبنان، كان الإنجاز رغم الاستعصاء، حتى انطفأت المنارة باغتياله، فعادت العتمة والميليشيات، لكن ببزات رسمية". ومع هذا، "سيبقى لبنان"، أما المخاض الذي تعيشه البلاد اليوم، إنما هو "بناء للبنان الغد كما أراده رفيق لبنان".
رفيق الحريري ولبنان الجديد
هذا وجاءت كلمات المتحدثين في غالبها انطلاقاً من هذه المقدمة، وخدمة لها، فيما لم يأت ذكر حزب الله بالمباشر فيما خص السلاح غير الشرعي الذي منع قيام الدولة، بل استعيض عنه بـ"الدويلات".
وبعد مرور 18 عاماً على اغتيال الحريري، أتت الندوة لتقول أن مشروع الحريري الذي أنهى باتفاق الطائف حقبة الحرب، وبدأ حقبة الإعمار "مكمّل". ليتساوى "لبنان الغد" الذي سعى رفيق لتحقيقه، و"لبنان الجديد" الذي لا مفرّ من ولادته بعد انهيار. أكثر من ذلك، سعت الندوة للقول أن الحريري كان سباقاً في العمل على هذا الـ"لبنان".
أولى المتحدثين كانت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى بعاصيري السنيورة، والتي أكدت على ولادة "لبنان جديد" من رحم العزائم. وأثنت على رؤية رفيق الحريري "للبنان الغد التي تحمّل أثقالها وتبعاتها وصولاً للشهادة".
وحظيت حصة لبنان بمحيطه العربيّ بأهمية كبيرة، فالعبور "للبنان الغد"، لا يكون وفق بعاصيري إلا بانتماء لبنان لمحيطه العربي وتنفيذ اتفاق الطائف وبنوده الإصلاحية، وصولاً للدولة المدنية.
أما "الدويلات" والسلاح والمافيا، فلخصتها بعاصيري، بالتركيز على استعادة الدولة حقها بسط سيادتها الكاملة على أراضيها.
اتفاق الطائف هو الأصل
النائب السابق مروان حمادة بدوره، غمز من قناة الوصاية السورية وحقبة "المجرم صاحب الرؤية" أي حافظ الأسد، و"المجرم فاقد الرؤية" أي بشار، متحدثاً عن آخر "حكومات الإذعان" قبل التمديد للرئيس إميل لحود عام 2003، مستذكراً مراجعته ورفيق الحريري على متن الطائرة "البيان الوزاريّ" لتلك الحكومة، يوم "مزّق الحريري ورقة من مسودة البيان. وعندما سألته عن سبب تصرفه الغريب أجابني، "بدك تقتلنا يا مروان؟"، في إشارة إلى خطورة ذكر اتفاق الطائف وتطبيق بنوده "القاتلة".
حمادة تسلّح بهذه الحادثة، للقول بأن "قتلة الحريري معروفون، وسينبذهم المستقبل". معتبراً أن المستهدف يومها لم يكن رفيق الشخص وحسب، بل مشروع رفيق، ولبنان الوطن. فرفيق برأيه أرسى "نموذجاً حقيقياً عن لبنان، نموذج لم تكتمل فصوله".
بنود الطائف "القاتلة"، فندها السفير سيمون كرم، داعياً "لاعتصام اللبنانيين حول اتفاق الطائف" والتشدد بـ"وحدة البلاد" مقابل المرونة حيال "مركزية الدولة" التي تحتضر اليوم بسبب "ازدواجية إداراتها كنتيجة لحدة العامل الطائفي".
وإذ دعى لاستلهام اللامركزية الإدارية من اتفاق الطائف والتكامل الاقتصادي اللبناني وإنشاء المجالس المحلية وفق قوانين انتخاب نسبية واضحة، رأى أن الوصول لإقرار مجلس شيوخ، قد يأخذنا بدوره لانتخاب مجلس نواب من خارج القيد الطائفي، في إشارة لإلغاء الطائفية السياسية، كأحد أبرز إصلاحات الطائف، منوهاً الى "إمكانية المداورة بين الرئاسات طائفياً".
أما الوزير السابق ابراهيم شمس الدين فلمّح إلى "حرب على الطائف نفسه"، منوهاً إلى أنها باتت علنية. وعن الانهيار الحالي، استعان بمقولة للحريري عن "أحياء يرزقون" في السلطة اليوم، قال عنهم رفيق في حديث معه يوماً "هؤلاء المجانين سيأكلون الكعكة كلها، لن يدعوا منها شيئاً للخبز".
رفيق الحريري و"شرق أوسط جديد"
أما الحاضر الأبرز، وزير خارجية مصر الأسبق، وأمين عام الجامعة العربية السابق، عمرو موسى، والمعاصر لحقبات حكم لبنانية وعربية عديدة، والمعاصر كذلك لرفيق الحريري، فانطلق في حديثه منوهاً إلى "حنكة رفيق الحريري التي خولته استشراف مستقبل منطقة الشرق الأوسط وما للمنطقة العربية، والتي تتعرض قواعد السياسة الدولية فيها اليوم إلى صياغات جديدة".
موسى الذي يدعم فكرة "تجمع عربي" تحت طرح استراتيجي رصين يطلق مفاوضات مضنية لكن "ضرورية"، رأى أن جميع تحولات المنطقة وملفاتها وإرهاصاتها التي نعيشها اليوم، أحاط بها الحريري.
إذ كان رفيق الحريري يرفض مقولة "لا ناقة لنا ولا جمل"، فكل ما حولنا يتأثر فينا ونتأثر به "ولنا ناقة" في كل ما يحدث، ويجب أن نعمل على أن يكون الأمر كذلك. هذا "التحليل السليم للحريري، يؤكد نجاعته، ما نعيشه اليوم من تطورات قد تبعد عنا آلاف الأميال لكنها تؤثر في أمننا واستقرارنا، بل تضر بنا أكثر مما كنا نتصور".
حان الوقت كي نصوغ نظاماً إقليمياً تنعم فيه جميع دول المنطقة بسلام، يقول موسى، مشيراً إلى أن رفيق الحريري لطالما حلم بأن يكون لبنان منطلقاً للثقافة والأدب في هذه المنطقة، قبل أن تتحول أحلامه إلى كوابيس يعاني منها اللبنانيون اليوم، فيما الكثيرون من ساسة بلادهم، بقوا على ما دأبوا عليه مفضلين مصالحهم على وطنهم ومصالحه العليا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها