الجمعة 2023/02/10

آخر تحديث: 10:58 (بيروت)

من رعب الزلازل إلى ملاعب القناصل

الجمعة 2023/02/10
من رعب الزلازل إلى ملاعب القناصل
نجا لبنان في الأيام الماضية من زلزالين، الأول طبيعي والآخر قضائي (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

لعب الحظ لعبته، وخدم هذه المرة لبنان، الذي كان خارج مركز الزلزال المدمر، الذي أصاب منطقة شرقي المتوسط وألحق دماراً هائلاً في كل من سوريا وتركيا. فالصدفة هي التي خدمت لبنان، بنجاته من الكارثة الطبيعية حتى الآن. كما أن الاستدراك المستجد، من قبل مراكز القوى والنفوذ السياسية المسيطرة على التركيبة القضائية اللبنانية، ساهم أيضاً في تجنيب لبنان مرة أخرى تداعيات الزلزال الذي سبق وانطلق من العدلية، بفعل قرارات المحقق العدلي طارق البيطار، والرد عليه من محور غسان عويدات ومن ناصره من مراكز القوى الأخرى الممسكة بمفاصل المزرعة اللبنانية.

كان للخطوة التراجعية "البيطارية" عبر تأجيل الاستدعاءات وقع إيجابي وتأجيل للانفجار وتطويل لفتيل القنبلة.

جوهر الأمر، أن ما جرى، هو إعادة احتساب الحسابات واستعراض السيناريوهات من قبل كل المحاور المتصارعة حول حطام الجمهورية المفككة الاوصال.

عملياً، نجا لبنان في الأيام الماضية من زلزالين، الأول طبيعي والآخر قضائي.

لا حاجة للحديث عن حال لبنان فيما لو أصابه الزلزال كما جارتيه سوريا وتركيا، نتيجة واقع الحال ونتيجة ضعف الإمكانيات اللوجستية، وغياب الاستعدادات وانعدام القدرة على المبادرة والإنقاذ، لأسباب معروفة ما من داع لشرحها.

في الجهة المقابلة، فإن الاتصالات والضغوط والشروح التي جرت خلال الأيام الماضية بعيداً عن الأضواء، إضافة إلى الحاسبات الآلية والذهنية التي أُعيد تشغيلها بعد تزويدها بالمعطيات، دفعت بأطراف النزاع القضائي لإعادة ترتيب الأمور، وتجميد الخطوات التي كان يمكن ان تنطلق لو مضى المحقق العدلي في توجهاته التي كان أعلن عنها.

لو أن القاضي بيطار نفذ خطواته التي كان أعلنها، لكانت البهدلة والشرشحة القضائية والمؤسساتية ستزداد وتكبر أضعافاً مضاعفة عن ما جرى قبل أسبوع. إذ أن القوى الأمنية كانت ستقع في حيرة وتضارب إزاء أوامر وتوجيهات، ومذكرات لن تنفذ في أغلبها، خصوصاً أن من يصدر ويسطر المذكرات هو قاض يختلف مع المسؤول عنه، الذي يعطي القوى الأمنية تعليمات مضادة لتعليماته.
الذي حدث أن المكابح والمحاكاة التي ظهرت واستعملت، ساهمت في وقف ما كان يمكن أن يقع ويتفاقم. وهذا ما ساهم في وقف الانزلاق ولو مرحلياً نحو الهاوية الكبرى، قضائياً ومؤسساتياً وسياسياً وربما أمنياً.

لكن بالرغم من كل ذلك يبقى السؤال: ماذا بعد؟ وإلى أين يمكن أن تتجه الأوضاع في القابل من الأيام؟

يبدو أن لبنان وقواه المتصارعة يضع نفسه مرة أخرى على قارعة طريق القوى المسيطرة والمتنافسة في المنطقة ومن حولها. وقد تأكد ذلك، بعد النتيجة "الصفرية" تقريباً، الحاصلة جراء اجتماع لجنة باريس الخماسية (أميركا وفرنسا، السعودية، قطر ومصر).

أكبر دليل على النتيجة السلبية بالطبع، تظهر في عدم تمكن الأطراف المجتمعة في مجلس الوصاية الجديد الذي اجتمع في باريس، من إصدار أي بيان عن حصيلة الاجتماع. وهذا ما يدعو إلى الاستنتاج بتقاطع التحليل مع المعلومات، أن التباين والتباعد بين هذه الأطراف كان كبيراً وواسعاً.

كل طرف، من الأطراف المشاركة، ينظر إلى الأمر من منظار مختلف عن الآخر، وبأهداف متباعدة. لكنها متفقة في النهاية على هدف واحد وهو محاولة التدخل للإحاطة بما يجري في لبنان، خوفاً من دخول عوامل إضافية على التعقيدات الموجودة في المشهد الإقليمي والدولي الحالي المزدحم بالتعقيدات.

الغريب في الأمر أن لبنان وللمرة تلو الأخرى، يبدو في مراوحة ما بعدها مراوحة، وهو يبدو كوعاء من القش جاء من يستخدمه لرفع المياه من البئر.

تجربة لبنان قبل قيام ما سمي لبنان الكبير، أي التجربة في القرن التاسع عشر، سمحت لأغلب الدول الغربية الطامعة بوراثة الرجل المريض آنذاك، أي السلطنة العثمانية، في التدخل في منطقة جبل لبنان وتأليب طوائفه وقبائله وعشائره وعائلاته على بعضها البعض، وصولاً إلى الصراع المسلح والتذابح المتبادل. وقد كان طبيعياً بعد ما جرى من مواجهات دموية تحت كل شجرة وأمام كل صخرة وعلى كل هضبة، أن يجتمع قناصل الدول المتداخلة المؤججة للصراع، ليقرروا مصير هذه المجموعات المتصارعة والمتقاتلة من سكان هذه البقعة، الذين لم يكن لهم رأي مؤثر وكبير أو حيلة في ما جرى.

كان هذا ما كُتب من مصير واتجاه ومسار لسكان جبل لبنان، إن عبر النظام الأساسي الذي أقيم، أو عبر المتصرف الحاكم الذي نصب يومها.

كل ذلك كان مفهوماً وطبيعياً.

لكن ما هو غير مفهوم وغير طبيعي وغير مقبول، أن يعود لبنان وبعد مئة سنة تقريباً من ولادته، حسب وقوعات إخراج القيد الوطني للدولة من على درج قصر الصنوبر، لكي يصبح مرة أخرى مع سكانه وقبائله وطوائفه الكريمة مطروحاً ومشرعاً على طاولة تعاد صياغة خريطتها بين يدي القناصل أنفسهم، مع تجديد واختلاف في الأسماء والمواقع والمصالح.

كيف سيستمر لبنان في ظل هذه المعضلة الغرائبية؟ ومن سيكون المتصرف الجديد؟ بعد أن خسر مصارفه وأضعف مستشفياته وشوه جامعاته وهجر خيرة شبابه؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها