السبت 2023/01/07

آخر تحديث: 14:28 (بيروت)

حضور الحريري: تصحيح خَلَلِ الوفاقية

السبت 2023/01/07
حضور الحريري: تصحيح خَلَلِ الوفاقية
على صعيد خارجي، تعرّض الحريري لضغط "حلف" موضوعي بين السعودية وايران(علي علوش)
increase حجم الخط decrease

حضور سعد الحريري، أي عودته إلى لبنان، جملتان تنوبان عن جملتين هما: استحضار الحريري، أي انتفاء أسباب إبعاده. الجملتان في تقابلهما، تعبير واحد عن واقع حال أوحى للبنانيين أن رئيس الحكومة الغائب، قد جرى إبعاده، فَرُحِّلَ ولم يَرْحَلْ.

لقد أحدث غياب الحريري، أو تغييبه خَلَلاً في الوفاقية الداخلية التي يرفع لواءها أطراف الحكم الطائفي، في المواقع الرسمية، وعلى مقربة "وَثْبَة" اقتحام منها، ولم يعوّض نشاط الطامحين شغور الموقع، ولم يستدرك الخصوم لملمة "الخسارة" التي حَصَلت جرّاء ذلك الشغور.

عاملان ضاغطان
جاء خروج الحريري، أو إخراجه، نتيجة تضافر عاملين، داخلي وخارجي. على صعيد الداخل، واجه سعد الحريري حِلْف "الأقليتين" المختلطتين، مارونيّاً وشيعيّاً، المتناغمتين في سياق استعادة الحقوق التي سلبها الطائف من الحصة والنفوذ المسيحيين، وفي سياق تثبيت الحقوق والامتيازات والنفوذ، الذي نجم عن نصّ اتفاق الطائف، وعن واقع الخلل المتمادي في عدم تنفيذ أحكامه.

بين استعادة النفوذ الماروني، من جهة، وتثبيت النفوذ الشيعي من جهةٍ أخرى، وقع مركز السنّة الثالث في مرمى رماية مشتركة، من قِبَل الساعين إلى منازعته كسلطة تنفيذية إجرائية.

مطاردة الموقع السنّي، بدأت باكراً، وتاريخ بدء العمل على "الإحاطة" بهذا الموقع، والالتفاف على صلاحياته، يرجع بحركيته الأعلى إلى لحظة خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وإلى تجدد نسخة من الحرب الأهلية بعد رحيل العدو الصهيوني، وما تبع ذلك من "انفراط" لعقد القوى النظامية، وانشقاق ألوية منها، بعد معركة الجبل، وبعد "انتفاضة 6 شباط"، التي تصدّرتها حركة أمل، وآزرها في تحركها الحزب التقدمي الاشتراكي. لم تعوّض عودة القوات السورية إلى العاصمة، نقص الوزن السياسي السنّي الذي أحدثته حرب سنة 1982، بل إن تلك العودة استكملت ما كانت قد بدأته من مطاردة "للحليف الفلسطيني"، فَرَعَتْ ملاحقة "حركة المرابطون"، المحسوبة، بشكل أو بآخر، على التمثيل السنّي، وعلى تحالف "السنيّة" مع الحركة السياسية الفلسطينية. لقد عرف هذا المسار التطويقي ذروته مع إزاحة الحريري الأب بالاغتيال. كانت تلك لحظة استئناف هجوم متدرّج في مسار الكسر الداخلي المعتمد، ولم تشكل لحظة خروج القوات السورية من لبنان، سوى علامة تراجع تكتيكي، استأنفت بعده السياسة السورية مع حلفائها، ذات المسار، الذي نالت من وزنه التطورات الداخلية في سوريا، لكنها لم تنل من "جوهره"، خاصة عندما تولّى الحليف الإيراني زمام الموضوع في الشؤون اللبنانية.

ما أشير إليه، كسياق سياسي حصل، فكانت له تجلّياته المتعددة المعروفة، كان بمثابة خطّة يتم تنفيذها بهدوء، ووفق سياسة طويلة النفس. هذه السياسة هي ذاتها التي أطبقت على صدر سعد الحريري داخليّاً، فطوقته، وأحرجته حتى أخرجته.

في موازاة ذلك، وعلى صعيد خارجي، تعرّض سعد الحريري لضغط "حلف" موضوعي بين طرفين، السياسة الإيرانية، التي تسعى إلى تنفيذ مشروع سيطرتها المعلن، والسياسة السعودية التي سحبت تغطيتها الممنوحة "لرجلها الأول" في لبنان، ومنعت الدعم المادي والمعنوي والسياسي عنه. لقد أضاف الهجوم الصادر من مكانين متناقضين، في السياسة وفي التوجهات، إلى الضغط الداخلي ضغط المحاصرة الخارجية، ولأن سعد الرئيس، كان عاجزاً عن ابتكار التوليفة الملائمة للتخفيف من ثقل الضغطين، وجد نفسه محمولاً على أجنحة الأثير.

غياب وحضور
متابعة اليوميات السياسية، بعد خروج سعد الحريري من السراي الحكومي، تقدّم مادة سياسة جديرة بالقراءة. من ذلك، أن نفوذ رئيس الحكومة "المعتزل"، لم يتبخّر من فضاء أنصاره. ومن ذلك أيضاً، حصول حالة تشرذم سياسي بين صفّ من الورثة السياسيين، الذين نالوا نصيبهم من التمثيل البرلماني، لكنهم لم يحصلوا على تفويض "زعاماتي"، من الجمهور السني الأوسع، يستوي في ذلك من اقترع، ومن قاطع، ومن ظلّ على العهد رافعاً لواء الولاء للحريرية "كتيار" هذه المرّة. على معنى ما، لقد مرّت السنيّة في اختبار غياب ممثلها المتقدّم على أقرانه، فنجح الطيف الأوسع منها، في إثبات أنّ المناداة بالحريرية لم يكن مسألة دعم مالي فقط، أو مسألة تقديم خدمات فقط، بل كان مسألة تأكيد حضور متجدد، لطائفة كيانية، تعتقد، وبكثير من الأسانيد، أنها ظلّت واسطة عقد اجتماع الكيان، كلما لاح شبح انفراط هذا العقد.

الخلاصة السنية أعلاه، لم تستطع الأقليّات الناشئة أو الطامحة أو المستنبتة تجاهلها، ولم يستطع القفز فوق عوائقها العالية، رئيس الحكومة الحالي، نجيب ميقاتي، ولا الرئيس العابر، حسّان دياب. هذا "داخل البيت"، أمّا خارج أسوار البيت، فقد وقفت "الأقليتان" اللتان لم تستطيعا ممارسة دور أكثري، أي جامع، وقفتا عاجزتين عن الإطاحة بميزان التوافق الداخلي، إطاحة شاملة، فأضاعتا وقتاً كلّف اللبنانيين ضنك العيش، وذلّ الإفقار، وإذْ فقدت المارونية، بفئتها العونية، مركز رئاسة الجمهورية، صار الطموح "الأقلوي" أصعب، وبات الحلف ذاته مهدّد في صيغته، بعد أن تجاوزت الأحداث الكثير من بنودها.

عودة ضرورية
وفقاً لمقولة صحة التمثيل المعتمدة من قبل أركان الصفّ السياسي اللبناني، تصير عودة الحريري عودة صحيحة، وصحية، هذا بمقياس إضافة جرعة تهدئة وهدوء إلى كتلة أهلية لبنانية أساسية، أولاً، وبمقياس إعادة الاعتبار إلى أن هذه الكتلة كانت وما زالت، كتلة تأسيسية صيغوية، منذ نشأة لبنان وحتى ساعة "إعداد هذا البيان".

تهدئة موضعيّة، هي في ذات الوقت تهدئة عامة، فإذا حصلت العودة، فإن ذلك قد يكون مؤشّراً على استيعاب دروس الإلغاء، وعلى الاستفادة من خلاصات سياسات الإقصاء، في الداخل، كما في الخارج. نفتح في هذا المجال قوسين للقول:

أولاً: عبّرت الحريرية دائماً، عن وسطية تناسبت مع ما هو معلوم من أحوال الوسطية اللبنانية. هذا السلوك الذي يعارضه كثيرون، هو ما ينادي به اليوم أقطاب التشكيلة السياسية باسم الوفاق والوفاقية. إذن، وما دام الكسر الطائفي أو المذهبي، ممنوع، في الشارع كما في المؤسسات، بات من الممنوع استخدام هذا السلاح ضد أيّ من الأطراف الأهلية اللبنانية، لأن مردود ذلك ليس أقل من تخريب "للعمران الوطني"، وهذا ما اختبرته الطائفيات اللبنانية.

ثانياً: على الوسطية، أو التوسط الخارجي، أن يلاقي الوسطية اللبنانية، فلا يسعى الإيراني مثلاً إلى إدامة هجومه "النفوذي"، بدواعي تثبيت الهيمنة والسيطرة على لبنان، فهذا سيظل وهماً يرتد خطره على أصحابه، كذلك على السعودي أن يضخ عوامل الصمود الدفاعي في موقع الوسطية، فلا يركب مركب إضعافها، من خلال دعوتها إلى حمل ما لا يمكنها حمله، أو من خلال اعتماد سياسات استنبات زعاماته على غرار ما يفعله "الممانعون" الذين لا يكفّ "السياديون" عن شرح زعاماتهم المختلقة.

في الخلاصة العامة، ولسبب وطني داخلي، على الساعين إلى استعادة سلم لبنان الداخلي، واستعادة سلامه الأهلي، واستعادة سلامة مؤسساته... على هؤلاء الانتباه، إلى أن البند الأهم في كل معارضة، هو بند الاستقلالية، في النظر وفي العمل، وعلى الاستقلالية، تصاغ المواقف بقراءة سياسية مستقلة، وبنظّارات موضوعية، ومن دون نزعات تطهريّة. في لبنان طوائف، وطائفيات، وإرث ثقيل من التوازنات، وسيل من التناقضات... ومن أجل لبنان، يُبذل الجهد المعارض الذي يدرك خصوصية وصعوبة "اللبنانية"، فيبتكر لها من الاقتراحات "السهلة"، ما يجيب على تلك الخصوصية الصعبة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها