الإثنين 2023/01/09

آخر تحديث: 15:06 (بيروت)

احذروا هذا "الهدوء"

الإثنين 2023/01/09
احذروا هذا "الهدوء"
الضيق الاقتصادي الاجتماعي في ذروته (Getty)
increase حجم الخط decrease

هذا "الهدوء" هو الذي يتوجب الحذر منه. الصمت السياسي القائم على انسداد تام شبه متحجِّر يوحي بالخطر. ما يمكن تعلمه طوال أكثر من أربعة عقود في الحياة السياسية اللبنانية، أن ما يلي هكذا هدوء على خط الجبهات المتخاصمة هو عاصفة مفاجئة.

غالباً ما أتى انفجار أو اغتيال أو جولة حربية أو صدام أمني كبير بعد استعصاء سياسي وعجز فادح في اجتراح "تسوية"، أو بعد أن يصبح تمديد الهدنة القائمة غير ذي جدوى.

الأحجار التي رُميت لتحريك المياه الراكدة غير صالحة لكسر الجليد القاسي. وثمة قناعة أن ما تراكم من معضلات لا ينفع معها إلا تسونامي كبير يجرفها دفعة واحدة.

وفي التقاليد اللبنانية، كما علمنا وذقنا، حين يحل زمن سياسي مكهرب والبلد واقع في "فراغ" أو عالق في مأزق محكم، يأتي يوم طبيعي والجميع يمضي في طمأنينة، والهدوء يعم الأجواء.. وإذ على غفلة تنزل الصدمة الهائلة.

كل المواد اللازمة لصنع القنبلة الغادرة يبدو كأنها جاهزة بانتظار اشتعال الفتيل: الضيق الاقتصادي الاجتماعي في ذروته. النقمة المختزنة في داخل الجماعات ومعازلها على وشك أن تفيض. التوتر السياسي المشحون طائفياً ومذهبياً في قمته. الرهاب (الفوبيا) من "الآخر" على وشك أن يتحول عنفاً في أي لحظة. مظاهر "الأمن الذاتي" المسلح إلى حد ما، يتعمم في مختلف المناطق وأحياء المدن وعند مداخل القرى ومخارجها. انعدام الثقة -إن لم نقل العداوة- بين الأحزاب والتيارات يحيل السياسة من السيولة إلى حالة أشبه بالغاز المضغوط على نحو شديد الخطورة.

وربما تكون الإشارة الأسوأ هي هذا الغياب أو الصمت الذي تلوذ به الكتلة المدنية، أو ما قد نسميهم اصطلاحاً "المواطنين" الذين يتنكبون عادة صنع الرأي العام أو الاعتراض أو طرح الأفكار والبدائل. هذه الكتلة الاجتماعية الأساسية ("المجتمع المدني" وفق مصطلح شائع)، تبدو اليوم مستسلمة بالكامل للقدر السيء. وهذا ما يضيف إلى الهدوء طابعاً تشاؤمياً.

"الحدث" الذي نتوجسه ليس متأتياً بالضرورة من قرار أو من غرف سوداء. قد يبدأ كفتيل صغير يشتعل من جمرة المعمعة اليومية والبلبلة المثيرة للغضب، عند محطة محروقات، داخل مصرف ما، أمام باب مستشفى، في صيدلية، بمكتب دائرة رسمية، في مقهى شعبي لشبان النراجيل والدراجات النارية، أو بحي شعبي محروم من الكهرباء والمياه ما عاد سكانه صابرين على شيء. قد يكون الفتيل بحادثة سرقة بين مئات السرقات المتفشية كالوباء، أو حتى من كلمة نابية يطلقها أحدهم بين جمع موتور. الفضاء اللبناني على هذه الشاكلة، بالغ السمّية.

إذا أضفنا إلى هذا الستاتيكو المقلق عدم وجود أي "تنفيس" خارجي، وغياب أي قدرة أو تأثير دولي لتوفير صمام أمان أو مخرج طوارئ، يجوز القول إن هذا القلق يجب أن يتحول إلى خوف جدّي من الانفجار. بل إن الميل لحدث عنيف يقطع الاستعصاء القائم، قد يجد له تشجيعاً خارجياً، بوصفه علاجاً أليماً لا مفر منه.

بهذا المعنى، الاستشعار بالعاصفة وترقبها، واجب سياسي اليوم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها