الأحد 2022/08/14

آخر تحديث: 10:27 (بيروت)

زعامتان: جنبلاطية وشيعية

الأحد 2022/08/14
زعامتان: جنبلاطية وشيعية
أخلّ حزب الله بالتوازن الوطني ففقدت سياساته جوانب من اتزانها (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

حسنًا فعل الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، عندما حافظ على علاقته مع نبيه برّي، زعيم الطيف، الواسع، من الشيعية السياسية، وحسنًا فعل، عندما بادر إلى طلب ترميم التواصل مع حزب الله، "زعيم" الطيف الأوسع من المذهبية السياسية ذاتها.
زعامتان، يقودهما مفرد جنبلاطي، وثنائي شيعي، لكلٍّ منهما رؤيته التي يشيعها عن ذاته، وكلٌ منهما لا يرغب في سماع الوصف الذي يغاير الرؤية الخاصة، ويخالفها. وضْعُ المتحاورين المذهبيين على سِكّة حال الواقع والوقائع، يعين على ملاحظة التوازن الذي حفَّ بركاب الخطوة الجنبلاطية، والذي واكب موكب الاستجابة من قبل حزب الله.

التوازن في استعادة "محفل" الكلام الوجاهي، حمل معه الاتّزان السياسي الذي ميّز صاحبي العلاقة. لقد فرض الواقع السياسي اللبناني على المذهبيتين، قراءة نصِّ موجبات تجديد الاتصال والتواصل، وفرض واجبات ستمليها كلمات النصّ المختلط، الذي سيكون مقياسًا مستقبليًّا، لجديِّة ولاستقامة سلوكات ومسالك طرفي العلاقة السياسية.

زعامتان مذهبيتان، تلك هي الحال على المنصّة الجنبلاطية، وهي مطابقة لحال منصّة حزب الله.

جنبلاطياً، غادر وليد جنبلاط جنبلاطية والده، وبدأب بنى وراكم "وليدية" أزاحت الكمالية. سلوك اليوم هو سلوك "وليدي" متّزن، سبقته مواقف متعددة لها الصفة ذاتها، ومواقف افتقدت إلى الاتزان الذي تمثله الجنبلاطية، الآفلة والماثلة.

ممّا يخالف التوازن مثلاً، حرب الجبل الماضية، التي دخلها وليد جنبلاط اضطرارياً، وخاضها بكلّ عدّتها المذهبية، ولم يبخل عليها بما تيسّر من لبوس "وطني" لم يكن كافياً، لإخفاء وجهها المذهبي. لقد لاقى الإخلال بالتوازن من جانب وليد جنبلاط، عدم التوازن الذي أقدم عليه حكم أمين الجميل في تلك الأيام. حصيلة اللاتوازن الوطني جاءت باتفاق الطائف، واستدعت الهيمنة السورية، ورسّخت لهذه الهيمنة.

مثال آخر عن فقدان التوازن، قدّمه الخطاب الجنبلاطي بعد اغتيال رفيق الحريري. لقد ذهب وليد جنبلاط ما بعد غياب الحريري، إلى الكلام السياسي الأعلى والأقسى، فكان كمن "يداوي بالتي كانت هي الداء"، أي أنه عاد من رحلة الارتباط الأعمق بالنظام السوري، إلى مباشرة رحلة الانفكاك غير المحسوب عنه، مع ما اقتضاه ذلك من فكّ تحالفات، ومن نسج تفاهمات جديدة. فعقد مع خصوم الأمس المذهبيين، وحلّ الرباط مع حلفاء الأمس القريب، ومن بين هؤلاء، كان حزب الله الذي عاد وليد جنبلاط إلى مراجعة حساباته المتزنة، حياله.

من جهة حزب الله، جمع هذا الأخير بين سياسات متوازنة، وبين سياسات غير متّزنة، وتدرّج، على طريقته، من مقاومة غلبت عليها صفة الوطنية، فأقرّ بها من وافق المقاومة ومن خالفها، إلى تنظيم مسلّح لا يحجب كلامه الكثير، غلبة مذهبيته على وطنيته، مع ملاحظة دفع طيف لبناني واسع، إلى دَمْغ خلاصة المسيرة "الحزب اللاهية" بهذه الصفة.

أخلّ حزب الله بالتوازن الوطني، المعطى له، ففقدت سياساته جوانب من اتزانها. مثال ذلك، خروجه على سياق الوضع اللبناني في 7 أيار 2008، وركوبه التفرّد بقرار هذا الوضع العام 2006، وجنوحه الحالي إلى تأكيد إمساكه التفصيلي، بيوميات التوجهات اللبنانية المصيرية.

مجدّداً، يعود إلى التلاقي، طرفا توازن بلا توازن، ولا اتزان بلا اتزان وطلب استدراك ما، من ضفتين مذهبيتين، تجدان ما يجمعهما في الظرف الحالي اللبناني، الذي يحتاج إلى جمع الأشباه، واجتماع غير الأشباه، مثلما يتطلب الحد الأدنى من التفاهم حول نقاط مشتركة، ضئيلة الحجم، أو عظيمة الحضور.. لأن بديل كل ذلك، تشرذم إضافي، وتذرّر خطير يطال مصير الكيانية اللبنانية، في أسسها، وفي مسيرتها المتعثرة.

على خلفية الجمع الاضطراري المطلوب، ومع العلم بمضمون مضمرات ومعلنات وتصنيفات المجتمعين... يُعطى لكل بادرة سياسية هادئة، صفة الاتزان، وانطلاقاً من ذلك، وتأسيساً عليه، توجّه إلى كل سياسة قصوى صفة عدم التوازن وعدم الاتزان، لأن هكذا سياسة تطلب غلَبة داخلية غير متاحة، وتحدّد سقوفاً عالية، ليس لها أن تدركها، وعليه، وبالاستناد إلى عدم القدرة، وإلى غياب معطيات التفوق، يصير صاحب الخطاب الأعلى نوعاً من "دون كيشوت" يحارب طواحين الهواء.

خلاصة، يغيب عن الساحة، أو عن المشهد، الفاعل الوطني العام، بما هو معلوم للوطنية من سمات الجمع والعبور والشيوع، لذلك، يتضاءل مصطلح الوطنية اللبنانية الراهنة، إلى حدود السياسات التي تساهم في منع انفجار إطارها الكياني العام... وعليه، فإن لقاء حزب الله ووليد جنبلاط، يندرج في هذا الحيّز الوطني الضيّق، وعلى ضيق فسحته الوطنية، يُعطى له ما يناسبه من مقادير التوازن والاتزان.

صفتان تعطيان لسلوك مذهبيتين راهنتين. نعم، هي الحال، ولو كَرِه فلاسفة الوطنيات الموزعة أشتاتاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها