الجمعة 2023/01/27

آخر تحديث: 10:49 (بيروت)

من الدولة القطب في أوروبا إلى الدولة الزبون ببيروت

الجمعة 2023/01/27
من الدولة القطب في أوروبا إلى الدولة الزبون ببيروت
انفجار المؤسسة القضائية كان أيضاً انعكاساً لمعطيات تتقاطع بين الداخل والخارج (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
في كتابه الصادر مؤخرا بعنوان "المرآة المُتكسرة – تشظي الكيان اللبناني"، يتبنى الدكتور سهيل القش تحليلاً جيوسياسياً للعالم العربي، يعتبر فيه أن الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية تتوزع بين دولة قطب (فاعلة) قادرة على أداء دور قيادي، كمصر محمد علي باشا، أو مصر عبد الناصر، ودولة زبون (مفعول بها) أو دولة كيان كما هي حال كل من لبنان، الأردن، وجيبوتي، إلخ.

ويعتبر القش أيضاً أنه حين يتعلق الأمر بقراءة تركيب السلطة داخل دولة زبون (مفعول بها)، من الخطأ الانطلاق منهجياً من داخلها فقط، وكأنها دولة-أمة قائمة بذاتها، وأنه يصعب في هذه الكيانات فصل الداخل عن الخارج. وبالتالي، فإن قراءة السلطة في كيانات كهذه ترتبط إلى حد كبير بالدول الأقطاب التي تدور في فلكها.

في هذا الإطار، فإن مقاربة الدكتور القش تؤكد وتتقاطع مع المقاربات المعممة بالتجربة المكررة، حول أن ما جرى وما يجري في لبنان في أغلب الأحيان والمفترقات، ليس انعكاساً لحركة تؤثر فيها العناصر والمعطيات والعوامل الداخلية، بقدر اعتبار أن ما يشهده لبنان في أغلب الأحيان هو انعكاس لما تقرره وتريده وتديره الدول المؤثرة في لبنان والمحيطة به، غربية كانت أم عربية أم إقليمية.

لهذه الأسباب، فإن النظر إلى الأحداث الجارية الآن، وخلال هذه الساعات الحرجة في بلدنا، وعلى وجه الخصوص على مستوى انفجار مؤسسة القضاء اللبناني، ليست إلا استكمالاً للانفجارات المتوالية لباقي القطاعات المالية والاقتصادية وحتى الأمنية.

إذا كان الافتراض لدى البعض أن تخزين وتفجير أطنان نيترات الأمونيوم في بيروت كان لأهداف ومصالح إقليمية ودولية، بالتقاطع مع أهداف ومصالح محلية، فإن انفجار المؤسسة القضائية كان أيضاً كما يبدو انعكاساً لمعطيات تتقاطع بين الداخل والخارج، أثرت فيها ولعبت دوراً فاعلاً فيما حدث ويحدث.

صحيح أن الأنظار اتجهت أو انحصرت في قضية الصراع بين قاضي التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، لكن ما جرى ويجري على مستوى وزارة الدفاع ومؤسسة الجيش، لا يقل خطورة عن ما تشهده مؤسسة القضاء، إنما الفرق هنا يكمن أن المشكلة المتفاقمة بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون، كانت إلى الأمس بعيدة عن الأضواء والأخبار الإعلامية، وتدور في أروقة اليرزة، فيما انكشفت خلافات المؤسسة القضائية أمام الرأي العام وعبر وسائل الإعلام.

إن حالة من التنافر والتوتر بين وزير الدفاع وقائد الجيش تنم عن خطورة كبيرة وتدهور غير مسبوق. ومن يتابع ويطلع على التفاصيل الجارية بين الطرفين، يدرك أنها خطيرة وعنيفة جداً وغير مسبوقة في حدتها.

في العودة إلى انفجار الخلاف في المؤسسة القضائية، فإنه من المهم الأخذ بالاعتبار أن قرارات القاضي طارق البيطار أتت في سياق تطورات في دول مؤثرة في لبنان الدولة (الزبون) ومن قبل دول أقطاب فاعلة. وقد أتت تماماً، وللمصادفة بعد مغادرة الوفد القضائي الأوروبي لبيروت. وللتدقيق، فإن قرارات القاضي بيطار أتت بعد اجتماعات مطولة مع الوفد القضائي الفرنسي.

وفي إطار ما أعلن عنه القاضي البيطار من اجتهادات وقرارات، طُرحت أسئلة من مثل، لماذا لم يستخدم البيطار اجتهاده الذي ارتكز إليه قبل الآن؟ ولماذا زود بهذا الاجتهاد الآن وقرر السير به واعتماده؟ من دون أن ننسى أن القرارات القضائية من لدن البيطار أتت -ومن باب التوقيت- بعد تطورات سياسية وأمنية مهمة شهدتها الدول الغربية، وتمثلت أبرزها بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لوائح المنظمات الإرهابية في أوروبا!

لقد شهدت الحرب العالمية الثالثة المندلعة في أوروبا بالواسطة بين روسيا وأميركا في أوكرانيا منذ السنة الماضية تطورات مهمة وخطيرة جداً في الأشهر الأخيرة أبرزها تمدد النفوذ والتأثير الإيراني من شعاع دول المنطقة إلى البيئة الأوروبية والعالمية، عبر تزويد إيران لروسيا بطائرات "درون" مسيرة من صنعها، يبدو أنها لعبت دوراً كبيراً في تكبيد الأوكرانيين والأميركيين الخسائر الكبيرة في الحرب والمعارك مع روسيا.

تمدد النفوذ والتأثير الإيراني من إطار شعاع دول الشرق الأوسط، من اليمن والعراق وسوريا إلى حقول القتل والصراع العسكري في أوروبا وأوكرانيا، فكان الرد الأوروبي والفرنسي عبر تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، ما يطرح السؤال الملح عن هذه المصادفة وهذا التقاطع الغريب بين ما جرى في أوروبا وتبدل أسلوب التعاطي مع إيران وما جرى ويجري في لبنان وظهور العضلات القضائية "البيطارية" بالتزامن مع العضلات الأوروبية تجاه إيران في لبنان وأوروبا!

إن الانقسام الحاصل الآن بين أبلسة وشيطنة عويدات وتنزيه البيطار ليس منصفاً ولا واقعياً لأحد، بل هو شطر من تراجيديا لبنانية ومشهد من مسرحية درامية فيها الصراخ والدمع والدموع لشعب نكب بقادته وموقعه ونخبته الفاقدة للأهلية الوطنية.

لا بد من الانتباه أن المواقف وردود الفعل السريعة من وزارة الخارجية الأميركية وسفارتها في بيروت، مواكبة للتطورات والمواقف القضائية، ولصب الزيت على نار الخلافات في لبنان، المتنقلة بين قصر العدل ومنزل القاضي البيطار، أو بين مكتب مدعي عام التمييز والأجهزة الأمنية وبياناتها ربطاً ولصقاً على الجدران، لهو أمر يثير الدهشة والاستغراب والاسئلة، إزاء كل ما جرى ويجري ويؤكد أن لبنان ليس دولة زبون فقط، بل مفعول بها وبشعبها ومواطنيها من قبل أغلب الأطراف المحيطة والمؤثرة، شرقاً وغرباً، من الآن وحتى أبد الآبدين.        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها