السبت 2022/08/27

آخر تحديث: 11:53 (بيروت)

رئيس تسوية لاستقرار لبنان

السبت 2022/08/27
رئيس تسوية لاستقرار لبنان
الرئيس الذي يراود خيال حاملي صفاته، رئيسٌ ممتنعٌ في لبنان(Getty)
increase حجم الخط decrease

اقتحم السجال السياسي مطلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية. رافق تقدم الموضوع الرئاسي صّخَبٌ شرْطي يتبادله قادة الكتل المذهبية، وتُسهِم فيه مراجع طائفية، دينية وزمنية. الصخب الموسوم بالنبرة العالية، مفتوح على معركة صوتية أعلى، وهذه ستزداد ارتفاعاً مع تقدم الأيام صوب المحطة الرئاسية الحاسمة.

تتعدَّد الأسباب التي تجعل الصوت العالي بريد رسائل، وتحضر الهواجس الأهلية المتبادلة، محمولة على قَلَقٍ سياسي أهلي، تتقاسمه مجموعات اللبنانيين، في ظلِّ وضع داخلي متداعٍ، وفي سياق إطارين، عالمي وعربي، يقيمان على نار النزاعات، ولا يتوانيان عن النفخ في أوارِها. وَصْفُ الوضع الحالي بصفة المصيرية، ليس بعيداً عن واقع الأحوال، إذْ سيكون من التعسّف القول باطمئنان مجموعة من المجموعات الداخلية إلى استقرار "بنيوي" لا تشوبه شائبة، وإلى ثبات "كياني" لا ينطوي على هزّاتٍ ارتدادية.
الحقيقي اليوم، هو الخلاف المستحكم حول تعريف "الوطن" اللبناني، الذي لم ينقله أهله طوال حقبات استقلاله إلى جملة تعريفية خالصة، لا تخالطها "العروبية"، ولا تندمج فيها "الفينيقية"، ولا تهدّدها "الإيرانية" المستحدثة. لقد استعملت تلك الإضافات إلى اللبنانية، في معرض اتهام كل فئة أهلية لنظيرتها المناوئة، على سبيل الانتقاص من انتمائها الداخلي، وتمهيداً لتصنيفها من ضمن فئة الغرباء... وقد عاش اللبنانيون، ولعلّهم يعيشون اليوم، مع "مقامة" الغُربة، التي لا تسقط بلاغتها من الخطاب، إلاّ بعد كل "لفلفة" داخلية – خارجية لمواضيع النزاع، يُدفع ثمنها من استقرار اللبنانيين، هذا الذي لم يعرفه البلد إلا كسلسلة منفصلة الحلقات الاندماجية.

صناعة الاستقرار شعار يجب ألاّ يتقدّم عليه شعار آخر، في الموسم الرئاسي الحافل بالأخطار. عرض مفاصل الاستقرار، والمادة الخام المطلوبة لصناعته، تُظهر تناقضاً واضحاً مع إعلانات رئيس التحدي، ورئيس المواجهة، ورئيس التحرير من الاحتلال الإيراني، ورئيس المقاومة المستدامة التي لا تقرأ إلاّ في كتاب سلاحها.

 الرئيس الذي يراود خيال حاملي صفاته، رئيسٌ ممتنعٌ في لبنان، أي لا قدرة على انتخابه، ولا قوة كافية لتنصيبه، ولا سياق داخلي يتوفّر له لتنفيذ أي بند من بنود "الصفات الرئاسية" المنسوبة إليه، من قبل الفئات الراغبة بالغلبة المستحيلة، أو الفئات الساعية إلى استعادة ماضٍ انكسرت موازينه، بقوة حاضرٍ لا يقدم لهذه الفئات إلاّ الاختلال الواقعي في الموازين.

لنَعُدْ إلى الرائج حول مقولة "الرئيس القوي"، لنكرّر إن هذا الرئيس غير موجود في لبنان، حسب الفذلكة الأهلية التي تشرح معنى قوته. خلاصة الأمر، أن لا رئيس قويّ في لبنان، أي على مستوى وطني عام، والرئيس الأكثر تمثيلاً لطائفته، حسب المتداول، ليس الأكثر تمثيلاً لدى الطوائف الأخرى، ونضيف، أن القوى الطائفية الفئوية لرئيسٍ ما، هي نقطة ضعف لهذا الرئيس، لدى الطوائف الأخرى. أمّا التمركز الفئوي حول شخص الرئيس المصنّف، ودوران هذا الأخير في فلك الفئوية التي أنتجته، فأمران يجعلانه "كويكباً" ضالاً، ضمن "المجرّة" الأهلية العامة التي لا تضيفه إلى مجموعتها.

ولأن المناسبة مناسبة تذكّر من سبق من رؤساء، لا ضير من إعادة الوقوف أمام بعض من أسماء رؤساء الجمهورية السابقين، لغاية في نفس وضوح الخلاصة الرئاسية، وإيقافها على قدميّ "ماركس"، بدلاً من استمرار وقوفها على رأس "هيغل". من الرؤساء الأقوياء، يتداول الوسط الأهلي اسميّ الرئيسين الراحلين، كميل شمعون وفؤاد شهاب، فماذا عن هذا الرئيس أو ذاك؟

لقد جيء بكميل شمعون كرئيس "تغييري" ليخلف ما عرفه عهد الرئيس بشارة الخوري من فساد، وكان انتخابه خليط قوى تقدمته أسماء أقطاب معارضة، شعبية ورسمية وفق ذلك، لم يكن كميل شمعون رئيس كَسْرٍ، ولا رئيس تحدٍّ، بل رئيس تسوية إنقاذية، رأى فيها أصحابها شرطاً لاستقامة الأحوال اللبنانية، على مقاس التسوية القويّة، المسنودة بتفاهم قوى مختلطة، كان كميل شمعون قويّاً، وعندما فقد عناصر قوته، كان قد غادر نقطة توازن القوّة الداخلية، فانتهى عهده بثورة عليه، بعد أن توسّم فيه "الحلفاء" ثورة على العهد الذي سبقه.

الرئيس فؤاد شهاب، انتخب كرئيس إعادة إنتاج تسوية جديدة بعد أن اختلّت موازين التسوية التي سبقتها، وقد نجح الرئيس الجديد الذي نحَا مؤسّساتيّاً في الداخل، وسار على خطّ المهادنة مع الجوار العربي، وجانب "التمحور" الخارجي، بمقدار ما سمحت به الأحوال اللبنانية. هذا الرئيس الذي كان قوياً "لبنانياً"، أي على صعيد عام، صار ضعيفاً ضمن الفئة الأهلية التي خرج من بين صفوفها، وما كان نجاحاً عامّاً للرئيس، لم يَرُقْ لتحالف المارونية السياسية الثلاثي، فقاد هجوماً مضاداً ضدّ التجربة الشهابية، وثابر عليها، حتى كان له قصب الفوز بالسباق إلى الرئاسة، فكان سليمان فرنجية نقطة ختام التسوية الشهابية، الرصينة، ونقطة بدء استعادة النظام الطائفي اللبناني لمغامراته غير المحسوبة. خلاصة الأمر: انقلب النظام الجامد على محاولات "تليينه"، وما زال ذات النظام يتابع مراكمة تكلّسه، بواسطة ذات القوى الأهلية، ممثّلة بأسماء مختلفة، ومسلّحة برمزيات ماضوية قاتلة.

 نمرّ سريعاً على ما يردّده أصحاب الخيال الطائفي الحالم، عن "الرئيس الحلم"، بشير الجميل، فنذكر أنه سيظل رئيساً افتراضيّاً أُسْقِطَ قبل الدخول في التجربة، وسنذكّر أيضاً أنه كان رئيس فئة داخلية، راكمت على جبل من الانقسام الداخلي، واستعانت بجرأة على الداخل بخارجٍ معادٍ، لذلك، فإن الرئيس "بشير"، كان بشيراً لدى قومه، لكنه كان نذيراً لدى قومٍ آخرين، وما يتمسك به ورثته من "حلم" مفقود، يرفضه خصومه "ككابوس" أزيح عن صدر "الوطن القتيل".
من جديد: رئيس استقرار تسووي للبلد، أو تعذّر إعادة إنتاج البلد المعروف من كل اللبنانيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها