الجمعة 2022/08/05

آخر تحديث: 11:19 (بيروت)

سلخ جلد الغاز قبل اصطياده

الجمعة 2022/08/05
سلخ جلد الغاز قبل اصطياده
استخراج الغاز والبدء ببيعه واستثماره لن يكون ممكناً قبل سبع سنوات على الأقل (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

الكلام الذي صدر عن الوسيط آموس هوكشتاين، في ختام زيارته الأخيرة إلى لبنان، كان دالاً ومعبراً بشكل كبير، وربما يكون قد لخّص بجانب منه جوهر مسار مشكلة لبنان الراهنة إزاء موضوع الثروة النفطية المفترضة وثروة الغاز المحتملة.

قال هوكشتاين: "لو توصلنا إلى اتفاق سابقاً في سنوات 2014 و2015 لكان لبنان اليوم أصبح في حالة تصدير الغاز، وكان أحد أهم المصدّرين في ظل الأزمة الأوروبية. وكان تمكن من توفير الكهرباء على مدى 24 ساعة في اليوم. لا يجب التركيز على الماضي، لا بد من الاهتمام بالمستقبل، وهذا الملف يمكنه إنعاش الاقتصاد اللبناني، وأن يخلق المزيد من فرص العمل".

هذه الـ"لو" الهوكشتانية لخصت الموضوع برمته. إذ أن لبنان أضاع على نفسه ولا يزال فرصاً كبيرة وكثيرة ليس في موضوع الغاز والنفط فقط، بل على مختلف المستويات والمواضيع وفي كل الاتجاهات.

لبنان كان قد أنجز عام 2009 ترسيم حدوده البحرية من جهة واحدة، لجهة تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة عبر الخط 23 من الناحية الجنوبية، أيام  حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وقام بتسجيل هذا الخط رسمياً في الأمم المتحدة منفرداً.

ثم عادت الحكومات التي تلت حكومة السنيورة بتأكيد هذا التحديد بعد تدقيق وتمحيص، بمشاركة كل الأطراف الممانعة وغير الممانعة. وقامت بتأكيد تسجيله في الأمم المتحدة مرة ثانية. لكن البلاد عادت ودخلت في سجال ونقاش بيزنطي سريالي وعنتري حول الحقوق المهدورة ومن هو المسؤول عن هدرها. وقد تبارى النواب الاشاوس أكثر من مرة أمام شاشات التلفزة عبر رمي الاتهامات بالتقصير والتخوين وعرض العضلات عن الحدود والحقوق الوطنية المهدورة.

في هذا الوقت المستقطع الذهبي، خلال الجدل الفقهي اللبناني بين الخط 29 و23 وما بينهما من مساحات وثروات، انطلقت إسرائيل نحو العمل الجاد، في التنقيب في بحرها، وعثرت على غازها، وتبين لها وجود كميات تجارية مقدرة، فيما لبنان حائر وضائع بين هذا وذاك إلى أن اهتدى إلى عقل الرحمن وتمسك مؤخراً بالخط 23 واعتبره حدوده البحرية من الناحية الجنوبية.

لم يعد خافياً أن التقدم الذي أحرزته إسرائيل، التي حفرت ووصلت إلى مخزونها التجاري، تفوقت فيه على لبنان وسبقته في مسافة كبيرة وتجاوزته في خطوات ضوئية.

في الزيارة الأخيرة للوسيط الإسرائيلي- الأميركي انشغل لبنان كعادته بالنتائج والظواهر الشكلية والثانوية. وقد حفلت وسائل الإعلام بجملة لازمة عمدت إلى التمسك بها وتكرارها بشكل ببغائي مضحك، ومفادها أن لبنان واجه الزائر الأجنبي بموقف موحد، يا للعجب! وقد تبجح كثر في التمسك بهذه المقولة الفكاهية، حتى هوكشتاين صاحب الابتسامة الصفراء اندمج في الأجواء اللبنانية وباعنا من كيسنا الفارغ حين "عبّر عن امتنانه مجدداً للرؤساء الذين عقدوا هذا الاجتماع، موحياً أنه كان "اجتماعاً مهماً" طالما أن اللقاء عقد مع الرؤساء الثلاثة معاً. وهي المرّة الأولى التي يجتمعون فيها سوياً معه، وبالتالي كان الحوار شاملاً حول كل الملفات. ولفت هوكشتاين إلى أنه كما شارك الجانب اللبناني موحداً في الاجتماع، فهناك طرف آخر لا بد من محاورته طالما أنه لم يكن موجوداً. وهو قصد بذلك الجانب الإسرائيلي.

ولم يكذب الواقع الهزلي المفجع وريث العهد الميمون والمتهالك، جبران باسيل، بأن خرج إلى وسائل الإعلام ليقول: "الدولة القوية التي تضع معادلة قوة، واليوم نعيش معادلة قوة "كاريش مقابل قانا" وتنفذها المقاومة".

ومضى باسيل المشهود له بنجاحات في قطاع الطاقة، في استجداء رضى حزب الله بالقول: إن المقاومة نفذت معادلة القوة في البر منذ العام 2006، واليوم نعيش معادلة البحر، ونحن أول من قال بأن "لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا".

تجمع المعلومات المتوافرة أن السحابة الإيجابية التي انتشرت إثر انتهاء زيارة هوكشتاين ليست إلا سحابة صيفية قابلة للتبخر بسهولة. إذ أن التفكير في الإنقاذ الجدّي للبنان يجب أن يتجه نحو خطوات مختلفة، وليس نحو التفكير في الإنقاذ عن طريق استخراج الغاز والنفط.

الوقائع الصلبة تدل أن لبنان سيجد استحالة للخروج من أزماته الراهنة إلا عبر العودة إلى التمسك بالأصول الفعلية للحل والإدارة الموثوقة والرشيدة والخطوات الجدية، بعيداً عن الآمال بفقاعات الربح السريع عبر استخراج الثروة النفطية.

ما من شك، أن استخراج الغاز وبيعه سيلعب دوراً مهماً في التخفيف عن كاهل الاقتصاد الوطني والمواطنين، في هذه الأزمة الماحقة التي تُغيّر الآن أسس حياة اللبنانيين إلى الأبد.

لنفترض انه تم التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإسرائيلي من دون الدخول في امتحان قدرة صواريخ حزب الله وإيران على الإصابة الدقيقة، والقدرة على التدمير وإطلاق حزمة من المسيّرات المحملة بالقنابل.

لنفترض أن لبنان باشر بالتنقيب اليوم واكتشف كميات تجارية من الغاز اللبناني في حدوده الاقتصادية. ماذا ستكون النتيجة؟ وماهي الخطوة الثانية؟

تجزم المعلومات المتقاطعة من مختلف الخبراء الجديين أنه إذا نجح التنقيب في اكتشاف كميات تجارية من الغاز في المياه اللبنانية، فإن استخراج هذا الغاز والبدء ببيعه واستثماره لن يكون ممكناً قبل سبع سنوات على الأقل.

هناك العديد من الخطوات التقنية اللوجستية والمشكلات الفنية المحجوبة بحاجة للمعالجة، حتى لو نجح التنقيب الآن وتأكد الاكتشاف الآن.

على سبيل المثال، يقول البعض من المطلعين، إنه لو تم اكتشاف واستخراج الغاز، أي غاز الآن، فإن طرق ضخه وجره لتسييله بحاجة إلى مسالك واتجاهات وأنابيب، وهي ليست موجودة في المنطقة إلا عبر مصر التي أنجزت بناها التحتية اللازمة لهذا الغرض. والدليل على ذلك، أن إسرائيل المتقدمة على لبنان في التنقيب والاكتشاف، ليس لديها طريق لضخ الغاز إلا عبر مصر.

ماذا سيفعل لبنان وعن أي طريق سيقوم باستثمار غازه ونفطه إذا ما اكتشف ثروته النظرية حتى الآن؟

ما هي الصيغة الموثوقة، ومن هي المؤسسة أو الدولة التي ستدير وتستثمر هذه الثروة الهائلة إذا ما اكتشفت؟

وهل أن القوى المسيطرة التي أهدرت أموال اللبنانيين وثروتهم التي كانت موجودة في جوارير وسجلات المصارف ستحافظ عليها بين أعماق وأمواج البحر؟

كل ذلك وكل هذه الضوضاء، ونحن لم نتفق بعد على حدودنا، ولم نبدأ بالحفر والتنقيب في أي مكان جدي. وكل الذي فعلناه فقط، أننا بدأنا بسلخ جلد دب الغاز وقبل أن نصطاده.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها