الخميس 2022/09/29

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

دروس لبنانية (وعربية) للمنتفضين الإيرانيين؟

الخميس 2022/09/29
دروس لبنانية (وعربية) للمنتفضين الإيرانيين؟
قطيعة جذرية مع السلطة (Getty)
increase حجم الخط decrease

لا مفر من الانحياز الوجداني تجاه أي انتفاضة شعبية ضد أي ديكتاتورية. لا مفر من "الأمل" الذي تعدنا به الثورات، ومن انتعاشة الحلم بعالم أفضل. لا مفر من الرغبة المتوقدة بأن نرى ونشهد انتصار الحرية والعدالة، أينما كان.

منذ الثورات الملونة التي شهدناها عام 2004 المنطلقة حينها في أوكرانيا والواصلة إلى لبنان 2005، والمتوجة بتلك الخضراء في إيران عام 2009، كنا ندرك أن تياراً عابراً للدول ويتجه باتجاه واحد يتصاعد ويتوسع: الأنظمة القديمة تتصدع. شعوب تبلغ سن الرشد وتطالب بالحرية كلها وبالعدالة الكاملة، وبحقوق تامة.

ظننا أن وجهة التاريخ هذه سهمية و"حتمية". وعلى هذا الظن، كان خروج عشرات الملايين من مواطني تونس وليبيا ومصر والسودان واليمن والبحرين وسوريا، في ما سيسمى "الربيع العربي" عام 2011، الذي كان مستلهماً إلى حد كبير من الثورات الملونة، ويحمل الشعارات والطموحات نفسها.. واليقين السياسي ذاته: النصر حليف الشعوب.

وبعد 11 عاماً، كان الحصاد بحراً من الدماء وخراباً شاملاً وعذابات وفظائع تفوق التصور، وانقلابات وثورات مضادة وحروباً أهلية، وسلطات جديدة أسوأ وأقسى وأشرس. فكانت هزيمة "الربيع العربي" مأزقاً تاريخياً ستضطر شعوبه لمعايشته زمناً مديداً قد يمتد عقوداً لا شيء فيها سوى مضغ اليأس والخضوع.

رغم ذلك، بدت انتفاضتا لبنان والعراق 2019 وكأنهما انطلاقة جديدة واعدة، محاولة ثانية لإحياء "الربيع"، لكن وبسرعة وبتشابه مخيف واجهتا المصير المرعب: الحرب الأهلية. كانت المنظومتان العراقية واللبنانية تمسكا بالسر الذي يكبل أي تغيير في هذين البلدين، أي العصبية الطائفية. وكان ذلك سبباً كافياً لإجهاض الانتفاضتين، تخوفاً من المصير الذي لاقته الثورة السورية.

نستذكر كل ذلك ونحن نرى انتفاضة الإيرانيات والإيرانيين، نتحمس ونخاف، نتفاءل ونتوجس. نتذكر كوابيسنا وهزائمنا، ونتضرع أن لا يصيبهم ما أصابنا، أن لا يتكرر التاريخ كمأساة إضافية.

الذاكرة الإيرانية نفسها تحمل أيضاً ندوبها، الانتفاضات المتوالية منذ 2009، سرعان ما كانت تتعرض للمحاصرة والسحق. النظام لديه لا السلطة وأدواتها وحسب، أو فقط قوة الباسدران والباسيج والشرطة والجيش.. لكن أيضاً لديه "شعبه"، الممتد من أعماق الأرياف إلى ضواحي المدن، إلى حد أن الانتفاضات هذه غالباً ما كانت إما تعتمد على نخبة ثقافية واجتماعية أو على عصبية إثنية "أقلوية"، فيكون مصيرها الإجهاض.

الإيرانيات والإيرانيون المنتفضون ليسوا بحاجة لنذكرهم بدروسنا وتجاربنا. بالتأكيد يعرفونها وقد اختبروها بأنفسهم، باحتجاجاتهم قبل سنوات قليلة، ودفعوا ثمنها بدم مئات الضحايا وآلاف المعتقلين. فلماذا لم يتعظوا، لماذا يبدون غير عابئين بدروس الماضي، ويمضون في خروجهم إلى الشوارع؟ من أين يأتون بهذا التصميم على تحطيم الجدار الشاهق؟ هل يرون ما لا نراه.. ضعفاً ووهناً في نظام تجاوز عمره 43 سنة؟ ألهذا الحد ما عادوا قادرين على التحمل؟

أن يتجرأ شبان على تمزيق صورة الخميني في ساحة مدينة إيرانية وأمام الكاميرات. والأهم، أن تنزع الشابات حجابهن ويحرقنه في وسط الشارع. فهذا ما يتعدى بكثير شعار 2009: "أين صوتي". إنه قطيعة جذرية مع السلطة، عداء "سافر" لها. إنه ثورة تامة.

قد تكون تلك الجذرية هي الدرس الإيراني لنا. وما علينا سوى انتظار ما نظنه "المعجزة"، وعلى أمل أن يبدأ تاريخ جديد لنا ولهم.. ومعاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها