فهناك أفكار كثيرة متداولة، أبرزها ما يطرحه الأميركيون من تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة ومستقبل حركة حماس والسلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، فإن المطروح إعادة هيكلة شاملة لمنظمة التحرير، بالإضافة إلى بقاء حركة حماس كقوة سياسية أساسية، لأن من يملك الأرض يمتلك الفعالية السياسية والحضور الرسمي. ولكن هذا سيوجب على حماس إعادة هيكلة نفسها سياسياً، وربما بتشكيل قيادة جديدة.
لكن في موازاة إعادة الهيكلة المطروحة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو القيادة الفلسطينية وتماهيها مع الشارع، بالإضافة إلى إعادة هيكلة حركة حماس، ستقابلها بالتأكيد إعادة هيكلة جذرية للعقيدة الإسرائيلية أو الصهيونية. هذه العقيدة التي قامت أساس "لا إعادة للهولوكست"، وعلى الثقة المطلقة بقوة الجيش. فهذه الثقة قد اهتزت بشكل نهائي، فيما لم يعد الإسرائيليون ينظرون إلى الجيش بأنه قادر على ضمان الأمن والاستقرار. وهو ما يمنع سكان المستوطنات من العودة إلى منازلهم، لا على الحدود مع لبنان ولا في غلاف غزة.
هذا لا ينفصل عن النتيجة المباشرة لكل ما جرى، وهو الإطاحة المؤكدة بحكومة نتنياهو اليمينية والذهاب إلى تشكيل حكومة "واقعية" في مقاربة التطورات والملفات الداهمة، خصوصاً أن الحرص لدى تل أبيب سيكون في توفير مقومات البقاء وانتزاع نوع من الاستقرار.
حل الدولتين؟!
لا شك أن هناك أزمة كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، لا يمكن تجاوزها من دون تغير كامل في العقيدة التي قامت منذ 70 سنة، وأخذت بالاستفحال والاستشراس أكثر فاكثر، بالإضافة إلى الإيغال بالعنصرية والتعجرف واستجلاب اليمين المتطرف، الذي يقضي على أي مقوم من مقومات بقاء هذا الكيان أو هذه الدولة. والنتيجة الواضحة هو ما جرى في 7 تشرين. وهو سيكون قابلاً للتكرار في أي مرحلة لاحقة، في حال لم تتغير هذه العقيدة المستمدة من تلموديات ومن نظريات غربية استعمارية مؤيدة لإسرائيل، قائمة على صراع الحضارات، أو ما يشبهها.
كل الأفكار والمداولات المطروحة، تعود إلى استخدام صيغة حل الدولتين، فيما السؤال الأساسي الذي يُطرح إذا كان هناك إمكانية في العودة إلى مثل هذه الصيغة، وعلى أي أرض سيتم إنشاء الدولة الفلسطينية، بعد طروحات أميركية وإسرائيلية غير واقعية تتصل بجعل القدس عاصمة لإسرائيل من قبل إدارة دونالد ترامب، وصولاً إلى اقتراحات تتصل بنقل الفلسطينيين إلى جغرافيا جديدة. أي حل لا بد أن يبدأ من الإقلاع عن مثل هذه النظريات التي تتسم بكثير من الجنون. بينما تبرز الصعوبة في إنتاج الدولة الفلسطينية في ظل تآكل الأراضي بمشاريع الاستيطان.
في ظل موازين القوى الحالية، لن يكون بإمكان أي طرف تجاوز إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين، فيما قد يكون الخيال جموحاً في الذهاب إلى فرض تفكيك مستوطنات على أراضي الـ 67، أو ربما العودة إلى نظرية تبادل الأراضي، مع التشديد على تفكيك المستوطنات في الأراضي "أ" و"ب"، لأنها أرض تابعة بشكل كامل للسلطة الفلسطينية وخاضعة لسيادتها، أما الأراضي "ج"، -وحسب الدراسات- هناك من يشير إلى وجود مخزونات نفطية في أعماقها، والتي سيتمسك بها الإسرائيلي إلى حدود بعيدة. أما ما سيكون مطروحاً بالأساس، فهو البحث عن صيغة حل لحقل غاز في سواحل غزة، وربما هو يفوق مخزونات حقول تامار وكاريش. كل ذلك يبقى ربما في إطار الأحلام، لا سيما في ظل كل المؤشرات التي تفيد بأن الصراع سيبقى مفتوحاً إلى فترة طويلة، من خلال إعادة تجديده وعدم إزالة أسباب انفجاره.
وهو ما سيكون عنصر تهديد لكل العرب كما كان الحال منذ العام 1948 إلى اليوم.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها