كما تجدر الإشارة إلى تعديل المادة 95 من الدستور، التي أوجبت على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات سياسية وفكرية واجتماعية أخرى، لإقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية ومتابعة التنفيذ.
بعد العام 2000
لقد كان المرشحان الأوفر حظاً لرئاسة الجمهورية بعد الطائف هما الرئيسان إلياس الهراوي والعماد أميل لحود، اللذان تربطهما علاقات وثيقة ومميزة بالنظام السوري، الذي أوكلت إليه مهمة متابعة الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان بموجب اتفاق الطائف، وبرعاية سعودية وأميركية مشتركة، حتى زوال الأسباب والظروف الموجبة. وقد جرى تمديد ولايتهما لمدة 3 سنوات إضافية (خلافاً للمادة 49 الفقرة 2) من الدستور، وذلك بناء لرغبة وطلب السلطات السورية، ما أدى إلى تفجر أزمة بين دمشق وقوى لبنانية بارزة ومعارضة للتدخل السوري في لبنان، وحيث أدى ذلك إلى صدور قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 1559) في 2004/9/2 بطلب أميركي وفرنسي. وقد نادى هذا القرار بسحب جميع القوات الأجنبية من لبنان بعد انسحاب جيش العدو الإسرائيلي عام 2000، وبالأخص الجيش السوري، حيث رغبت الولايات المتحدة الأميركية بإنهاء تفويضها لسوريا في إدارة الملف اللبناني، وبتاريخ 2005/2/14، اغتيل رئيس مجلس الوزراء اللبناني السيد رفيق الحريري، وتسارعت وتيرة الأحداث الأمنية والتناقضات السياسية، وانقسم اللبنانيون إلى فريقين أساسيين سميا بالثامن والرابع عشر من آذار، وانسحب الجيش السوري من لبنان وصدر قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 1701) بعد حرب صيف 2006. وتم إنشاء المحكمة الدولية الخاصة للتحقيق في جريمة إغتيال الرئيس الحريري. ولم يتمكن مجلس النواب آنذاك من القيام بدوره الدستوري نتيجة التفسيرات المتضاربة حول تفسير المادة 49 من الدستور، المتعلقة بالنصاب المطلوب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس إميل لحود. وبالنتيجة انعقد مؤتمر جديد للحوار الوطني في مدينة "الدوحة" في دولة قطر (بين 16 و21 من أيار للعام 2008) بمشاركة من القوى السياسية في لبنان. وتم الاتفاق على دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد بالسرعة اللازمة لانتخاب "الرئيس التوافقي"، وهو العماد ميشال سليمان، وتشكيل حكومة ما يسمى بالوحدة الوطنية، بطريقة لا يمتلك فيها أي طرف الثلث المعطل أو القدرة على التعطيل، وإعطاء حصة من 3 وزراء لرئيس الجمهورية من أجل ضمان ذلك، واعتماد القانون الانتخابي الأكثري طبقاً لقانون العام 1960، مع التأكيد على عدم الإحتكام إلى السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية، وإعادة بسط سيادة الدولة على كافة المناطق اللبنانية. إلا أن هذا الاتفاق الجديد لم يضع حداً نهائياً للتجاذبات السياسية الداخلية والخارجية، وعدم التمكن من احتواء الأزمات المتعددة الأوجه والأبعاد المحلية والإقليمية المتناقضة. ولم يرأب التصدعات المتجذرة بين الطوائف اللبنانية وهواجسها المتباينة بالنسبة لطريقة إدارة السلطة في البلاد، وضمان مصالحها الفئوية على حساب المصلحة الوطنية العليا، والحفاظ على النظام العام.
سجل الفشل
وها هو التاريخ اليوم يعيد نفسه. فلقد تسارعت وتيرة الانهيار والأزمات والتناقضات السياسية حول طريقة إدارة السلطة في البلاد، كما تفشت كل أساليب المحاصصة الطائفية والهدر والفساد حتى وصلنا إلى حافة الانهيار الكبير، في ظل دولة فاشلة ومفلسة غير قادرة على تأمين أبسط مقومات الحياة للشعب اللبناني، وفي ظل الانقسامات العمودية والأفقية في المجتمع والكيان اللبناني. وفشلت المحاولات العشر الأولى في المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للرئيس السابق ميشال عون، في ظل حكومة متهاوية لتصريف الأعمال، والجدال العقيم حول دستورية وحدود صلاحياتها، واقتراب الأوضاع باتجاه التفلت الأمني ونحو المزيد من الآفات والأزمات الحياتية وشظف العيش والدعوة لتطبيق "الفيدرالية" التي تشتم منها رائحة الحرب الأهلية من جديد.
فهل يتعظ الساسة اللبنانيون من تجارب الماضي الأليمة، رحمة بالبلاد وبالأجيال الصاعدة؟ أم أننا أصبحنا بحاجة إلى طائف جديد أو دوحة جديدة أو باريس3 وما شابه ذلك، لنأخذ دروساً جديدة في إدارة السلطة؟ أم بتنا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يعيد خلط الأوراق مجدداً على أسس ديموقراطية حديثة تتجاوز النهج الطائفي نحو آفاق الدولة المدنية المرتجاة؟
أعتقد أننا أصبحنا أمام الاختبار الأخير في الاحتكام إلى لغة العقل والانتماء للوطن قبل انهيار الهيكل على رؤوس صانعيه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها